سباق الأجندة الدولية على موارد البلاد

الميدان: قرشي عوض
أثار التحقيق الذي أعدته الصحفية السودانية نعمة الباقر بقناة (سي إن) عن تهريب الذهب السوداني إلى روسيا بواسطة عصابات (فاغنر) ردود فعل واسعة، لما فيه من معلومات مثيرة للجدل.
فقد أوضح أن قيمة صادرات الذهب بلغت 13 مليار دولار بما يتجاوز 3 أضعاف العجز في ميزان المدفوعات. ومن جانبها وصفت الحكومة على لسان مدير الشركة السودانية للموارد المعدنية هذه القيمة بأنها مبالغ فيها. وأن الصحفية استقت معلوماتها من مصادر غير محترفة مما أضعف التحقيق من الناحية المهنية.. فيما وصفه خبراء اقتصاديون بأنه لم يعرض وجهة النظر الحكومية.
لكن بعيدًا عن وجهات النظر المتضاربة والتي لم تخرج عن السياسة سواء تلك التي أشادت بالتحقيق أو التي انتقدته، يلاحظ أنه ركز على الذهب الذي يتسرب إلى روسيا، وأهمل ما يصدر إلى دول أخرى منها الإمارات، أثيوبيا، اليابان، الهند، وكندا. وأن شركة كندية قد دخلت مجال الإنتاج في فترة حكومة حمدوك وباستثمار أكثر من 600 مليون دولار. ويشير بعض الخبراء إلى أن الشركة الروسية التي ركز عليها التحقيق لم تدخل دائرة الإنتاج حتى الآن وهي قولد ميرور، وأن الشركة الروسية التي تعمل وتقوم بتصدير الذهب هي شركة كوش. والتي تحرسها شركة فاغنر الأمنية بالفعل.
وقد اهتمت تقارير غربية سابقة بتهريب الذهب السوداني وأشارت منظمة النزاهة الدولية إلى أن المهدر من ذهب السودان في الفترة من 2012 ـ 2018 يصل إلى 200 طن بما قيمته 4,5 بليون دولار لم تدخل الخزينة العامة.
وذكر تقرير آخر أعدته (الديلي تلغراف) أن الخزينة الروسية استعدت للحصار الدولي بسبب حربها مع أوكرانيا باحتياطي من الذهب السوداني يصل إلى اكثر من 30 طن.
وقد طالبت منظمات عالمية تراقب تطبيق معايير حقوق الإنسان في التجارة الدولية إلى فرض عقوبات على الشركات الإماراتية لأنها تتعامل في الذهب الاتي من مناطق تقع فيها انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان وذكرت منطقة جبل عامر في إقليم دارفور.
وقد اشترطت مؤسسات التمويل الدولية مراعاة الكلفة البيئية والمجتمعية في الأنشطة الاقتصادية، لذلك امتنعت عن تمويل إنتاج الذهب في السودان. مما أفسح المجال أمام الشركات التي لا تهتم بتلك المعايير مثل الشركات الروسية والصينية.
ومن تلك المعايير مراعاة الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالتعدين خاصة اتفاقيات نقل المواد السامة المستخدمة مثل السيانيد والزئبق واتفاقية الصحة المهنية وحماية المناطق الأثرية وحماية الغطاء النباتي، والغلاف الجوي باستخدام تقنيات متطورة وكلها اتفاقيات لم يوقع السودان على بعضها، كما أنه لا يلتزم حرفيًا بالتي وقع عليها.
والشركات الغربية التي تسعى إلى كسب رضاء النخب السياسية في بلدان العالم الثالث استخدمت التقنية المتطورة في تحسين شروط المنافسة بما في ذلك استخدام معايير حقوق الإنسان، في حين بقيت الشركات الصينية والروسية تستثمر بنفس الطرق التقليدية القديمة. والتي لا تشترط أي معايير غير موافقة السلطة، والحكومة السودانية في ظل العزلة الدولية التي منعت تدفق الاستثمارات الغربية كانت مجبرة على التعامل مع الشركات الروسية والصينية. مثل شركة (هواكان حماد) في منطقة الشريك بولاية نهر النيل، والاسم السوداني يشير إلى شراكة محلية.
ولكن رغم ذلك لم يركز المختلفون حول التحقيق على التكلفة البيئية والمجتمعية لاستثمار الذهب، مما جعل النقاش ينصب في دائرة خدمة أجندة دولية تتسابق على موارد السودان. مما يتطلب النظر لهذا السباق المحموم والذي نتوقع أن تزداد وتيرته في مقبل الأيام، من زاوية تقاطعه مع خدمة أهداف التنمية في البلاد وتحقيق المصلحة المجتمعية حتى لا نقف مع أو ضد أجندة دولية لا ناقة لنا فيها ولا جمل.
من هذه الناحية لا بد من الإشارة إلى أن تعدين الذهب قد أفقر المجتمعات المحلية وشكل عقبة في مسار تطور الاقتصاد السوداني، لأنه حرم تلك المجتمعات من عائدات مواردها بجعل التعدين اتحادي يتبع للشركة السودانية للموارد المعدنية، والتي تتحصل كل العوائد الجليلة المتعلقة به والتي كان يجب أن تذهب إلى معالجة الأضرار التي خلفها، كما إنه كنشاط جديد لم يتصل بالأنشطة الاقتصادية الأخرى مما حرم الاقتصاد القومي من التكامل فيما بينه، بما يسمح للجهات المختصة من تلافي الأضرار التي يلحقها هذا النشاط بالمجالات الأخرى مثل الصناعة، لأن التعدين أصلًا من أجل التصدير ولذلك يركز على الذهب ويترك المعادن الأخرى، ففي حين أن السودان يمتلك مخزون يصل مليارات الأطنان من الحديد، لكنه يستورد هذا الخام لمقابلة الاحتياجات الصناعية.
كما أنه ترك آثار مدمرة على القطاع الزراعي، في الأراضي المروية والمطرية لأنه قام أصلًا فيها وقريبًا من موارد المياه، كما 39% من العاملين فيه كانوا مزارعين وينحدرون من ولايات يعتمد عليها السودان في تحقيق الأمن الغذائي وتنتج طعام غالب أهل البلد وهو الذرة الذي يواجه نقصًا مريعًا في هذه العام جعل برنامج الغذاء العالمي يدق ناقوس الخطر بتوقع مجاعة خلال الشهور القادمة.
كما أثر على الغابات ومصائد الأسماك، فقد أثبتت دراسات قامت بها جامعتي الخرطوم والسودان وجود الزئبق في طمي النيل وفي الأسماك ببحيرة النوبة. أيضًا الاعتماد على مورد واحد جعل البلاد تهمل الصناعة، حيث أثبتت تقارير أعدتها منظمات وطنية أن أكثر من 30% من المصانع متوقفة عن الإنتاج، واعتماد الاقتصاد على مورد واحد كما هو حال السودان الذي كان يعتمد القطن ثم البترول والآن الذهب يسميه الاقتصاديون بالداء الهولندي الذي يقود إلى تدمير الاقتصاد ويجعل البلاد تشرف على الكارثة، لكن المصالح الدولية تهمها موارد البلاد لا سلامة اقتصادها وتأمين حياة شعبها.
الميدان
خلينا من ال 13 مليار
وين ال 70 مليار بتاعة البترول وكنتم حينها شركاء المؤتمر الوطنى تجلس فى برلمانه فاطمة أحمد ابراهيم وسليمان حامد وفالروق ابو عيسى ومحمود صالح