فيضانات بفعل الحكومة الانقلابية

من الآخر
أسماء جمعة
يعاني السودان هذه الأيام من فيضانات عنيفة وغريبة لم يشهد مثلها تقريباً، كثيرون قالوا إنها بفعل فاعل لغرابتها، وخرج من يؤكد. بعض قال إن هناك جهة رسمية قامت بتغيير مجرى السيول في اتجاه بعض المدن باستخدام آليات ثقيلة، والجهة لم تنف حتى الآن. وبعض تحدث عن فتح بوابات وقنوات خزان سنار، وهذا ما اعترفت به الحكومة رسمياً من خلال خبر نشرته (سونا) يوم 21 أغسطس قالت فيه نصاً: “عزا وزير الري والموارد المائية، المهندس ضو البيت عبد الرحمن، الفيضانات والسيول بالمناقل إلى فتح ممرات وقنوات مائية بالخطأ، نتج عنها تدفق المياه من النيل الأزرق والخيران الرافدة. ونفى تصفية وزارة الموارد مياه النيل في المناقل كما يتداول البعض، مشيراً إلى أن مياه الأمطار ارتفعت بنسبة 53 ملم هذا العام، والسيول إلى 24 مرة من سيول وفيضانات العام 1985”. ولكن تم حذف الخبر وأعيد نشره من غير هذه الفقرة.
المهم، خرج أحد العاملين وشهد بالحقيقة كاملة، وقال إن الحكومة طردت العاملين في الخزان من أهل الخبرة القدامى لأنهم طالبوا بتحسين رواتبهم، فأوقفتهم وتجاهلتهم واستعانت بمن يجهلون العمل. بل تم طردهم حين تبرعوا بالعمل أثناء الخريف حتى لا تقع هذه الكارثة. وعليه تتحمل الحكومة المسؤولية كاملة، لأن هذا استخفافاً بالأرواح والممتلكات، وهي جريمة أعظم من جريمة الانقلاب الذي خلف دماراً واسعاً. فأيهما أعلى تكلفة أيها الانقلابيون، رفع رواتب العاملين أم هذه النتيجة الكارثية؟!
ارتفاع نسبة الأمطار كان متوقعاً وقد تنبأت به المراكز العلمية والمنظمات العالمية منذ زمن مبكر، إلا أنها لم تتحدث عن مثل هذا الفيضانات التي تبدو غير علمية وغير منطقية. ولكن المهم هو أن الحكومة كانت على علم بما سيحدث ولم تتحرك وتستعد وتضع الاحتياطات، بل تجاهلت الأمر تماماً وزادت عليه بتسليم العمل في الخزان لمن لا يعرفون شيئاً عنه.
طبعاً الحكومة سعيدة بالدمار والموت الذي خلفته الفيضانات، فقد أنابت عنها وقامت بما تقوم به هي من قتل وخراب يضعف الشعب ويشغله عنها، وما يعكس هذه السعادة هو برامجهم التي كانو يقومون بها. ففي الوقت الذي كانت الفضائيات العالمية تنقل أخبار وصور الدمار والموت، وتضج وسائل التواصل بالنداءات والتعاطف والمناظر المحزنة، كان تلفزيون السودان ينقل تعازي البرهان للرئيس المصري في موت (41) شخصاً في حادثة حريق كنيسة أبو سيفين ويتضامن معه. في حين تجاوز عدد قتلى الفيضانات الضعف، وكان الجيش يحتفل بفشله التاريخي وسقوطه رقم (68) في امتحان الجيوش القومية الوطنية المهنية القوية، وكان البرهان يعرض أمام جنوده وكأنه في عالم آخر.
بعدما عم الخراب، خرج قائد الانقلاب وبعض أتباعه (يتفسحون) بين الأنقاض والأطلال والمستنقعات الكبيرة التي تكونت، خرجوا يتجولون والحراسات خلفهم وأمامهم، تسبقهم كاميرات التصوير توثق لفشلهم وإهمالهم وتآمرهم على الشعب، خرجوا يتسولون العالم ويستقبلون المساعدات التي لن يراها المتضررون.
إن كنا في أي دولة أخرى في العالم مهما كانت درجة ثرائها واستقرارها وحدثت مثل هذه الكارثة، لأوقفت الاحتفال بأي شيء ووجهت جنودها وأموالها لإنقاذ المواطنين فقط، إذ لا يوجد مبرر لأن يحتفل الجيش ببذح والشعب يعاني ويموت بسبب كارثة طبيعية تعتبر تسونامي بكل المعايير، ولكن من يخطط لارتكاب الجريمة لا يتعاطف مع الضحية.
مشكلة الفيضانات هذه ظلت تتكرر كل عام لأكثر من ثلاثين سنة، ولكن النظام المخلوع ظل يتجاهل عمداً إنشاء مصارف وكباري وخزانات، وحتى الذي ينفذ يكون غير مطابق للمواصفات لتجرفه السيول، حتى لا ينعم الشعب بحل جذري ويجدوا هم سبباً سنوياً للتسول.
عموماً هذه نتيجة الانقلاب، وحكم العسكر أينما حل يحل معه الخراب والدمار واللعنات، والآن ماذا تبقى لهم ليفعلوه بعد قتل الشعب بالأسلحة والبمبان والإهمال الإفقار وأخيراً الغرق؟! ورغم هذا لن يسكت وسترى الأيام القادمة أي منقلب ينتظرها.
الديمقراطي
إنت ارجل من الرجال ومصادمة في الحق حفظك الله و رعاك