مقالات وآراء

السودان : الويل للمرضعات والحوامل كنتاج لجهل النخب ..

طاهر عمر

لأول مرة في السودان قد أدرك المثقفون والمفكرون والقادة بأنهم قد أصبحوا جميعا في موقف المفضوح بسبب إرتفاع وعي الشعب كنتاج لتقدم فيما يتعلق بتكنولجيا الاتصالات وقد فتحت على ميدان تقدم الشعب وسقوط النخب كما يقول الناقد السعودي عبد الله الغذامي. بفضل ثورة ديسمبر ووعي الشعب السوداني قد أدركت النخب السودانية أن من يقوم بالتغيير هو الشعب وليس القادة و المفكرون والمثقفون وأن مصدر السلطة هو الشعب وما فشل النخب السودانية في أن تخلق جسم معارض موحد لأفشل إنقلاب إلا تجسيد للرفسة الأخيرة التي يعقبها خراج الروح للمثقف التقليدي والمفكر التقليدي والقائد التقليدي والمؤرخ التقليدي في السودان.
قد تأخرت النخب السودانية في أن تجسر الهوة فيما بينها وما وصل إليه حال العالم من تقدم وإزدهار مادي بسبب نخب سودانية يفصل ما بينها وحال النخب في المجتمعات الحية ما يزيد على القرن من الزمن ولذلك جاءت مقارباتهم فيما يتعلق بالشرط الانساني ضعيفة بشكل يثير الشفقة وبفكر لا يستطيع أن يقدم للنخب السودانية إمكانية فهم أن ما يشغل ضمير الانسان الآن يقع في محيط فكر يسار الرأسمالية بعكس إصرارهم على وهم أحزاب اللجؤ الى الغيب وفكر أتباع الايديولوجيات المتحجرة كما تجسد نسخة الشيوعية السودانية وأتباعها وقد وقف بهم الحال في صعوبة إدراكهم وقبولهم لنمط الانتاج الرأسمالي باصرار يدل على أن هناك ضعف هائل في مناهجهم.
ما زال الشيوعي السوداني غير قادر على إدراك أن مسألة الظواهر الاجتماعية وإفتراض عقلانية وأخلاقية الفرد قد أصبحت بديلا لفكرة الصراع الطبقي بعد أن أصبح علم الاجتماع بعد معرفي في صميم الديالكتيك. ولكن من أين للشيوعي السوداني أن يدرك كل ذلك وقد كسدت الساحة الفكرية في السودان من فكر عالم اجتماع يكون في نفس الوقت مؤرخ واقتصادي ملم بأدب النظريات الاقتصادية وتاريخ الفكر الاقتصادي؟ ويزداد الحال سؤ في غياب مؤرخ سوداني يقدم مقارباته عن تاريخ الاجتماع والتاريخ الاقتصادي على المدى الطويل والمدى المتوسط والمدى القصير في ظل معرفة بتاريخ الذهنيات وقدرة على رصد التحول في المفاهيم.
نقول كل ذلك وندلل على صحته بأن الأحزاب الشيوعية في الغرب وقبل قيام الحزب الشيوعي السوداني قبل ستة وسبعين عام قد قبلت بنمط الانتاج الرأسمالي بفضل ما قدمه غرامشي من مقاربات لم يستوعبها الشيوعي السوداني الى اللحظة ولهذا نجد أن الشيوعي السوداني ما زال يصر على نهاية التاريخ وإنتهاء الصراع الطبقي وليس ذلك وحسب بل أن الشيوعي السوداني قد لوث ساحة الفكر السوداني وقد أصبحت النخب السودانية غير قادرة على امكانية فهم فكرة نمط الانتاج الرأسمالي بل أن أغلب النخب السودانية تعتقد وهي مخطئة أن أقصر الطرق لتحقيق التنمية الاقتصادية ينبغي ان يمر عبر طريق الفكر الاشتراكي وهذه واحدة من المضحكات المبكيات وقد انتبه لها منصور خالد وقد وصفها بأنها كانت من أخطاء النخب المميتة وقد اورثت الساحة كساد فكري هائل نجده اليوم في فشل النخب السودانية في قيادة التحول الاجتماعي المفضي الى التحول الديمقراطي.
هذا بسبب فشل النخب السودانية لفهم فكرة نمط الانتاج الرأسمالي وكله بسبب أتباع نسخة الشيوعية السودانية وتدميرهم لساحة الفكر في السودان مثلا لماذا رضيت الأحزاب الشيوعية والاشتراكية في الغرب بنمط الانتاج الرأسمالي ونجد أن فرانسوا ميتران قد أدخل أفكار جون ماينرد كينز وقد طبق فكرة الحد الأدنى للدخل من معادلة وفكرة المقطع الرأسي في سبيل تحقيق فكرة الضمان الاجتماعي مع مراعاة معادلة الحرية والعدالة؟ الاجابة أكثر من سهلة لأن ميتران وريث لفكر عقل الأنوار ومدرك لمفاصل التاريخ أي متى وكيف ولماذا انتهت فلسفة التاريخ التقليدية وكيف بدأت الليبرالية الحديثة وهنا ينام سر تخلف نخب اليسار السوداني الرث وإصرارهم على فكرة نهاية التاريخ وانتهاء الصراع الطبقي.
لهذا نقول للنخب السودانية معرفة فلسفة التاريخ الحديثة ومعرفة الليبرالية الحديثة هو أول خطاوي الانعتاق من نير تأثير الشيوعي السوداني السالب ولهذا نقول لأصدقاءهم وهم يظنون أن طريق الفكر الاشتراكي هو أقرب الطرق لتحقيق التنمية الاقتصادية أن هناك مدى زماني يقدر بقرن من الزمن يفصل ما بينكم وبين ايمان أحزاب الشيوعية والاشتراكية في الغرب بنمط الانتاج الرأسمالي وقطعا ردم هذه الهوة سوف يساعد على نقل مستوى الوعي في السودان وبالتالي يساعد على إنزال مفاهيم جديدة في الساحة الفكرية في السودان وهي تؤسس للتفكير النقدي الذي يفتح على فكرة النزعة الانسانية ولا تكون بغير انزال فكرة القطيعة مع التراث القريب منه قبل البعيد وتفتح الطريق الى مجد العقلانية وابداع العقل البشري وفقا لضمير الوجود وتجربة الانسان وما أحوجنا لمثل هذا الفكر وقد امتلأت ساحتنا بأتباع المرشد والامام ومولانا والاستاذ كما يحلو للشيوعيين وصف عبد الخالق محجوب وقد أصبح صنم ذهني كبير قد قال قائلهم فيه أهدم عبد الخالق تهدم الحزب الشيوعي السوداني وما درى القائل بأن الحزب الشيوعي السوداني ما هو إلا ركام بسبب تخلفه عن ركب المفكريين في العالم الحر.
وهنا يمكننا أن ننظر للفجوة التي تفصل الشيوعي السودان وبقية مفكري العالم الحر حيث نجد عند مفكري العالم الحر أن الشيوعية والنازية والفاشية ما هي إلا أحداث قد نتجت بسبب إنتهاء فلسفة تاريخ تقليدية قد أزاحتها فلسفة تاريخ حديثة وليبرالية تقليدية قد أفسحت المجال لليبرالية حديثة وهذا هو الغائب من مكنون الشيوعي السوداني الذي ما زال يظن بأن الشيوعية أجمل من أن توصف أو تغنى وغاب عن أفقه بأن تطور الفكر الليبرالي وقد أصبح أقرب الطرق وأقصرها لتحقيق الرفاه الاقتصادي.
وسبب جهل الشيوعي السوداني أنه جهل موروث بسبب تفويت الفرص المتواصلة منذ جيل أتباع مؤتمر الخريجين وكانت ثمارهم أنهم قد أنخرطوا في أحزاب لم تكترث لغير ثقافة تقليدية قد عبدت وأبدت خنوع النخب لفكرة الأبوية ولا يمكن أن تتحدث عن تحول ديمقراطي في ظل نخب غائصة في وحل خنوعها لثقافة أسيرة لسلطة الأب وميراث التسلط بعكس فكر مثقفي المجتمعات الحية حيث ينتصر فكرها دوما لفكرة الفرد والعقل و الحرية و بالتالي نجد أن العلاقة دوما للفرد بالدولة كمفهوم حديث وعن الحريات وليست الهويات كما رأينا سيطرة الفكر الطائفي وأحزابه وعلاقة الفرد بالجهوية والقبيلة والادارة الاهلية والطرق الصوفية.
وكلها صفات المجتمعات التقليدية ولا يمكننا أن نبني دولة حديثة وما زالت هياكل المجتمع وتراكيبه هشة لا تمسكها غير قيم المجتمعات التقليدية مثل إزدهار مبادرة رجال الطرق الصوفية وهترشة رجال الادارة الأهلية. وبقى أن نبحث عن منبع مبادرة أم ضوبان وكيف تجمع الكيزان والفلول خلف خليفة ود بدر فما هي إلا نتاج بحوث مؤرخين سودانيين قد كانت بحوثهم ومقارباتهم تبحث في الطرق الصوفية بشكلها التقليدي وتجد لها مبرر بل تطلق عليها بأنها قد أسست لصحيح الدين كما نجد بحوث علي صالح كرار كمؤرخ سوداني قد قدم مقاربات فيما يتعلق بالطرق الصوفية في السودان وهو لا يختلف عن محمد ابراهيم ابوسليم وهو يبحث فيما يتعلق بموروث المهدية وقد أسس لفكرة أن يقبل الصادق المهدي كرجل دين كمفكر سياسي وشتان ما بين المفكر السياسي ومنطلقات الصادق المهدي الدينية.
لهذا قد ذكرنا بأن المؤرخ التقليدي أمثال علي صالح كرار ومحمد ابراهيم ابوسليم يكمن في أعماق بحوثهم تكلس الفكر إذا ما قارنا فكرهم بفكر هشام شرابي في تنبيهه بأن الفكر الديني وما يعرف بالثورات كالمهدية والسنوسية والوهابية لم تكن يوما في صالح تطور الفكر بل قد قطعت الطريق امام إمكانية تحقيق فكرة القطيعة مع التراث وللأسف ما زلنا في ظل نخب سودانية فاشلة تحتفي ببحوث مؤرخ تقليدي كعلي صالح كرار ومحمد ابراهيم ابوسليم ومن عمق بحوثهم قد جاءت مبادرة ام ضوبان وخلفها الفلول والكيزان والغريب أن الكل يتسأل من جاء خليفة ود بدر بمبادرته وخلفه الكيزان والفلول؟ قد جاء من عمق بحوث محمد ابراهيم ابوسليم وعلي صالح كرار وحديثهم عن صحيح الديني وكله من فكر المؤرخ التقليدي.
على العموم الطريق طويل وينتظر النخب السودانية الكثير الكثير ولا يبدأ طريق الأمة السودانية بغير التخلص من فكر الشيوعي السوداني الذي قد ذهب الى الحزب قبل الذهاب للكتب وكذلك لا يكون طريق الخلاص بغير التخلص من فكر مؤرخ تقليدي يتحدث عن صحيح الدين ولا يبدأ طريق الخلاص بغير ترسيخ فكر ليبرالي يؤسس الى قبول النخب السودانية بفكرة نمط الانتاج الرأسمالي و التخلص من فكر ما زال يؤمن أتباعه بالمطلق كما رأينا محاولة الكيزان في تقديم فكر يزعم تقديم حلول نهائية وكما فكر الشيوعي السوداني في ايمانه بالمطلق ومحاولة تقديم حلول نهائية ولذلك لا يختلف الشيوعي السوداني عن الكوز السوداني في مسألة الايمان بالمطلق في زمن النسبي والعقلاني وتوهمهم بتقديم حلول نهائية وهيهات.
على كل حال في ظل ضعف النخب وهي تواجه لحظة موات فكرها لا تتوقعوا غير ركوب الرأس من الكل سيظل الحزب الشيوعي في مشكساته وتكسير مجاديف الثورة ودس المحافير والمكاجرة ظانا بان الفوضى عندما تعم سيؤول لهم حكم السودان وهذا دليل قاطع على تدني مستوى وعي الشيوعي السوداني وهو يحاول أن يرجع عقارب الساعة للوراء ويعشم بأن يحكم السودان ويعود بنموذج فنزويلا وكوريا الشمالية ولا يشبه مستوى وعيهم المتدني غير عشم الكيزان في الرجوع الى الحكم من جديد وفي غياب شخصية تاريخية تنقذ السودان و الشعب السوداني فالويل للمرضعات والحوامل وما ينتظر السودانيين بسبب جهل نخبهم.

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..