
الحسن النذير
لا أحد يستطيع أن ينفي بأن السودانيين يمرون بذروة أزمة سياسية، لازمتهم منذ الإستقلال في العام 1956.
للأسف عدم القدرة علي إدارة الخلافات حول السلطة بين الفرقاء السياسيين، أدت إلي اللجوء الي المؤسسة العسكرية ، أو بالأحري تسليم السلطة لقيادة الجيش بدلاً عن التداول السلمي للحكم. حدث هذا أولاً بتسليم رئيس الوزراء (عن حزب الأمة) عبدالله خليل، السلطة لقائد الجيش، الفريق إبراهيم عبود في 17 نوفمبر 1958. وبدأت الدوامة (فترة قصيرة ديمقراطية- إنقلاب عسكري- ديمقراطية- انقلاب…)، واستمرت البلاد تدور داخل هذة الحلقة الشريرة، التي أوصدت الباب أمام التنمية والإزدهار . أوصدته أمام الحرية والعدالة والسلام.
بتنا في عراك من أجل السلطة والثروة، وفقدنا البوصلة تجاه التنمية والعدالة الإجتماعية والتعايش السلمي. فقدنا البوصلة تجاه الإدارة الصحيحة لإختلافاتنا .
اليوم، بعد مهزلة الإنقلاب الأخير، الذي نتمني أن يكون الأخير، يطالبنا قائده، بأن نتوافق .
كشرط لتسليم السلطة الإنتقالية للمدنيين ! .
ببساطة، المطلوب، أن يتم التوافق بين من يؤيدون الإنقلاب مع من يقفون ضده. أن يتوافق من قاموا بالثورة مع من قامت ضدهم الثورة ! .
دون أدني شك، هذة معادلة لا يمكن حلها. ودون أدني شك، من يطالب بهذا النوع من التوافق، يطالب بتصفية الثورة. ببساطة، هذا التوافق، إن حدث، يعني نهاية الحرية والسلام والعدالة. وقيادة الإنقلاب تعني ذلك فعلاً. والدليل علي ذلك :
– تصفية لجنة إزالة التمكين ، كأول قرار للإنقلاب .
– إرجاع الأموال والممتلكات المنهوبة للصوص النظام الإخواني البائد .
– إرجاع كبار موظفي النظام البائد للعمل في مؤسسات الدولة .
– تتكرر النزاعات القبلية والإنفلات الأمني في كل البلاد.
لذلك، نحن لسنا في حالة إنسداد أفق سياسي، يكون حله، بتوافق بين الفرقاء السياسيين. لأن التوافق يعني الإستمرار داخل الحلقة الشريرة. التوافق مع مؤيدي الإنقلاب يعني إنهاء مسيرة ثورة ديسمبر، والتنكر لشهدائها. هذا التوافق يعني ببساطة أن ننسي شئ اسمه الثورة ! .
إن كان هنالك إنسداد أفق، فهو يعني ذروة التناقض بين قوي الثورة المضادة ومن يريدون التغيير الذي يخرجنا من الحلقة الشريرة الي آفاق الحرية والسلام والعدالة، ليس كشعارات، بل كحقائق تتنزل علي ارض الواقع. دون ذلك سنظل نقبع في بركة التخلف الآسنة.
لا توافق مع من أوصلونا إلي هذا الدرك السحيق : نبني بيوتنا من الطين فتجرفها السيول وتهدمها الأمطار . ويموت أطفالنا بأعداد كبيرة دون سن الخامسة. وتموت نسائنا بتعسر المخاض. ونموت بأمراض نسيتها أغلب الدول. نأكل خشاش أرض بها سبعة أنهار. نجوع في بلاد تذخر بأكبر ثروة حيوانية وأوسع أراضي صالحة للزراعة وباطن أرضنا يحوي أضخم ثروة معدنية قلما توجد في بلد واحد. ونثقل بالديون في بلد ينتج آلاف الأطنان من الذهب . أي توافق يريدون، ومع من؟.
كلام صحيح مائة بالمائة