
تناولت في الجزئين السابقين من هذا المقال، موقف الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين من قضايا التكفير والردة ووحدة الأمة الإسلامية والمرأة، بحسب ما جاء في الوثيقة التأسيسية للاتحاد المعروفة باسم “الميثاق الإسلامي للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين”، وأتناول في هذا الجزء موضوع السلطة والحكومة الإسلامية والإقتصاد.
جاء في الميثاق أن “الحكومة الإسلامية ليست حكومة دينية ثيوقراطية بالمعنى الذي عرفه الغرب في العصور الوسطى، بل هي دولة مدنية مرجعيتها الإسلام، وهي تقوم أساسا على الاختيار الحر للأمة، وهو أمر أجمعت عليه المذاهب كلها، بما فيها مذهب الشيعة الإمامية، وإن كان يحصر ذلك فيما يسميه عصر الغيبة، بينما ترى المذاهب الأخرى أن اختيار الأمة لحكامها، هو المبدأ في جميع الظروف والأحوال، اقتداءً بما فعله الصحابة الكرام عند اختيار الخلفاء الراشدين الأربعة”.
الاقتباس أعلاه لا يجد له سندا في وقائع التاريخ والتجربة الطويلة “للخلافة الإسلامية” التي كانت جزءا من أنظمة الحكم التي سادت في العصور الوسطى، وهى أنظمة لم تعرف مبدأ “الاختيار” الشعبي كأساس لانتخاب الحكام، كما أنها- وإن اختلفت عن الثيوقراطية الغربية- لم تبتعد كثيرا عن ادعاء الحكم بإسم الله.
وحتى اختيار “الخلفاء الراشدين” الأربعة لم يكن في الواقع إختيارا حرا للأمة، فمن المعلوم أن اختيار الخليفة الأول، أبوبكر الصديق، تم بإسلوب غلب عليه الصراع والنزاع بين المهاجرين والأنصار من جهة، وبين آل بيت الرسول وبعض كبار الصحابة من جهة أخرى. حيث رفض الأنصار توليه المنصب كما رفض، أبوسفيان بن حرب، وطالب بأن يستقر الأمر لدى آل عبد مناف، وبعد توليه المنصب رفض، سعد بن عبادة، مبايعته، وأما علي بن أبي طالب، فقد رفض المبايعة أياما في أضعف الروايات، أو شهورا.
وعندما توفي الصدِّيق لم يترك أمر تولية من يخلفه إلى جمهور المسلمين، أو حتى أهل “الحل والعقد”، بل أوصى لعمر بن الخطاب بكتاب مغلق، بايع عليه المسلمون قبيل وفاته من دون أن يعلموا ما فيه. وعندما دنا ابن الخطاب من ملاقاة ربه، لم يتبع أسلوب السقيفة أو أسلوب الصديق في الإختيار، بل قصَرَ الاختيار على ستةِ أسماء ( علي وعثمان وطلحة والزبير وإبن عوف وسعد )، يختارون من بينهم من سيتولى الأمر.
أما الإمام علي فقد تمت توليته الخلافة تحت ظلال السيوف، وعلى أسنة الرماح بموافقة بعض الأمصار ورفض البعض الآخر، عقب فتنة اغتيال ذو النورين. وبعد اغتيال علي انفرد، معاوية بن أبي سفيان، بحكم المسلمين. ومع تولي معاوية الخلافة تحول الحكم إلى مُلك عضوض طابعه الأساسي هو الغلبة (الاستيلاء بالقهر) والوراثة. وظلت الخلافة بمختلف أشكالها التاريخية تراوح بين هاتين الطريقين إلى أن ألغاها كمال أتاتورك عام 1924.
وفيما يتعلق بالمذهب الشيعي فإن تجربة الحكم في إيران الممتدة منذ قيام الثورة في عام 1979، وحتى الآن هى خير دليل وشاهد على أن السلطة الحقيقية تقع تحت السيطرة الكاملة لرجال الدين الملالي، وهو حكم ثيوقراطي بامتياز، لا مجال فيه للاختيار الشعبي، إلا في الحدود الشكلية الضيقة التي لا تسمح بالتعبير الحر للأمة.
ومن ناحية أخرى، فإن “الحكومة الإسلامية” في تجربتها التاريخية لم تبعد كثيرا عن نموذج الدولة الثيوقراطية في الغرب التي أشار إليها الميثاق، فهاهو الخليفة العباسي، أبوجعفر المنصور، يخاطب الأمة يوم إعتلائه سدة الحكم قائلاً : (إنما أنا سُلطان الله في أرضه أسوسكم بتوفيقه وتسديده وتأييده، وحارسه على مالٍ أعمل فيه بمشيئته وإرادته وأعطي بإذنه، وجعلني قِفلاً إن شاء أن يفتحني فتحني لإعطائكم وقسمة أرزاقكم، وإن شاء أن يقفلني أقفلني)!
ويبدي الميثاق انحيازا للأسس التي يقوم عليها النظام الديمقراطي، فينادي بضرورة : (انبثاق السلطة من الأمة، وأن يكون استمرارها مرهونا برغبة الناس، وإقرار التداول السلمي للسلطة في إطار قانوني يحفظ وحدة الأمة، وعدم استغلال أداوت السلطة لإخضاع الناس والاستبداد بهم ومصادرة حقوقهم، وتوزيع السلطات (تشريعية- تنفيذية- قضائية) حتى لا يؤدي احتكارها في جهة واحدة إلى الاستبداد، واختصاص القوى العسكرية والأمنية بالدفاع عن الأمة كلها وليس النظام).
الموقف أعلاه من النظام الديمقراطي يتعارض مع الموقف التأسيسي للإخوان المسلمين، وهو الموقف الذي عبر عنه، حسن البنا، بالقول :(ولو أخذنا بالحزم وأعلناها صريحة واضحة: أننا معشر أمم الإسلام لا شيوعيون ولا ديمقراطيون ولا شيء من هذا الذي يزعمون)، كما أنه يصف الديمقراطية بأنها نظام تافه :(هذه هي دعوتنا ليس لها منهاج إلا الكتاب الكريم، ولا جنود إلا أنتم ولا زعيم إلا رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه، فأين من نظامنا هذه النظم التافهة المتداعية؟ هذه الديمقراطية، والشيوعية، والديكتاتورية).
أما موقف الاتحاد من الاقتصاد فقد قال عنه الميثاق: (والتبادل يتم عادة من خلال السوق، ونظرا لأهمية التبادل في النشاط الاقتصادي، فقد أطلق على المذهب الاقتصادي المعاصر اسم: اقتصاد السوق، ويقصد به الاقتصاد القائم على حرية التبادل، وعلى المنافسة الطبيعية بين الناس، والأصل في الإسلام حرية السوق، وتدخل الدولة إنما يكون لضمان المنافسة الحرة).
وفي قول الاتحاد إن “الأصل في الإسلام حرية السوق” تبدو بجلاء مشكلة آيدولوجيا الإخوان التي تطابق بين خطاب الجماعة وفهمها للدين وبين الإسلام، ذلك أن هناك اتجاهات فكرية أخرى يختلف فهمها للدين عن الإخوان، وللمفارقة فإن هناك رؤية داخل الإخوان لا ترى أن الاقتصاد الرأسمالي هو الأصل في الإسلام !
ومعلوم أنه في أوج صعود المد الاشتراكي الناصري في مصر، أصدر المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في سورية، الدكتور مصطفى السباعي، كتابه “اشتراكية الإسلام”، الذي حاول فيه إيجاد غطاء شرعي لقانون الإصلاح الزراعي، ولقرارات التأميم التي أصدرها، عبد الناصر، بينما شن إخوان مصر حينها حربا شاملة على الاشتراكية، وعلى علاقة، عبد الناصر، بالاتحاد السوفيتي والمعسكر الشرقي.
ومن ناحية أخرى، فإن حزب الجبهة الإسلامية القومية (فرع الأخوان المسلمين في السودان)، الذي وصل لسدة الحكم عبر الانقلاب العسكري في العام 1989، تبنى نظام السوق باعتباره التمثيل الأمثل للنهج الإسلامي. وطبق الحزب سياسة التكيف الهيكلي التي تنادي بها المؤسسات الرأسمالية العالمية، بما فيها من خصخصة وبيع لمؤسسات القطاع العام، وإلغاء الدعم على السلع، وإلغاء مجانية التعليم والعلاج.
الحرة
كان النبي (ص) رئيساً للدولة معصوماً في أمور الدين والدنيا فشوراه غير ملزمة له بموجب النص (فَإن عزمت فتوكل على الله) أي لك أن تأخذ بالمشورة أو تخالفها – في حال مخالفتها لما قد يوحى إليك – وأما آية سورة الشورى التي سميت باسمها فهي شورى لعامة المسلمين من بعده فيما بينهم وهي تنحصر فقط في الأمور الدنيوية الحياتية العامة أي المصالح العامة للمجتمع – الذي يفترض أن أفراده متساوون فلا قدسية لأحد ممن يختارونه ولياً لأمرهم
ومع ذلك وجبت طاعته بعد اختيارهم ولي أمر لهم فبعد دولة النبي بالمدينة مجال تطبيق الشورى يكون بموجب آية سورة الشورى فقط (وأمرهم شورى بينهم) ولا عزيمة لولي الأمر من عامة المسلمين لأن الكل متساوون ولا أحد يتميز على الآخرين بقدسية فلا أحد يتنزل عليه وحي. وقد بدأ تطبيق الشورى بعد انتقال النبي للرفيق الأعلى الذي لم يعين أحداً خليفة له لأنه لا يخلفه أحد في وظائفه وصفاته النبوية والرسالية فلم يعين لهم ولي أمر وتركهم لشوراهم بينهم ليقوموا بنعيين ولي أمرهم يدير مصالحهم العامة الإدارية والتنظيمية والمالية والسياسية وفق مقررات الشرع التي اكتملت قبل وفاته صلى الله عليه وسلم. فتشاور الصحابة – على ولي الأمر هذا وليس الخليفة لأن الخلافة لفظ قد يوحي بخلافة الرسول في كل صفاته وهو ما لا يجوز لفظ ولم بوفق الفقهاء في اتخاذه وأفضل منه أمير المؤمنين أو رئيس الدولة تخصيصاً لصلاحياته الإدارية والسياسية لمصالح الناس وأمورهم الحياتية وفق مقررات الشرع.
لهم ولي أمر بهذا المعنى وتركهم لشوراهم بموجب سورة الشورى. فولي ا?مر هو قائد الجيش وقاضي القضاة ومقرر
السياسة العامة. وكانت هذه وظيفة جميع و?ة ا?مر في عهد الصحابة التابعين – وبالنسبة ?ختيارهم فقد كانت
صورة الشورى المتاحة هي بالبيعة من ا?عيان وأهل الرأي وكان يفترض أن تتطور مع تطور الممارسة في العالم التي
للديمقراطية التي تعرفونها اليوم والتي يمكن تبنيها من دول المسلمين بكل أريحية خاصة بعد الفتوحات الكبيرة وتوسع الدولة وصارت المواطنة فيها من كل الجنسيات والديانات ولا إشكالية من هذا في تطبيق الشورى، فالشورى ليست محصورة على المسلمين فقط وانما تشمل كافة المواطنين طالما هم متساوون في المواطنة وفي الحقوق والمصالح العامة – وبما أن الشورى غير مقيدة بعزيمة ولي الأمر من عامة المسلمين لأنهم يعينونه الذين ويمنحونه الصلاحيات والامتيازات أو يحجبونها عنه فهو واحد منهم وليس لديه قدسية عليهم – وطالما كل المواطنين متساوون في الحقوق العامة فيتعين ممارسة الشورى بالتصويت والأغلبية وهذه هي الديمقراطية اليوم.
الكيك. ما تسمع!! بالاختصار المفيد! لخص!