مقالات وآراء

الواقع المؤلم وترف القوي السياسية وغباء العسكر ..

نضال عبدالوهاب
أرسل لي صديق عزيز قُصاصة تحكي عن خروج صديقين في رحلة واثناء ما هم نائمون في خيمة كشفية ، إستيقظ أحدهم وقال للآخر انظر للسماء ماذا تري ؟، فقال أري النجوم ، فسأله وماذا يعني لك ذلك ، فقال من ناحية فلكية تعني كثرة المجرات، ومن ناحية دينية قدرة الخالق ، ومن ناحية الوقت إنها الثالثة صباحاً ومن ناحية المناخ اننا سوف نستمتع بيوم مشرق وجميل غداً ، فصرخ الصديق الآخر فيه يا أيها الغبي أحدهم يسرق الخيمة! … هذا الحوار كما حدثني صديقي مُرسل القصاصة أنه يشبه تماماً حال السياسيون عندنا وأشباه المثقفين من واقع مايجري في بلادنا ، فأمنت تماماً علي ما قاله واستنتجه عطفاً علي واقعنا السياسي الحالي ..
بكل أمانة هنالك إنفصال تام مابين الواقع ومابين الخطاب السياسي العام … وهنالك هوة عميقة مابين الشارع ومايتم فيه حتي علي مستوي الفعل الثوري وما يرغب الجيل الجديد للوصول إليه ورؤيتهم للتغيير في بلادنا ومابين الفعل السياسي المقابل داخل المجموعات المُختلفة والمتحالفين في كُل الإتجاهات ، سواء لإستعادة الديمُقراطية وإسقاط الإنقلاب أو لإسقاط الإنقلاب عبر تسوية سياسية سواء أتت بالعسكر مجدداً أو أعادتهم للثكنات .. لكن يقيناً فإن كل هذا الجدل مابين طارحي أنفسهم كقوي تغيير جذري أو من يعملون لإستعادة المسار الديمُقراطي وإسقاط الإنقلاب ، أو الساعين لتحالف ديمُقراطي كاوسع جبهة للتغيير ، كلهم يعملون بعيداً عن واقع مآساوي يمس بدرجة مُباشرة المواطن السُوداني في أبسط آماله الحياتية في أن يعيش علي مستوي الكفاف وعدم الحوجة ، أن لا يكون جائعاً وأن يكون حراً وأن يكون آمناً .. البلاد اليوم وصلت إلي واقع مُذرئ تحتاج إلي تفكير وفعل مختلف ، أطراف متآكلة وغير آمنة ومصطرعة وتنهشها الصراعات القبلية المصنوعة ، مناطق انهكتها الحروب وغياب التنمية وأبسط ضرويات الحياة ، نازحين ومعسكرات ، لاجئين فارين من داخل وخارج البلاد ، هجرات مُستمرة للعاصمة وللمدن الكبري ، وضع أمني وبفعل الإنقلاب وهيمنة جيوب ومفاصل بقايا النظام والدولة الكيزانية أصبح في غاية الرداءة ، إقتصاد مُنهار ، شبح المجاعة يقترب ، الكثيرين يبحثون عن مايسد جوعهم من بين بقايا ومُخلفات القُمامة وماتجود به “الكوش” ، غياب تام للدولة ، عساكر لايعلمون أنهم يسوقون البلاد للتلاشئ بفعل إنقلابهم وإصرارهم علي السُلطة والتواجد في الحُكم ، قوي سياسية ومدنية وقيادات تُفكر بعقليات إنتهي زمانها وتقرأ من كتاب “بهُتت” وتلاشت مُفرداته ، قوي سياسية ومدنية تعمل ليل نهار ليس للتغيير أو البناء للبلد ولكنها تشحذ كُل طاقاتها لتكسير بعضها البعض والتربص والعداء لبعضها البعض ، مليشيات وجهلاء يتقدمون ليعيثوا فساداً في الأرض مُستغلين غباء العسكر وترف القوي السياسية وخطابها غير الواقعي وإنفصالها عن الشارع وضعفها وشروخاتها ..
ما يحدث الآن في كامل المشهد يُشبه تماماً ذات الحوار المذكور في مقدمة ما كتبنا الذي دار بين الصديقين عن النجوم والمجرات والخيمة تُسرق!..
الآن البلاد تضيع والقوي السياسية منشغلة في خطاب غير واقعي ولايمُس بشكل مُباشر حال الشعب ورغبته  في وطن حُر وآمن وفي عيش كريم وفي وطن تتوفر فيه العدالة وينتشر فيه السلام ويساهم في بنائه جميع المُخلصين للوطن والثورة والتغيير فيه ..
ما لم يتم النزول للواقع وتغيير الخطاب السياسي للتماشي مع هذا الواقع وتعاون جميع المؤمنون بالحُكم المدني الديمُقراطي أحزاب سياسية وقوي مدنية ولجان مقاومة ومهنيين وحركات كفاح مُسلح تؤمن بالديمُقراطية وتتبني خطاب سلام وحرية وعدالة ووحدة ، وما لم يتم تقديم الشباب وذهاب العسكر وبصورة نهائية عن السُلطة وإسقاط الإنقلاب الحالي وبصورة فورية فإن التغيير سيظل بعيداً ..
لانحتاج لترف سياسي وضعف ولا لغباء عسكري.. نحتاج لعمل وخطاب واقعي ينتشل هذه البلاد من هذا الدرك الذي ساهمنا جميعاً للوصول إليه ولم نُقدر ما بُذل من تضحيات فيه ولم نتنبه أن أحدهم “يسرق الخيمة” ونحن منفصلون عن الواقع تماماً نصطرع ويحطّم بعضنا بعضا! ..
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..