مقالات وآراء سياسية

لا نريد سياسة … بل تنمية !

محمد التجاني عمر قش

لو كان الأمر بيدي في السودان لما شغلت الناس بالحديث عن السياسة والسياسيين ، فهؤلاء هم سبب النكبة في هذا البلد؛ لأنهم يتكلمون أكثر مما يعملون. والمهم عندي أولاً أن تكون هنالك برامج واضحة لإعادة هيكلة المجتمع بحيث يستتب الأمن وتنطلق التنمية، ويتوفر الغذاء والدواء والصحة والتعليم ، وتنظف شوارع الخرطوم ومدن السودان الأخرى من أكوام القمامة وينتبه الناس لمعاشهم ومعادهم بعيداً عما نراه الآن من سفاسف لا تسمن ولا تغني من جوع . وهذا الكلام يندرج تحت مفهوم تنمية المجتمع الذي يعرف بأنه : “مصطلح يُطلق على الممارسات التي يقوم بها أفراد المجتمع والنشطاء المدنيون والمثقفون والمتعلّمون بالإضافة إلى المهنيين وذلك بهدف بناء مجتمعات محليّة قويّة وناجحة وقادرة على تلبية احتياجات أفرادها الاجتماعيّة والاقتصاديّة والتعليميّة والثقافيّة”. فهل رأيتم ذكراً للسياسيين في هذا التعريف؟

وفي واقع الأمر ما دعاني لطرح هذا الموضوع هو ما رأيت بأم عيني من تقاعس الناس عن القيام بأنشطتهم التقليدية من زراعة ورعي؛ خاصة في الأرياف وانشغالهم بأمور لا تدر دخلاً مستداماً، بل هي في الواقع ملهاة وأحلام بالثراء السريع ؛ مثل التعدين الأهلي الذي أصبح الشغل الشاغل لكثير من الشباب والشيب ، فتركوا كل ما سواه ولم يجنوا منه إلا السراب والوهم حتى تعطل دولاب الإنتاج وترك الطلاب مقاعد الدراسة؛ فأصبحنا كالمنبت لا ظهراً أبقى ولا أرضاً قطع ! . ونتيجة لذلك ظهرت فئة من الناس لها سلوكيات ومظاهر تتناقض بالضرورة مع تقاليد المجتمع لما تظهر به من صورة غير واقعية توهم الآخرين وتغريهم بالانخراط في هذا النشاط الخادع . ولكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد ، ولا يقتصر على الريف فحسب، بل إن حال المدن أبشع من ذلك بكثير ! .

عموماً التنمية هي عملية شاملة بحيث تشمل جميع أطر حياة المجتمعات، لتغطيّ جميع نشاطات وفعاليات المجتمع الاجتماعيّة ، والاقتصاديّة ، والتعليميّة وغيرها، فلا يجب أن تقتصر على جانبٍ واحد من جوانب حياة المجتمعات ، وهذه مسؤوليه مشتركة بين عدة جهات رسمية وشعبية ، ولذلك لابد لها من برامج طويلة الأمد حتى يستفيق الناس مما هم فيه من خمول، ويستعدوا لتقبل نظرة جادة من شأنها أن تعيد للمجتمع حيويته التي افتقدها بسبب انشغال القائمين على الأمر بأشياء بعيدة كل البعد عن مفهوم التنمية والانتاج، وبسوء تقديرهم لأهمية ذلك في الحفاظ على تماسك النسيج الاجتماعي.

علاوة على ذلك ، السياسيون منشغلون باقتسام كعكة السلطة، إن وجدت ، والجهاز التنفيذي ضربه فايروس الفوضى والتخبط فلم يعد قادراً على القيام بما يجب عليه تجاه المجتمعات المحلية من توعية وتوجيه وربما إعادة هيكلة وتقديم الخدمات الأساسية ؛ خاصة في مجال الصحة والتعليم والإرشاد الزراعي والبيطري مثلما كان يحدث سابقاً . أما أجهزة الشرطة فقد أصبحت عالة على المجتمع فهي لا تحرك ساكناً إلا إذا تحسس المواطن جيبه ودفع بسخاء؛ ولذلك هنالك شبه انهيار تام في منظومة الأمن؛ خاصة في ضوء على ما طرأ من نزاعات متكررة ودامية حول ملكية الحواكير والأراضي ، ولعل هذا أحد أخطر مهددات الأمن والاستقرار في أنحاء السودان، فكل نزاع الآن ينتهي بالقتل أو أصابات بالغة الخطورة جراء استخدام السلاح الناري الذي انتشر بين العوام من الناس بشكل لم يسبق له مثيل.

مجتمعاتنا الآن تمر بفترة تحول لا يبشر بخير ؛ نظراً لغياب الجهات الموجهة التي من شأنا وضع السياسات العامة وتولي مسألة التخطيط الاجتماعي وتدريب الكوادر البشرية وتأهيلها بحيث تكون قادرة على التأثير في نشاط الناس ومساعدتهم على زيادة الإنتاج والإنتاجية عن طريق توفير كل ما يعين في هذا الصدد ، سواء كان ذلك في شكل مدخلات إنتاج أو تقديم الخبرة المطلوبة أو توجيه حركة الاقتصاد المحلي وتوجيه العاملين وارشادهم وضبط السلوك العام بحيث يكون العمل والصحة العامة والنظافة هو الهم الأكبر لدى الأفراد والمجتمع عموماً. ولعلنا نضرب مثلاً بدولة رواندا التي تحول مجتمعها من حالة الصراع والاحتراب إلى التصالح مع النفس فتهذب الذوق العام وتغيرت نظرة الناس للحياة ؛ لأن النخبة الحاكمة في البلاد وفرّت كل فرص النجاح لبرنامجها الهادف إلى بناء مجتمع نامي ومنتج فتحقق لها ما أرادات في وقت وجيز ، فصار بإمكان كل  طالب الدخول إلى شبكة الإنترنت بكل سهولة ، وساعد ذلك في توسيع فرص التعليم حتى أصبح يعتمد على النوعية وليست الكمية وزاد الدخل القومي وصارت كيغالي وجهة للسياحة العالمية والاستثمار على الرغم من أن رواندا لا تملك معشار ما يملكه السودان من مصادر وموارد طبيعية تؤهله لأن يكون واحداً من أعظم دول العالم في مجال الإنتاج الزراعي والحيواني ولكن قعدت به تخبطات السياسيين الذين فشلوا حتى الآن في وضع أبسط أسس الحكم ناهيك عن التنمية! .

هنالك أزمة حقيقية في السودان ، ليس في السياسة ، بل في التوجه العام إذ فسدت الأخلاق وتفشت العطالة ، والمخرج هو برنامج قومي مدروس يعيد هيكلة المجتمع ويضعه على مسار التنمية اجتماعياً واقتصاديا حتى تنهض بلادنا.

[email protected]

‫6 تعليقات

  1. محمد التجاني عمر قش لو ده رائك (امكانية تنمية رشيدة وحقيقة للانسان السوداني دون سياسة رشيدة وحزب يتلف حوله السودانيين ليقودها) من اليوم انا غاسل ايدي منك ومن مقالاتك وهذا اخر مقال اقراه لك لانه فاقد الشيء لا يعطيه وأنت مشروع تجهيل للشارع بامتياز

  2. تناول مشاكل البلاد بهذه الكيفية تدل علي ان هذا الرجل اما انه مراوغ خطير او ساذج بسيط. توزيع النصائح لكل الجهات وتوبيخ البعض والدعوة الي إرشاد العاملين وضبط السلوك العام
    وإعادة هيكلة المجتمع ليستتب الامن وتنطلق التنمية

    ما يدعو الرجل اليه من هيكلة مجتمع وضبط السلوك واستباب الامن هي في الحقيقة دعوة بإعادة الكيزان وإعادة تجريب ما مارسه الكيزان لثلاثين عاما والتي انتهت بأكبر دمار تعرض له السودان من الاستقلال

  3. تقول كاذبا فى مقالك هذا ايها الكاتب ان:
    “السياسيون منشغلون باقتسام كعكة السلطة”
    يا قش كعكة السلطة فى يد العسكر واذيالهم والسياسيون براء من اتهاماتك الجزافية ولو كنت شجاعا لما شغلت نفسك بضل الفيل ..

    الجهل موهبة والجهل النشط عبقرية فريدة الطراز …
    يا محمد التجاني عمر قش واين المشكلة ؟؟؟ وفيم احتجاجك وتزمرك ياصاح !!

    هل تعلم ان ما تدعو له هو بالضبط هو ما يحدث الآن وظل يحدث فى هذه البلاد المنكوبة منذ الاستقلال …
    بالضبط استبعاد السياسة والسياسين وقمعهم وازلالهم تحت حجة ان البلد تحتاج الى تنمية !!
    سبهليله بلا رابط يفرضها جهلول ضابط بدعوي هي نفس ما تدعو اليه يا استاذنا العزيز شعارات فارغة مثل الاحزاب سبب الخراب … الاحزاب ولا العذاب … وعايزين نبني ونعمر وبلاش كلام فارغ وفلسفة سياسين بلا سياسة او سياسيون … ونأكل مما نزرع وسلة غذاء العالم “تخيل العالم”… عبود نميري الرقاص وابرهة وربما حميدتي اذا صحت التجارة يقلي المرة والحمارة !!

    يا خي ناسك ناس تنمية بدون سياسة او سياسين ماسكين البلد مقاولة عشرات السنوات -ضاعت من عمر البلد ودمرت اجيال بسببهم- فساد ونهب ولهط وتخريب على اصوله وشركات جيش وتهريب دهب واستيراد مخدرات وكلما ينزنقوا يطلعوا لينا بي فارغة الاحزاب والسياسين والبلد داير زول كارب قاشو الي آخر العبط الكيزانى المعهود ..
    الجاهل عدوا نفسه خليك والاميين والكيزان المعاك لاعقى بوت وتنابلة ومشايخ سلطان ..

    وهل هناك تنمية بدون سياسة تنموية، الاقتصاد التطبيقى يا قش -ومن فروعه التنمية الاقتصادية- لا يستقيم بلا سياسة وسياسيون يطرحون البدائل والخيارات على “الناس” تقرأ الناخبين …
    هذا هو الحال في كل الامم والدول التي تجاوزت هذا الجدل العقيم الذى يفترض وبكل عبط وانحطاط ان هناك تناقض بين السياسة والاحزاب والديمقراطية والتنمية والتقدم ….

  4. يا شيخنا “جزاك الله خيرا” مع ابتسامة كيزانية صفراء … اوافق على اطروحتك المختسكة …
    بدون سياسية او سياسييييين نبدا بي ناسك الكيزان “حزب” المؤتمر الوطنى مش احزاب وسياسييين يلا اطلغوا برا يا عواطليه يا حرامية ..ز. اللجنة الامنية لعمر البشير دي مش شغل سياسي ودعم وتمكين لحزب المؤتمر الوطنى السياسي … يلا بالشلوت اطلع برة -بصوت التفاف- .ز

    تنمية بلا سياسة فى عينك يا جهلول … سندوك طماطم تمبول 🤣🤣🤣🤣

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..