مقالات وآراء سياسية

انسحاب العسكر .. لا يتلكأ في المغادرة إلاّ لكئ

إبراهيم سليمان

من أفعالهم، وبناءً على تصرفاتهم، تكاد تكون الثقة معدومة في جنرالات العسكر، ليس بمقدور أحد أن يصدقهم ولو بلعوا كافة مصاحف الحرمين الشريفين، حتى “الفريق” حميدتي الذي تبدى في مقتبل حياته “العسكرية” مثالياً وبريئا، بمرجعيته البدوية، تعّلم الكذب البواح، واكتسب “تخانة” الجلد، ومن عاشر قوماً أربعون يوماً صار منهم.

أرغى الفريق البرهان وأزبد مؤخرا، محذرا ومتوعدا “الملكية” من عواقب الاقتراب من ثكنات الجيش بعد انسحابهم المزعوم من الساحة السياسية، وهو يعلم أنهم استولوا على أكثر من 80% من مقدرات الشعب السوداني الاقتصادية بدون وجه حق! وسطوا على سلطة ثورية، بغدر ونكص العهود.

موقف العسكر هذا، كحال من يقتحم دار قومٍ آمنين، ويسطوا على ممتلكاتهم تحت تهديد السلاح، وعندما يحاصر، يحاول الانسحاب بخطوات متراجعة إلى الخلف، شاهراً سلاحه في وجهوه أصحاب الدار، متوعداً إياهم، إن أرادوا الحفاظ على رؤوسهم سالمة، عليهم أن يتركوا أمر المسروقات، وأن يتناسوا ملفات الجرائم، ظنا منهم أنّ “الملكية” لا يجرؤون على ملاحقتهم، أو الاقتراب من ثكناتهم، وهنا نستحضر رائعة الراحل العطبراوي كلمات محي الدين فارس “لن أحيد”

لن أحيد لن أحيد

أنا لست رعديدا يكبل خطوه ثقل الحديد

أعيدوا المسروقات إلى أصحابها، ولا شأن “للملكية” بشأن العسكر على الأقل في المرحلة الحالية، ولا شك أن قصاصي الأثر قادمون لا محالة، سيتعقبون اللصوص حتى إن كانوا مسلحين بالكيماوي أو النووي، لكن إن نسي الجنرال البرهان نذكره، أنّ القوات النظامية الأخرى من شرطة وجهاز الأمن والمخابرات، وقوات الجمارك وحرس الحدود، والدفاع المدني، كل هذه القوات هي جزء أساسي من الخدمة المدنية، ولا شأن للعسكر بها، وعليهم فك أسر هذه القوات فورا، قبل الانسحاب من المسرح السياسي.

قبل أيام نُشر تصريح للفريق شمس الدين كباشي، مفاده أنهم باقين ومتمسكين بالسلطة، برغبة الناس وحبهم لهم! .

يتوهمون أن الناس يحبون نياشينهم الملطخة بالدماء، ومعجبون “بقاشاتهم” المرخية، وما درى جنرالات العسكر أن الإرعاب لا يمكن أن يوّلد الحب، وأن القمع نقيض المحبة، فلماذا وعلى ماذا يحب الشعب العسكر؟ قاتل جنياتهم، ومبيد الغلابة والضعفاء جماعيا، ومغتصب مقدراتهم الاقتصادية، وقد سمحوا لعشرات المليشيات ليتسيدوا الساحة، ويعيثوا في الأرض فسادا! .

هل يحبونهم لصراحتهم في “حدث ما حدث”؟ أم لغطرستهم في “نحن أوصياء على الشعب” أم لتحديهم في “خليها تمطر حصو”؟ .

جنوح العسكر للخروج من الساحة السياسية، مرغمين لا أبطالا، فقد ثقلت عليهم الضغوط الدولية، رغم عدم إمكانية التعويل عليها، وضاقت عليهم صلابة الرفض الشعبي، وأرهقهم الفشل في خلق حاضنة سياسية بإمكانهم الركون عليها، وحاصرتهم “لياقة” لجان المقاومة، وتبدت لهم خطورة تمسكهم بالسلطة، سيما على قياداتهم الحالية، أصحاب “القاشات” المرخية.

من يريد أن ينسحب حقا، عليه أن يمشي دغري، وألاّ يعمل “للدرب كليوات”، ومن يرغب في المغادرة، يختصر كلامه، وألاّ يلتفت إلى الوراء، هذا هو الأجدر لحفظ ماء الوجه من الإراقة المهينة، لكي لا يضطر أصحاب الدار أن يقول لهم “ورونا عرض أكتافكم” ومبلغ نياشينكم، وقد يجد نفسه مجبرا على ركل مؤخرة المغادرين ثقيلو الظل ومتسخو القدمين، وكفى بالمرء نخوةً ألاً يهدر ماء وجه، ولا يتلكأ في المغادرة إلا لكئ.

لا نظن أنّ العسكر سينسحبون هكذا “سمبلا” من الساحة السياسية تماماً، وإن حدث هذا، بلا شك سيكون انسحاباً تكتيكيا، يراقبون المدنيين لتنقيتها وتهيئتها، ريثما ينقضون عليها مرة أخرى، ومتى ما اقترب المدنيين من ملفات جرائهم المُنتنة، لا سبيل لديهم إلاّ الإفلاس العسكري المعروف، والعودة إلى القمع ومحاولة الإسكات بالرصاص.

ولا نظن أنّ هذه الحقيقة غائبة على الساسة، فالآن اللعب بات على المكشوف.

ولن أحيد

أنا لن أحيد

لا لن نحيد عن الكفاح

وتعود أنغام الصباح

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى