
وشيء من هذا القبيل بحدث اليوم؛ فقد ظن السودانيون أنهم قرروا مصيرهم وأعلنوا استقلالهم في ديسمبر عام ١٩٥٥، ولسبب ما لا زال المصريون عبر مخابراتهم وإعلامهم بحسبون أن السودان حديقة خلفية لهم، مثل أوكرانيا بالنسبه لروسيا. ومنذ حكومة الأزهري الأولي نجد ممثلين للمخابرات المصرية في كل الحكومات السودانية، ربما باستثناء حكومة الكيزان في أول أيامها، قبل يونيو ١٩٩٥ عندما رتب حكام السودان الإخوان المسلمون محاولة اغتيال حسني مبارك في أديس، ولما فشلت المغامرة المهببه انبطحوا تماما أمام النظام المصري وظلوا منبطحين إلي اليوم، بل قال عرابهم علي كرتي إن السودان به شح سكاني، فلماذا لا يندمج في مصر؟ وهذا ما قاله محمد نور الدين نائب الرئيس الأزهري عام ١٩٥٥.
ودعنا نقفز للوضع الراهن، أي منذ الإطاحه بنظام البشير في إبريل ٢٠١٩
…. فقد استحالت الثورة إلي عمليات تطويل ومماطله وprocrastination بفعل فاعل. ودعنا نفكر في الوضع بعمق: من المستفيد من هذه الفوضي الحالية ، ومن المتضرر؟ هنالك جهات لم تتأثر مصالحها بالوضع المفلس المرتج الراهن، فالحهات المنهمكة في تصدير موارد البلاد تعمل بانسيابيه، بعد أن سهل أمورها وزير تحارة الثورة مدني عباس بإحيائه للاتفاقيات الثنائية مع مصر المجحفة بالنسبة للسودان، إذ استمرت الشركات المصرية الخاصة والتابعة للقوات المسلحه تشتري تلك الموارد بالعملة المحلية، بدون رخصة تجارية وبدون تخليص من بنكً السودان أو الجمارك، والبنود المعنية هي الماشية والجلود والزيت والحبوب كالسمسم والقطن والصمغ والكركدي…الخ، ولقد شيد المصريون مسلخا عند الحدود من الضخامة بمكان، بل تم منح الجيش المصري اراض شاسعه غرب النيل بالشمالية لتربية العجول وزراعة البرسيم.
وهنالك الذهب الذي تحدثت عنه نعمه الباقر في السي ان ان هذا الاسبوع وكشفت أن ثمة شراكة بين عصابة فاقنر شبه الحكومية الروسية وحميدتي نائب رئيس الدولة… تقوم بتهريب ما قيمته ١٤ ونصف مليار دولار من الذهب سنويا طوال الثلاث سنوات المنصرمه بعيدا عن عين الجمارك وبنك السودان. وما دام الفساد يعم الدولة مثلما كان أيام حكومة الكيزان، بتواطؤ وشراكة مباشرة من القيادة السياسية والعسكرية، فإنها بحق حكومة مافيوزية لصوصية عميلة للجهات الطامعة في موارد السودان، خاصة الجارة مصر ونظام بوتين المافيوزي الروسي، وبالتالي فإن الجرجرة والمماطلة لا تهم الجهات التي لم تتضرر مصالحها. أما الشعب السوداني فما زال يكابد الغلاء والتضحم المنفلت الذي ظل يتفاقم من سيء لأسوأ خلال السنوات الماضية.
فما هو المخرج؟
والعالم كله يشهد أن ثوار ديسمبر ما قصروا وظلوا مرابطين بالشوارع السودانية طوال السنوات الثلاث الماضية، لم تلن قناتهم ولم يرضخوا لإملاءات وقمع الطغمة اللصوصية الأمنية الحاكمة. ونري الجميع يتحدثون عن توحيد قوي الشارع حتي تستطيع أن تستلم الحكم المدني من الجهة العسكرية المهيمنة. ولكن ذلك أيضا يتعرض للجرجرة والدهدهه، ويبدو أن السودان يمر ب (السيناريو. ب) المصري الذي صرح به أحد متنفذيهم قبيل الثورة: (إذا أصبح ألا مفر من الحكم المدني في السودان، فإنه يتعين علي الجهات الاعلامية والدبلوماسية والمخابراتية المصرية أن تعمل علي عدم استقرار الأوضاع في السودان إلي الأبد)، بطريقة الثعلب الذي لما لا يجد سبيلا لاقتحام قفص الدجاج فهو يدخل ذيله من أحد الثقوب ويحركه يمنة ويسرة مرددا “الدجاج سهره ولا منامه!”.
ولقد تبلورت الاستقطابات السودانية في شكل قطبين يقودان الشارع، تعذر توحيدهما : لجان المقاومة وقوي الحرية والتغيير المجلس المركزي. ونحن هنا عمدا نتجاهل الفلول الذين يحاولون أن يشاركوا في قيادة وتمثيل الثورة وهم نفسهم الذين اندلعت الثورة أصلا ضدهم. فدعنا نحصر الأمر بين قحت المركزي ومعها جزء مقدر من المهنيين، من جانب، ولجان المقاومة من الجانب الآخر. وفيما سمعنا مؤخرا كما جاء في تصريح ود الفكي، فإن الاتفاق بين هذه الكتل اصبح وشيكا، متضمنا الهياكل السيادية رالتنفيذيه المقترحة. ولا شك أن هذا مخاص عسير وهناك جهات أجنبيه أقرب الينا من حبل الوريد، وتحشر أنفها في الكبيرة والصغيرة، ليست متحمسة للديمقراطية ولهذه الروح الشعوبية الثورية التي تفحرت في السودان. وهناك من يحسبون ان استقلال السودان لا يعني بالضرورة استقلال القرار والبعد عن المحاور ، والجنوح نحو الحكم المدني الصرف المنصرف للتنمية الاقتصادية الاجتماعية وللسلام الحقيقي ، وللتباحث حول دستور فدرالي يستوعب كل شعوب ومناطق واثنيات السودان.
ومن أهم عوامل نجاح الجهود الحالية لرأب الصدع وتوحيد جبهة الثوار ضرورة إبعاد الوجوه القديمة عن المشهد، خاصة اولئك المرفوضون من جانب الشارع باعتبارهم لم ينجزوا مهام الثورة كما ينبغي عندما واتتهم الفرصة. وهنا أود ان اذكر الجميع بما حدث في بريطانيا بعيد الحرب الكونية الثانية، فإن رئيس الوزراء الذي قادهم للنصر علي ألمانيا النازية هو السير ونستون تشرشل الخطيب المفوه والقائد العسكري ذو الخبرة الطويلة كقائد للبحرية، والذي لولاه لما كان ذلك النصر علي ادولف هتلر. هذا الرجل العظيم رفضه الشعب البريطاني في انتخابات ١٩٤٦ التي اعقبت الحرب ، ومنح الاغلبية في مجلس العموم لحزب العمال برئاسة كلمنت اتلي علي حساب المحافظين حزب تشرشل. ويبدو انه لكل مرحلة رجالها، ومن يصلح لفترة النضال المسلح لا يصلح بالضرورة لمرحلة البناء السلمي.
وسبب آخر لاستبعاد الوجوه القديمة هو أنهم تسللوا أصلا للمواقع القيادية بالحاضنة وبالحكومة ومجلس السيادة عبر محاصصة حزبية ومناطقية احيانا مستتره واحيانا علي رؤوس الأشهاد. والمبدأ الثوري التأسيسي الذي يتفق عليه ثوار ديسمبر هو ضرورة ادارة المرحلة الانتقالية بواسطة العناصر الوطنية ذات الكفاءة والكارُزمية التي لم تتلطخ بأي علاقة بنظام الاخوان المسلمين من قريب او بعيد، وهم كثر وتفيض بهم الدياسبورا والمنظمات الدولية، ولذلك فإن نغمة العداء للوطنيين السودانيين بالدياسبورا ليست من العدل والحكمة بمكان ، فهم علي الاقل ابتعدوا عن ضغوط ومغريات ورشي النظام الفائت وحافظوا علي كرامتهم وعزة أتفسهم، او كما قال البحتري عندما هاجر الي فارس : (صنت نفسي عما يدنس نفسي …. وترفعت عن جدي كل جبس). إذن فهذا نمير من الموارد البشرية المنتقاة التي يمكن ان نطلب منها الحضور فورا، ويقيني ان معظمهم سيلبون نداء الوطن، فانا اعرفهم واعرف الغربة التي عشت فيها لنيف وثلاثين عاما.
ويجب ان نسرع الخطي لاستكمال مهام الثورة من هذا المنظور:
١) الالتزام بمدنية الدولة وابعاد الجيش عن العاصمة، وادماج المليشيات في الجيش، والي حين يتم ذلك ضرورة ابعادها جميعا الي مليط بشمال دارفور
٢). العمل بالوثيقة الدستورية المعدلة: تمديد الفترة الانتقالية لعامين، وخلق مجلس سيادي من خمسة مدنيين، وعلي الا تتجاوز الحقائب الوزارية خمس عشرة، مع دمج كثير من الوزارات مع بعضها البعض.
٣) ًً السلطة التشريعية لدي مجلسي السيادة والوزراء مجتمعين الي حين تعيين مجلس تشريعي من مائة عضو يمثلون لجان المقاومة والنقابات الشرعية فقط.
٤) ًًًتذهب كل الاحزاب الي دورها لتستعد للانتخابات خلال عامين.
ارجو ان يتم ذلك،
والمجد معقود لواؤه لشعب السودان
حريه. سلام. عداله
مدنيه خيار الشعب.
واضيف:
٥ – إعادة تكوين الأمانة العامة لمجلس راس الدولة (القصر الجمهوري) ليكون جسما صغيرا بميزانية بسيطة وبيع كل العربات والهيلمانية. فهذه الامانة ومعها أمانة مجلس الوزراء وراء انهاك ميزانية الدولة و” بعزقة” الموارد وافقار السودان وتكالب العاطلين عن المواهب وراء الوظائف ” الدستورية” وغيرها
واضيف:
٥- اعاده النظر في تكوين الامانة العامة لمجلس راس الدولة ( القصر الجمهوري) ليصبح جسما صغيرا بميزانية بسيطة وبيع اساطيل العربات الفارهة فهذه الامانة بالاضافة لاختها الأصغر (امانة مجلس الوزراء) هى السبب فى انهاك ميزانية السودان وسبب تكالب العاطلين عن المواهب على الوظائف الدستورية وغيرها من وظائف السلطة