مقالات سياسية

الإسلاميون ومبادرة الشيخ الجد.. ما أشبه الليلة بالبارحات

جمال عنقرة

كنت أظن أن مقالي الذي كتبته يوم أمس عن مبادرة الشيخ الطيب الجد “نداء أهل” كنت أظنه كافيا لإبداء الملاحيظ التي أراها واجبة لاستقامة طريق المبادرة حتى تؤتي أكلها بإذن ربها الكريم، واعتمدت في المقال على الإشارات البعيدة، وبعض الملاحظات المهمة المباشرة، لا سيما في عدم شمول المبادرة لقطاعات واسعة يصعب تجاوزها، إلا أن ما قرأته وسمعته من مقالات وتسجيلات حول المبادرة، لا سيما من بعض منسوبي الحركة الإسلامية، أو المحسوبين عليها، مثل تسجيل الأخ ابراهيم بقال، ومقال الأخ الطاهر ساتي، أقنعني أن الحديث “من بعيد لبعيد” لن يجدي، وأنه لا بد من حديث مباشر، ولنا في ذلك سبق نسأل الله أن يتقبله٫

ولم يعد خافيا على أحد سيطرة مجموعة من الإسلاميين علي مفاصل مبادرة الشيخ الجد، وبهذا يعيد هؤلاء ذات الأخطاء القديمة التي وقعوا فيها منذ بداية عهد الإنقاذ، وحتى سقوطها في الحادي عشر من شهر أبريل عام ٢٠١٩م.

أذكر في الشهور الأولى للإنقاذ تمت دعوتي للمشاركة في مؤتمر تم عقده لتناول قضايا الإعلام، وكنت وقتها مقيما في مصر مع الرئيس الراحل المشير جعفر محمد نميري مستشارا إعلاميا، ورغم أن الحركة الإسلامية لم تكن قد أعلنت في ذاك الوقت علاقتها بالنظام الجديد، لكنني تأكدت تماما من أنه من صناعتها، وأن مجموعة منهم تدير دفة كل الأمور، فتحدثت مع كثيرين من الفاعلين الأساسيين، وقلت لهم أن هذا الوضع لن يستقر علي هذا النحو، وهو أصلا وضع غير مستقيم، ثم كتبت مقالا في صحيفة السودان الحديث، ذكرت فيه ذلك، وقلت أن الإنقاذ قالت في بيانها الأول أنها أتت لتصحيح مسار الحكم، ولم تأت لتحكم، ولعل هذا هو السبب الذي قاد إلى المفاصلة الشهيرة في رمضان خواتيم العام ١٩٩٩م، ولهذا السبب ناصرنا الشيخ الدكتور الترابي، الذي كان ينادي ببسط الحريات للناس جميعأ، وانحزنا إلى المؤتمر الشعبي الذي انحاز إليه أكثر الأصوليين والمبدئيين من الإسلاميين، وكان من أسوأ ما أفرزته المفاصلة، أن تزاحم الوصوليين نحو الحكومة ونحو حزبها الحاكم، المؤتمر الوطني، ثم أن الإسلاميين الحقيقيين الذين انحازوا إلى الحكومة كان أغلبهم من الواهمين، الذين لا يرون إلا أنفسهم، ولا يريدون لأحد أن يري شيئا آخر غير ما يرون، وكان حصاد ذلك أن اختار كثيرون الإبتعاد، وارتضي آخرون أن يسيروا بجوار الحوائط، لا يقولون ولا يفعلون إلا ما يرضي المسيطرون.

 

لاحت فرص كثيرة للإصلاح، وكانت بوابة ذلك قانون التوالي السياسي الذي يجيز التعدد الحزبي، والذي قاتل الشيخ الترابي يرحمه الله قتالا ضاريا من أجل إجازته، وكان القصد منه أن يفتح بابا واسعا للتعدد تعود منه الأحزاب الرئيسة للساحة السياسية، إلا أن المسيطرين قاتلوا قتالا أشرس لافراغه من محتواه، ولقد شهدت وعشت تفاصيل معركة واد مبادرة الحوار الشعبي الشامل التي قادها الراحل الشريف زين العابدين الهندي، وكنت أحد أركانها الأساسيين، فاغتالها المسيطرون القابضون وأعانهم علي ذلك بعض الذين قدمهم الشريف ليكونوا سواعد له، فساعدوا علي اغتيال حلمه، فلم يجد غير أن يسأل الله أن يأخذه من بينهم، فاستجاب الله دعاءه، وتركهم في ضلالهم يعمهون.

 

فرصة أخرى لاحت في الحوار الذي طرح مبادرته الرئيس السابق عمر البشير في إحتفال البلاد بذكري الإستقلال المجيد عام ٢٠١٤م، فاستجابت كل القوي السياسية والحزبية الفاعلة، وفي مقدمتها حزب الأمة القومي برئاسة الإمام الراحل السيد الصادق المهدي، والحزب الإتحادي الديمقراطي الأصل برئاسة مولانا السيد محمد عثمان الميرغني، وشارك السيد الصادق في إحتفال الإستقلال داخل القصر الجمهوري، وأناب مولانا أحد أبنائه لتمثيله، وتم تكريم الزعيمين من قبل رئيس الجمهورية، ثم انطلقت بعد ذلك فعاليات الحوار، ولكن اتضح من اللحظات الأولى أن القوي القابضة في الحكومة تتربص بالحوار، وهي تسعي من خلاله لمزيد من التمكين، وتدجين الآخرين، فانفض الجادون من حولهم، ولم يبق معهم غير المنتفعين والذين كانوا لا يزالون يحلمون.

 

وحتى لما استحكم حصار المعارضين للنظام، وامتلات بهم الشوارع، وتقدم الرئيس البشير بمبادرة يتخلي فيها عن حزب المؤتمر الوطني، ويحل كل أجهزة الحكم القائمة علي كافة المستويات القومية والإقليمية، ويشكل حكومة كفاءات وطنية تقود البلاد لفترة زمنية محددة تجري بعدها انتخابات ديمقراطية حرة شفافة، عارضوه، وارغموه علي التخلي عن هذه الفكرة، فسقط النظام بعد أقل من شهرين.

 

والآن، وبعد أن دخلت البلاد في نفق مظلم، وصار احلي الخيارات مرا، ويسر الله الشيخ الطيب الجد لقيادة مبادرة يمكن أن تلم شتات أهل السودان، وتوحد كلمتهم، وتقودهم إلى بر الأمان، سطا عليها بعض أدعياء ومنسوبي الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني، واعتبروها فرصة لاستعادة ما فقدوه بالثورة، وهم بذلك يستبدلون الأدنى بالذي هو خير، ولا خير في هذه المبادرة، ولا في أي مبادرة أخري لا تعمل علي رد السودانيين جميعا إلى طريق الحق والصواب، ولا خير فيها إن لم تعل من شأن السودان وطنا للجميع، وعلي الأخوة الحالمين من الإسلاميين أن يفيقوا، فلقد انتهي عهد التمكين، لا لهم، ولا لغيرهم، وعليهم أن يستفيدوا من هذه التجربة، ولا يضيعونها كما أضاعوا سابقاتها

‫9 تعليقات

  1. كوز منافق. امر السودان لم يكن في من الأيام مهما بالنسبة لكم يا كيزان شعبي على وطني. محاولة اللحاق بقطار التغيير وتصفية حسابات وادعاء الايمان بالديمقراطية والحرية. لعنة الله على الكيزان المجرمين الفاسدين ولعنة الله على الترابي في قبره

  2. “يسر الله الشيخ الطيب الجد لقيادة مبادرة” لكن الكيزان سطوا عليها كما تقول … هل يمكن للبشر السطو وتغيير أتجاه ما يسره الله … ولو فشلت المبادرة ما هو الموقف من “تيسير الله” هل فشل تيسير الله؟ معاذ الله أن يفشل تيسيره؟ هذه هي خدعة وورطة الاسلاميين في نفس الوقت، مثل هدا الكاتب… ينوبون عن الله ويتحدثون باسمه؟

  3. كلام كويس و لكن المحك العمل ؟؟؟ عليك أن تدخل عملياً مع تيار الحربة و السلام و العدالة و التغيير الذي ينهي تمكين الإسلاميون و إذنابهم و غيرهم كما قلت .

    1. واحد ارزقي منافق من الذين باعوا ضمائرهم واقلامهم كوز او متكوزن والعياذ بالله من كل كوز لعين.

  4. في كل مقاله لم يتطرق للثورة والثوار ولا لجرائم القتل والاغتصاب ولا العدالة وعدم الافلات من العقاب

  5. اسلاميين مييين يا هبنقة؟ إنت لسه في الأوهام القبرناها في ديسمبر ٢٠١٨ زمان؟!؟ مش بعد سقوطكم وريناكم أنتم مجرد لصوص وحرامية ولا علاقة لكم بالاسلام ولا بأي دين!
    مش دولتكم الاسلامية اسما طلعت فيها وظائف مغتصبين وقوادين وقاعدين تجلدوا في النسوان نظام الدولة الاسلامية نظام شو وكدا!؟
    صدقني كنا قايلنك اعلامي فاهم ولكن طلعت آخر من يفهم من الكيزان الأنجاس! الاسلاميين قال ! ومال الباقين بني اسرائيل ولا يهود يا معفنين!!!؟

  6. في برنامج (ركن الجنوب) والذي كان يبث قبل نشرة الثالثة عصرا ، عبر اذاعة أمدرمان، كانت هناك فقرة في البرنامج: نحن لازم نعرف الحقيقة. من تاريخه حتى اللحظة لم نعرف الحقيقة.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..