برامج التوسيخ الغنائي!!

نقر الأصابع ..
سراج الدين مصطفى
يحسب للأستاذ علي مهدي أنه سعى سعياً لتكوين مجلس المهن الموسيقية والمسرحية.. وهذه حقيقة تاريخية لا مزايدة عليها .. نقولها إنصافاً وإحقاقاً للحق .. والحق احق ان يتبع .. رغم انه موضع تباين من الآراء .. وهو يعتبر شخصية جدلية .. خصوصاً حينما صدح برأيه في ثورة ديسمبر المجيدة ..
ولكن موقفه المعارض للثورة رغم أنه جر عليه السخط والغضب الشعبي ولكن كل ذلك لا يمنع أن نقول بأنه صاحب الفكرة حينما دونها كفكرة في جريدة الصحافة في مقال بعنوان (قانون الفنان) .. خطط الرجل فكريا للمجلس حتى أصبح للمجلس قانون تشريعي مجاز من البرلمان.
لا أريد أن أبحر بالنقاش في تفاصيل قانون مجلس المهن الموسيقية والمسرحية .. ولكن ما يهمني ويهمنا كلنا أن الدولة وقتها أجازت له قانونا ليرتقي بالمهن الموسيقية والمسرحية ليهذبها ويشذبها ويفرض الاحترافية والمهنية ولكن مع الأسف المجلس لم يمارس دوره الرقابي واكتفى فقط بمنح البطاقة (لكل من تقدم لها) ويجب التوقف ملياً في ما بين الأقواس ..
حيث لم تتم ممارسة سياسة (الغربال الناعم) .. وأصبحت بطاقة المجلس في الجيب الخلفي لكل من هب ودب وأصبح المجلس في وضعية المتفرج على الساحة الفنية بكل تفرعاتها وتشكيلاتها الإبداعية المختلفة .. وما يحسب على (علي مهدي) انه كان ربان سياسة الطبطبة والمجاملة حيث لا يترك البلاغات تذهب للمحكمة .. فيما عدا حالات نادرة تكاد لا تصل في عددها أصابع اليد الواحدة.
ليس مجلس المهن الموسيقية والمسرحية وحده الذي فشل في الارتقاء بالمهن الإبداعية .. هنالك أيضاً مجلس المصنفات الأدبية والفنية المعني بتطبيق قانون الملكية والفكرية .. وهو قانون منتهك ومنتهي الصلاحية في السودان تحديداً.. ومن يريد أن يتأكد من بوار ذلك القانون وكساده كان شهر رمضان في كل القنوات الفضائية السودانية.
وأعني هنا تحديدا البرامج الغنائية .. والتي ذكرت في مقال سابق أنها برامج للتدمير الممنهج للوجدان السوداني .. ويلاحظ هنا بأنها برامج ذات أفكار دائرية ومستنسخة من بعضها .. كلها تتشابه وتكاد أن تتطابق وتمشي على إيقاع الحافر في الحافر.. وهذه البرامج كلها تقوم بدعوى (التوثيق) ولكنها في الحقيقة تمارس (التوسيخ) للإرث الغنائي السوداني.
لا يُعقل أبداً ان تفشل كل تلك البرامج في تقديم اغنية واحدة جديدة فيها ولو جزء من الطعم القديم .. وفي هذه الوضعية المؤسفة والمزرية يجب على الدولة أن تتدخّل وبأعلى سلطاتها للحفاظ على الوجدان السوداني وإرثه الإبداعي العظيم.
تلك المجالس فشلت في السيطرة على هذا الجموح الغريب في التخريب .. وفشلت في ممارسة دورها الرقابي والتنظيمي .. وفشلت في الحفاظ على الوجدان السوداني وتركته في رعاية سوق الإعلانات والبزنس .. وتلك هي الحقيقة المجردة أن تلك البرامج تبحث عن الرعايات والإعلانات وليس الترفيه والتوثيق .. تلك القنوات تحصد المليارات لتدفعها لمن يجترون أغاني الجيل القديم.
الشعب السوداني هو من يدفع تلك المليارات .. ويتم تقديمها لقمة سائغة وباردة لمقلدين ومرددين ومغنواتية كل مؤهلاتهم الإبداعية القدرة الفائقة في اقتناء البدل الفاخرة وربطات العنق الأنيقة.