عكسية العلاقة ما بين طموح الشعب السوداني وخنوع النخب ..

طاهر عمر
الشعب السوداني حيوي وطموح ومواكب يحس بالتغيرات التي تصاحب المجتمع على مر الأيام ويطمح دوما أن يكون في المقدمة ويسير ليلحق بمواكب الانسانية وهذا يفتح على الأحداث التي حاول فيها الشعب السوداني جاهد أن يشب عن طوقه ويلحق بمواكب الشعوب المتقدمة والغريب أن جبار الصدف الذي يقف حائلا بينه وتحقيق مراميه هم نخبه التي لم تعطي أي مؤشر على أنها على مستوى عالي من المسؤولية الاجتماعية وعبرها يمكن تنظيم حركة المجتمع.
ليس غريب أن يكون المثقف السوداني أكثر تقليدية وقد تجسدت في تقليدية المؤرخ السوداني العاجز عن قرأة مؤشرات طموح الشعب وكيف يستطيع إعمال المعجل أو المسرع اذا كان مؤرخ متسلح بأدبيات الفكر الاقتصادي ولكن كان نصيبنا مؤرخ تقليدي بينه والنظريات الاقتصادية حاجز نفسي يجعله في خصومة مع أي نوع من المواكبة التي تفتح على العلوم الانسانية وتقدح شرارة عقل مؤرخ يكون ملم بالنظريات الاقتصادية وتاريخ الفكر الاقتصادي وآخر ما توصل له علماء الاجتماع. لهذا كان السياسي السوداني وما زال متغير تابع لمؤرخ تقليدي غير مستقل واذا بالحال يفتح على عجز النخب السودانية وهي تغوص في وحل فشلها الذي يأبى أن يزول.
السياسي السوداني صورة مشوّهة للمؤرخ السوداني العاجز أن يكون مؤرخ وعالم اجتماع واقتصادي وفيلسوف كما رأينا حال الشعوب الحية كيف تقدم خيرة عقولها في زمن الأزمات التي تحاصر الشعب كحالنا الآن ويتبعهم قانوني سوداني من عبدة نصوص عقل القرون الوسطى التي ما زالت لا تؤمن بأن الانسان هو الغاية وبالتالي قد أصبح مركز الكون وقد دخلنا في عصر تأليه الانسان وأنسنة الإله.
نضرب مثل على ذلك أن أفكار ماكس فيبر هاهي يمر عليها القرن وما زالت سيدة الموقف لأنه كان عالم اجتماع ومؤرخ واقتصادي وقانوني قد أدرك بأن العقلانية والأخلاق ما يفرز الناخب الرشيد والمستهلك الرشيد وكان سهلا عليه أن يتحدث عن عقلانية ورشاد الرأسمالية التي يشيطنها عقل النخب السودانية التي ما زالت أسيرة أيديولوجيات متحجرة لا تفرق ما بين يسار الرأسمالية ورأسمالية متوحشة يحاربها فلاسفة وعلماء الغرب نفسه إلا أنهم يفرقون ما بين الوقوع تحت نير أيديولوجية متحجرة وبين كيف تفتح مسيرة الانسانية على اللا نهاية.
وقبل ماكس فيبر قد تحدث توكفيل عن الديمقراطية الامريكية وكيف كانت ثورة الديمقراطية نتاج تحول في مفاهيم الارستقراطية وأرباب العمل فيما يتعلق بالمسؤولية الاجتماعية وكيف تكون مسؤولية المجتمع نحو الفرد ومنها قد تولدت فكرة الضمان الاجتماعي ولم يكن ذلك بيسير بغير ترسيخ فكرة المساواة وها هي أفكار توكفيل على مدى قرنيين من الزمن تتطور لتصبح متجسدة في فكرة الضمان الاجتماعي وقد نتجت عنها فكرة الاقتصاد التشاوري الذي قد أصبح صفة ملازمة لاقتصاد فرنسا وقد تولدت عنه فكرة الحد الأدنى للدخل وقد طبقها فرانسوا ميتران في مطلع ثمانينيات القرن المنصرم متأثر بالنظرية الكينزية.
و يمكننا ان نتسأل كيف استطاع ميتران أن يصل لفكر يجعله متصالح مع الكينزية مع أنه أشتراكي؟ وهذا سؤال موجه لنخبنا أسيرة شعارات لن يحكمنا البنك الدولي وغيرهم ممن تقطعت بهم السبل في فكر متكلس لا يريدون مفارقته متوهمين بأن إضطراد العقل والتاريخ سوف يفتح على نهاية التاريخ وانتهاء الصراع الطبقي في وقت قد أصبح البديل هو كيفية مجابهة الظواهر الاجتماعية بفكرة أخلاقية وعقلانية الفرد وهي نتاج عقلانية الرأسمالية التي تحدث عنها ماكس فيبر.
قد يخطر ببالك أيها القارئ خاطر وهو مالنا وماكس فيبر وتوكفيل فانهم قد فكروا لمجتمعت تاريخها الاجتماعي وتاريخها الاقتصادي يختلف عن تاريخنا بشقيه الاقتصادي والاجتماعي وهذا الخاطر قد عبده وأبده المثقف السوداني الفاشل الذي يتحدث وهو يجهل أن الظواهر الاجتماعية سواء كانت في الغرب أو في الشرق لا يمكن ضبطها بغير معادلة الحرية والعدالة وهي صالحة لضبط أي مجتمع بشري.
لكن نخبنا الفاشلة التي ما زالت تتحدث عن إمكانية المصالحة ما بين العلمانية والدين والمصالحة ما بين الاشتراكية والرأسمالية والاصالة والحداثة تتهرب دوما من حقيقة أن تجربة المجتمع الغربي قد قدمت مختصر تاريخ الانسانية ولا طريق غيره لأن الحداثة واحدة وعلى المثقف التراجيدي السوداني أن يكف عن نشر جهلاته إذا استمع لنصيحة عالم الاجتماع هشام شرابي وهو يؤكد بأن تجربة الغرب مهمة وعلى النخب في العالم العربي والاسلامي كمجتمعات تقليدية دراسة تجربة الغرب وتطور الفكر في الغرب ولا سبيل للخروج من أحزاب اللجؤ الى الغيب وأوهام الايديولوجيات المتحجرة بغير الاستفادة من تطور الفكر الذي قد فتح على الازدهار المادي في الغرب وعلى النخب السودانية أن تفرق ما بين خيانة أوروبا للتنوير وما قدمته من فكر يجسد عقل الأنوار وقد أصبح جزء من ميراث الانسانية ويمكننا إستلافه لكي نخرج من فشل النخب السودانية ويحق لنا إستلاف موروث الانسانية لأن الشعب السوداني من الشعوب العريقة وقد قدم للانسانية عبر تاريخه الطويل قيم كثيرة قد أصبحت جزء من موروث الانسانية المشترك.
عكسية العلاقة ما بين طموح الشعب السوداني وخنوع نخبه قد جسدها تبديد النخب الفاشلة لثورة ديسمبر المجيدة وقد جاءوا عقب ثورة عظيمة كثورة ديسمبر بمستوى وعي متدني لا يميزهم عن الكيزان في شئ ودليلنا على ذلك تكالبهم على المناصب والمحاصصة على قسمة السلطة بين أحزابهم التي تحتوي على فكر قديم مما جعلهم يتوهمون بأن ما تركته الانقاذ من ركام يمثل دولة وما عليهم غير التكالب على المناصب.
جاءوا بعقل نخب قد تخرجوا من لجان الطعام وأركان النقاش واتحادات الطلاب التي تمثل حراك المجتمعات التقليدية لهذا جاءوا بالسياسي الذي ما زال منبهر بخلق العبارة وتعوزه ريادة الفكرة. جاءوا من أحزاب تنطلق من العرق والدين كحزب البعث وأحزاب الطائفية من أتباع المرشد ومولانا والامام والسلفيين.
في وقت كنا نحتاج لسياسي مدعوم بمؤرخ غير تقليدي وخلفه مراكز البحوث وليست ثقافة لجان الطعام وأركان النقاش واتحادات الطلاب ووعي متدني لا يفصل ما بين الكوز والمعارض للكوز ما الفرق بين الكوز والبعثي وحزب الامام ومولانا كلها أحزاب تنطلق من العرق والدين؟ ما الفرق بين الكوز ومن يدعو للمصالحة ما بين العلمانية والدين؟ ما الفرق بين الكوز ومن يدعو للحديث عن الأصالة والحداثة لا فرق.
لهذا نقول أن إنزال شعار ثورة ديسمبر على أرض الواقع يحتاج لفكر جديد ومفكر غير تقليدي ومؤرخ غير تقليدي ومثقف غير تقليدي.
محزن جدا أن يكون الشعب السوداني طموح للتحول الاجتماعي والتحول الديمقراطي ويمتاز على بقية شعوب المنطقة واذا أردت أن تعرف طموح الشعب السوداني قارنه بالشعب المصري الخانع للدكتاتوريات ومحزن جدا أن تقف النخب السودانية عاجزة امام تحقيق طموح الشعب السوداني في سيره لتحقيق التحول الاجتماعي وبالتالي التحول الديمقراطي.
الفرق بين مصر والسودان شعب السودان طموح للتحول الديمقراطي والشعب المصري خانع ونخب مصر متقدمة على نخب السودان نأخذ منهم فكر الاقتصادي المصري جلال امين ماذا حصل للمصريين؟ في فكره كيف يوضح أن مصر اليوم دولة ذات أفق مسدود ولا يمكنها الخروج من متاهتها بغير أن تصبح دولة صناعية وقد عجزت أن تكون ونحن نقول أن السودان بحكم موارده يستطيع أن يكون دولة صناعية ولكن نخبه دون المستوى ويفضحها المؤرخ التقليدي والمثقف التقليدي.
لذلك نجد أن الشعب السوداني دوما متقدم على نخبه التقليدية وآفة الشعب السوداني نخبه التقليدية. وفي الختام نذّكر النخب السودانية بما قاله توكفيل قبل قرنيين من الزمن بأن ثورة الديمقراطية كانت نتاج التحول في أفكار الارستقراطيين والطبقات الوسطى والبرجوازية الصغيرة فهل تركت النخب السودانية جهلها المتجسد في شتم البرجوازية الصغيرة؟ ومن أفكار توكفيل بأن المسؤولية الاجتماعية نحو الفرد وفكرة المساواة هي ما جعلت الفرد يبحث عن مصالحه وبالتالي كان الطريق سالك للازدهار المادي.
وعليه نقول ما يؤكد حال المجتمع الآن وهذا ما يشغل مراكز البحوث الآن في المجتمعات الديمقراطية أن المجتمع اليوم هارب من الفرد ولكن بفضل ميراث عقل الأنوار يحاولون ضبطه من جديد وفقا لمعادلة الحرية والعدالة فهل تحينت النخب السودانية الفرصة الآن لكي يولد السودان مع ميلاد العالم الذي يتخلق ليولد من جديد؟ .
أكيد الاجابة نعم ولكن بفكر مثقف ليس نتاج لجان الطعام و أركان النقاش واتحادات الطلاب التي ما زالت تبحث عن خطاب ديني بديلا لخطاب الكيزان والعالم قد أيقن بأن دولة الارادة الالهية قد ولى زمانها وأن أحزاب الطائفية والسلفيين كأحزاب تنطلق من الدين قد ولى زمانها وأن أحزاب البعث التي تنطلق من العرق قد ولى زمنها وأن السياسي الذي تشغله فكرة خلق العبارة وتعوزه ريادة الفكرة قد ولى زمانه.
نحن في انتظار سياسي يقف من خلفه و يدعمه المؤرخ المتسلح بالفلسفة وتاريخ الفكر الاقتصادي والنظريات الاقتصادية وعلم الاجتماع. المؤرخ الذي ينتج لنا فكر بعد أن يتطلع على أفكار تاريخ الذهنيات وفكر يساعدنا أن نفهم كيف تتم القطيعة مع التراث القريب منه قبل البعيد؟.