“البرهان ـ حميدتي “.. فلاش باك

الخرطوم: نبيل صالح
ما زال السؤال قائماً إزاء مزاعم وجود “خلافات بين البرهان وحميدتي ” وظل العنوان الذي يتصدر الصوالين السياسية والشارع السوداني حتى هذه اللحظة ، منذ أن يمم الأخير وجهه شطر (دارفور) حيث حاضنته العشائرية ، بينما اعتبر المراقبون حديث البرهان الذي ألقاه أمام جمع من عشيرته في ولاية نهر النيل مؤشراً قوياً يعضد ما ذهبت اليه التكهنات بوجود خلاف مكتوم بين الرجلين، ويرى البعض أن الخلافات بين الرجلين ليست جديدة غير أنها بدأت تطفو على السطح بشكل واضح على خلفية تصريحاتهما الأخيرة ، بيد أن هناك رأياً آخر يستبعد ذلك لجهة أن مصيرهما مشترك ، ولا يستطيع أحدهما الاستغناء عن الآخر للسبب نفسه ما يدحض مزاعم وجود صراع بينهما .
تباين التفسيرات
وتتباين تفسيرات المراقبين إزاء ما يرشح عن ” شقاق بين رئيس مجلس السيادة ونائبه” حيث يرى البعض أن ما يحدث لا يعدو كونه أكثر من تبادل أدوار متفق عليها بين الرجلين ، بهدف امتصاص جذوة الثورة وإيهام الشارع بصورة مزيفة بأن الكتلة العسكرية في الدفة السياسية تعاني من انشقاقات وخلافات ربما تغير المشهد بدون ثورة شارع ، بهدف العمل على اخماد جذوة الحراك .
فيما يرى فريق آخر عكس ذلك ويعتقد أن الخلافات حقيقية ويستند هؤلاء على تصريحات البرهان المتكررة بأن القوات المسلحة وقوات الدعم السريع قوة واحدة وعلى قلب رجل واحد” الذي يحاول بها أن ينفي ما يثار بشأن وجود خلافات داخل المكون العسكري بين قطبيه الكبيرين، وصراع نفوذ مع قائد قوات الدعم محمد حمدان دقلو (حميدتي).
ويعتقد البعض أن بداية الخلافات بدأت عقب اعتقال حميدتي عددًا من ضباط القوات المسلحة والمخابرات وجهاز الأمن ، المنتدبين لصفوف قواته، من بينهم ضباط برتب رفيعة ” لواءات مقربين من البرهان مثل اللواء الصادق السيد” ، وذلك في يونيو 2019، بزعم أنهم “استدرجوا قوات الدعم السريع لفض اعتصام القيادة العامة”، وطبقاً لرؤية كثيرين أن تصريحات البرهان التي تكررت أكثر من مرة، يبدو أنها لم تحقق الهدف ، إذ فشل في إخماد نيران الخلافات التي بدأت تظهر رويدًا رويدًا من بين ثنايا المواقف المتباينة والتحركات الفردية .
بداية الخلافات
ويقول المحلل السياسي د.مصعب فضل المرجي : لا يمكن الجزم بحقيقة وجود خلافات بين الرجلين الا أن كل المعطيات على الأرض تعطي مؤشراً ابتدائياً بوجود صراع مجهول الملامح ، ويمضي مصعب بقوله لـ “الحراك” إنه يعتقد أن الخلاف الفعلي بين الرجلين بدأ اذا -صحت تقديراته – عقب فض الاعتصام واعتقال حميدتي عناصر من القوات المسلحة كانوا يعملون بصفة انتداب في قوات الدعم السريع ، بحجة أنهم من أوقعوا عناصره في مأزق فض الاعتصام ، وتابع مصعب: ” اعتبر حميدتي ذلك مؤامرة للتخلص منه بشيطنته وشيطنة قواته ولكنه بذكائه يؤجل الصدام بينه وبين البرهان ، حيث من الغباء أن يصطدم حميدتي بالقوات المسلحة التي يعتبرها مظلة شرعية لقوات الدعم السريع ” .
استبعاد الصدام
ويستطرد مصعب ” اصطدام حميدتي مع القوات المسلحة يعني نهايته الحتمية كقوة شرعية ولكنه ربما يلعب على حبال أخرى غير المواجهة المعلنة ” ويمضي بقوله: ” حميدتي بدأ يتغزل في الثورة ويتحدث عن فشل الانقلاب في محاولة جديدة لاستمالة الشارع كما حدث في بداية ثورة ديسمبر وانحيازه للثورة برفض تعليمات المعزول بقتل الثوار ” الا أن مصعب استبعد أن يحظى حميدتي بما وجده المرة الاولى من ترحيب بعد عملية فض الاعتصام واشتراكه في الانقلاب على السلطة الانتقالية “.
مؤشرات الخلاف
واستند مراقبون على صحة فرضيتهم بوجود خلافات بين الرجلين بالتحركات داخل المؤسسة العسكرية منذ شهور بعيدًا عن البيانات الرسمية التي باتت محل شكوك وريبة ، أبرزها التوجيهات بإخلاء طائرات حربية مقاتلة، من قيادة منطقة وادي سيدنا العسكرية مع إعادة تمركزها في شمال كردفان بقاعدة شيكان الجوية بالأبيض، تزامن ذلك مع لقاءات (حميدتي ) بمسؤولين دوليين وزيارات مكوكية لبعض البلاد منها إثيوبيا ومصر، لكن الزيارة الأبرز التي أثارت ضجة كبيرة تلك التي قام بها إلى روسيا قبل أيام من اندلاع الحرب الروسية على اوكرانيا وأعقبها الحديث عن تدشين القاعدة الروسية البحرية في بورتسودان ، فسر البعض ذلك بأنه في سياق صفقة بين “موسكو” وحميدتي تحديداً لحصول الأخير على دعم سياسي ولوجستي مقابل تحقيق روسيا حلمها الذي ظل يراودها منذ عقود بالحصول على قاعدة عسكرية في البحر الأحمر ، وفي المقابل يعمل البرهان على استمالة المحور السعودي ، الرافض لأي وجود روسي على البحر الأحمر.
وبعد ثورة ديسمبر 2018 التقى الرجلان على مائدة السلطة معاً، الأول ممثلًا عن المؤسسة العسكرية الرسمية والآخر نيابة عن قوات الدعم ذات الثقل الكبير، لتبدأ الخلافات الناجمة عن تباين الأهداف والأجندات تطفو على السطح حسب ما يراه المراقبون ، ففجأة ودون سابق إنذار وجد الرجلان أنفسهما في خضم معركة لا ناقة لهم فيها ولا جمل، الأول (البرهان) الذي كان بعيدًا عن السياسة وهو ما أهله لأن يكون رجل المرحلة المناسب، والثاني (حميدتي)الذي استبق المشهد بإعلان دعمه للثورة الشعبية ، ومع تسارع الأحداث المتلاحقة تصدرا المشهد السياسي، ليس بصفتيهما قائدين عسكريين لكن بصفتيهما السياسية، على رأس السلطة الانتقالية واستطاع الرجلان القادمان من دروب أيديولوجية متباينة، أن يتحدا معًا لأول مرة في تاريخ علاقتيهما حديثة العهد، من أجل عبور المرحلة.
محاولات التعتيم
وحسب تقارير صحفية ، ظلت محاولات التعتيم على الخلافات بين العسكر بشقيه (الجيش وقوات الدعم) قائمة حتى 24 أغسطس 2020 حين وقف البرهان بالمنطقة العسكرية شمال الخرطوم مخاطبًا بعض الجنود قائلًا: “هناك حملات تستهدف تفتيت القوات (النظامية) السودانية، هناك محاولات حثيثة لإيقاع فتنة مع الجيش”، إيذانًا بخروج الصراعات بينهما للعلن ، قبل هذا التصريح بـ “4” أشهر تقريبًا وتحديدًا في 14 أبريل من نفس العام كان البرهان قد أصدر قرارًا بإنهاء انتداب 68 ضابطًا ينتمون للجيش الرسمي من صفوف قوات الدعم السريع، واعادتهم للمؤسسة العسكرية مرة أخرى، وهو القرار الذي اعتبره البعض وقتها بداية نهاية شهر العسل بين القوتين.
الحراك السياسي
انا ماعارف نستفيد شنو من خلافات البرهان وحميدتي مش كلهم عسكر يعني أحمد وحاج أحمد.. المشكلة الكبيرة هي في خلافات المدنيين لأن توافقهم هو السبيل الوحيد لتخلي المؤسسة العسكرية عن الحكم وتفرقهم لمهامهم الأصلية والتي هي اسمي من الحكم نفسه.