مقالات وآراء سياسية

السودان : الديمقراطية بديل عن الفكر الديني

طاهر عمر

متى يفهم السياسي السوداني أن الديمقراطية بديلا للفكر الديني ولا يمكننا التحدث عن الديمقراطية وما زالت أحزابنا بخطابها الدين المنغلق عاجزة أن تنتج ثقافة علمانية؟ وبسبب عجز السياسي الذي يغيب عن أفقه فكر مراكز البحوث يطل على أفقنا وعاظ السلاطين وحاملي بقايا فكر القرون الوسطى ومن يسمون أنفسهم علماء ويتحدثون عن السياسة والمضحك أنهم يحسون بأن الديمقراطية تعني البديل الذي يزيح الدين من أن يلعب أي دور بنيوي في السياسة والاقتصاد والاجتماع.
لهذا السبب ينشط رجال الدين من كل شاكلة ولون ويزداد زعيقهم ويصمت من يزعمون أنهم مفكري الساحة السودانية ولا يقولون لبقايا رجال دين القرون الوسطى ووعاظ السلاطين أن الدين قد أصبح شأن فردي علاقة بين الفرد وربه ولا يحتاج لحاملي الهوس الديني ومن يشغلهم هم الخلاص الأخروي بأن يتدخلوا ما بين الفرد وربه لأن في زمننا الراهن قد أصبحت فيه الديمقراطية بديلا عن الدين.
من يزعمون أنهم مفكري الساحة السودانية لهم قدرة على التعايش مع وعاظ السلاطيين ومهادنتهم بسبب جهلهم أن الديمقراطية بديلا للخطاب الديني ولا يمكن أن تتعايش الديمقراطية مع أي خطاب ديني أي دين ولا يمكننا أن نتحدث عن التسامح ولا يمكن أن يسود التسامح في أي مجتمع ما دام الخطاب الديني هو سيد الموقف ولا يعني ذلك أننا ندعو للإلحاد إلا أننا وفقا لتجارب الشعوب الحية قد تأكد لنا بأن الخطاب الديني خطر على الحريات وخطر على قيم الجمهورية لأن الديمقراطية هي أبنة القيم والتشريعات والقوانيين التي تعتمد على تجربة الانسان وفقا لعقله البشري.
في حقيقة الامر مسألة إدراك الشعب السوداني لمسألة أن الديمقراطية هي بديل للفكر الديني تحتاج لتطور هائل وتحول في مفاهيم النخب السودانية التي قد أدمنت مهادنة خطاب وعاظ السلاطيين وخاصة أننا في مرحلة تضم أسواء مفكرين يمروا على تاريخ السودان وقد رأينا عجزهم الفكري وقد بان في توفيقهم الكاذب ودعوتهم للمؤالفة ما بين العلمانية والدين أو دعوتهم لمساومة تاريخية ما بين يسار سوداني رث ويمين غارق في وحل الفكر الديني أو دعوتهم لمهادنة أحزاب الطائفية ومهادنة النسخة المتخشبة من الشيوعية السودانية التي لم ينتج مفكريها غير علمانية محابية للأديان كما رأينا فكر محمد ابراهيم نقد في حوار حول الدولة المدنية.
وهو يسير أي محمد ابراهيم نقد خلف فكرة عبد الخالق محجوب منذ منتصف الستينيات من القرن المنصرم محاولا أن يجد دور للدين في السياسة وهذه واحدة من محن النخب السودانية وقد جددها من يدعو لفكرة لاهوت التحرير وكله يصب في تأخر ظهور مؤشر يدل على أن هناك تحول في مفاهيم النخب فيما يتعلق بفكرة أن النزعة الانسانية هي مخرجنا من كساد وحل الفكر الديني وأننا في حوجة لفكر يوضح للنخب الفاشلة أن الديمقراطية بديلا للفكر الديني ولا يمكننا أن نتحدث عن تحول ديمقراطي وفي بالنا أن الدين يمكن أن يكون حاضر في زمن الحداثة التي قد قضت على جلالة السلطة وقداسة المقدس ولا يكون ذلك باليسير في ظل نخب السياسي من بينهم يجهل بأن الفكر الديني أكبر حاضنة لسطة الأب وميراث التسلط.
ويمكننا أن نقول أن النخب السودانية تجهل أن الديمقراطية بديلا للدين أي في ظل الديمقراطية لا يمكن أن يلعب الدين أي دور بنيوي على صعد السياسة و الاجتماع والاقتصاد بسبب موروث فكرها منذ أيام أتباع مؤتمر الخريجيين وعليه قد إستمرت النخب السودانية على دربها في تفويت الفرص لكي تبدأ مع تمفصل المجتمع وسيره مع التحول في المفاهيم التي تحتاج لتحول هائل في طريقة التفكير التي تفارق تفكير العالم القديم وخاصة وقد رأينا عجز أتباع مؤتمر الخريجين وكيف كان تهافتهم وتفرقهم على بيوت الطائفية لتأسيس أحزاب الطائفية التي لم يزال أتباعها كأبناء الكلبة وقد ولدوا عمياء بسبب استعجالها.
وآخرين قد سلكوا طريق نسخة متخشبة من شيوعية سودانية لم تنتج حتى يومنا هذا لا سياسي يصل الى قامة الشخصية التاريخية ولا مفكر يدرك أن التحول في المفاهيم ينتج مسؤولية اجتماعية نحو الفرد تهتم بحريته وما يطلبه من عدالة بعيدا عن أوهام الشيوعية كنظام شمولي لا يقل قبحه عن الفاشية والنازية ويستمر العناد والاصرار على السير في خط نسخة شيوعية سودانية قد عافتها العقول المفكرة في المجتمعات الحية قبل قيام الحزب الشوعي من قبل ستة وسبعين عام في السودان.
قلنا موروث أتباع مؤتمر الخريجيين قد أفرز أتباع الطائفية ونسخة الشيوعية السودانية وقد كانت بدايتهم تدل على أنهم غير مواكبين لتطور الفكر في العالم لأنه في زمن تكوين أنديتهم كانت بداية تحول جديد في المفاهيم وهو إدراك النخب في المجتمعات الحية بأن الدين والفكر الديني لم يعد صاحب الدور البنيوي في السياسة والاقتصاد والاجتماع أي في زمن مؤتمر الخريجيين قد طبعت أفكار ماكس فيبر  وقد تحدث عن زوال سحر العالم أي أن الدين لم يعد كجالب لسلام العالم وكذلك قد نقد ماركسية ماركس وقد أستفاد من فكره غرامشي ومن فكر غرامشي قد أيقنت الأحزاب الشيوعية في الغرب أن لا حل غير الايمان بنمط الانتاج الرأسمالي إلا شيوعي السودان فقد صارت نسختهم تجسيد للأيديولوجيات المتحجرة.
مرت حقبة أتباع مؤتمر الخريجين وجاءت حقبة الستينيات وقد رأينا كيف كان محاولة عبد الخالق محجوب وبحثه عن دور للدين في السياسة وهو نفس تعايش النخب السودانية اليوم مع فكرة أن للطائفية أحزاب وأن أتباع المرشد أي أتباع حزب الترابي لهم الحق في يكونوا من بين من يتحدث عن التحول الديمقراطي بفكرهم الديني وكله حتى يحق لأتباع النسخة المتخشبة التوهم بأنهم تقدميين في ظل أتباع المرشد وما دروا بأن عبدالخالق قد أعطاهم الضؤ الأخضر بأن تكون لهم أحزاب تبحث للدين عن دور كما كان يتوهم في بحثه لدور للدين في السياسة السودانية.
وجاءت حقبة الثمانينيات وقد كانت النخب السودانية مواصلة في توهمها الذي يجسده قبولهم بالصادق المهدي كرجل ديني واعتقادهم بأنه سوف ينتج تحول في المفاهيم يقود الى ديمقراطية وإذا بالصادق يكون أقرب لرجل الدين من السياسي ويطرح فكرة الصحوة الاسلامية ويؤكد على أنه رجل دين ليس له علاقة بالسياسة التي تقول بأن الديمقراطية بديلا للفكر الديني بل كان مهادن للترابي لدرجة أنه كان يعرف بأن الترابي يدبر لانقلاب ولكنه لا يهمه أمر الديمقراطية لأن زيتهم سينكشح في دقيقهم كرجال دين.
وقلنا أن الصادق قد كرر نفس خطاء أتباع مؤتمر الخريجيين ففي زمنهم كانت بداية طباعة أفكار ماكس فيبر وهو يؤكد على عقلانية الرأسمالية وينتقد ماركسية ماركس و يؤكد على فكرة نمط الانتاج الرأسمالي كجناح ثاني للفكر الليبرالي ويؤكد على أن الدين لم يعد له دور بنيوي في السياسة والاقتصاد والاجتماع وفي زمن الصادق في منتصف الثمانينيات قد طرحت أفكار قد قدمت أن الديمقراطية بديل للفكر الديني من قبل مارسيل غوشيه وكانت في زمن الصادق المهدي في منتصف الثمانينيات أكبر هجوم على أتباع ما بعد الحداثة وعودة الفكر من جديد للحداثة بعد أن هاجم عقلها فلاسفة ما بعد الحداثة ولكن هل يسمع الصادق المهدي ويؤكد على أن الديمقراطية بديلا عن الدين قطعا لا لأنه أقرب لرجل الدين من السياسي ولهذا نقول أن آفة الشعب السوداني نخبه التي لا ترى في الديمقراطية بديلا لوحل الفكر الديني.

[email protected]

‫2 تعليقات

  1. ما أعرفه جيداً، هو أن الدول الأوربية لم تصل إلي عصر النهضة، إلا بالقضاء علي تَسَّيُد الكنيسة، وعلي الإقطاع !!!

    أما المتاجرة بالدين الإسلامي، والتي يمتلك براءة إختراعها حزب اللّمة الإقطاعي، الضلالي، فهي مضرة بالدين نفسه، قبل أن تنفع مروجوها، بل إنه يُمكن وصفها بالزندقة/الهرطقة، التي أعدمت الكنيسة، ظُلماً، بسببها العلماء وأصحاب النظريات في أوروبا !!!

    ما هو الدِيّن ؟ الدِيّن هو حالة قلبية، تخص كل فرد علي حده، ولا يتشابه فيها إثنان، علي الإطلاق !!! يقول الحق جل وعلا في حديث قدسي : “لم تَسعني سمواتي ولا أرضي، ووسعني قلب عبدي المؤمن” ! ويقول الرسول الأمين (ص)، محدثاً صحابته عن أبي بكر الصديق رضي اللّه عنه، “أنه لا يفضلكم بصلاة أو صوم، ولكن بشيئ وَقَر في قلبه” ! وعليه، فإن التفاضل بين الناس، إنما يتم وفقاً لهذا الشيئ الذي وَقَر في قلب كل منا !!!

    أضف إلي ذلك، قول الحق سبحانه وتعالي : إنك لا تهدي من أحببت”، وأيضاً : فيومئذ لا يُسأل عن ذنبه إنس ولا جان” !

    والأدلة كثيرة التي تُثبت أن الدِيّن هو علاقة العبد بربه، ولا يجوز، إطلاقاً، إقحامه في السياسة !!!!!

  2. هذه تقليعة جديدة ولا شنو.. انتو لم تعرفوا حقيقة الإسلام بعد لذلك تعيشون في عالم المسيحية واليهودية وافرازاتهما ويمكن الحزب الشيوعي اوعي منكم لأنه عرف النزعة الدينية الصلبة للفرد السوداني لذلك لم يتجاهلوها في اطروحاتهم.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..