مقالات وآراء

الديمقراطية بديل عن هيمنة الفكر الديني والفرد بديل للطبقة ..

طاهر عمر

في أوروبا وتاريخها كمختصر لتاريخ البشرية قد انتهت هيمنة الكنيسة وبقيت الروحانيات وقد أصبح الدين يستوعب في حناياه حتى الذين قد نفد رصيدهم من الايمان وقد أصبح الدين شأن فردي علاقة بين الفرد وربه بعيدا عن تدخل تجار الدين أما على مستوى المجتمع فقد أصبحت علاقة الفرد وصراعه مع مجتمعه تضبطها معادلة الحرية والعدالة روح الفكر الليبرالي بشقيه السياسي والاقتصادي.
وبالتالي قد أصبحت الديمقراطية بديلا عن الدين وفي ظلها قد أصبح المجتمع البشري على درجة من النضوج تمكنه من إعتماده على تجربته وفقا لعقله البشري بعيدا عن الفكرة المطلقة.
لهذا قد أصبحت الديمقراطية بديل عن هيمنة الدين ورجال الدين وهذا هو المخرج الوحيد الذي يفك إرتباط الشعب السوداني من رجال الدين وتجاره في السودان وقد محقت ثورة ديسمبر خطاب الكيزان كتجار دين كما محقت النزعة الانسانية تاريخ الكنيسة وهيمنتها.
ولكن المشكلة عندنا في السودان غياب العمل الواعي والهادف الذي يواجه الظواهر الاجتماعية ويحللها ويقدم الفكر المناسب الذي يفك غموض وكمون المجتمع  وكساده ويفك هيمنة الفكر الديني المسيطر على عقل النخب السودانية كيزان وغير كيزان للأسف الشديد وبسببهم قد ضاعت ثورة ديسمبر وقد تعطلت مسيرة الشعب السوداني.
خاصة أن النخب السودانية لها خصومة مع فكرة النزعة الانسانية التي قد أصبحت موروث انساني ولا طريق غيره لكي نتخلص من كساد أتباع الفكر الديني ووحله في السودان ونضرب مثلا على كساد النخب وخصومتها غير المبررة مع فكرة النزعة الانسانية وإعمال فكرة القطيعة مع تراث الايمان التقليدي.
لهذا نجد أن النخب السودانية وحتى غير الكيزان يصعب أن يتخلصوا من فكرة أن الدين قد سبقته السلطة في مسرح ظواهر المجتمع وجاءت مرحلة قد أصبح الدين في مستوى سلطة وتدرجت البشرية الى درجة قد وصلت فيها نضوج العقل البشري ومجد عقلانيته وقد أصبح الدين في مستوى دين الخروج من الدين وقد أصبح الانسان قادر على إدارة المجتمع وفقا لتجربة الانسان وفي حدود عقله البشري الى أن وصل المجتمع البشري الى مستوى أن تحل الديمقراطية مكان الدين و يصبح الدين شأن فردي يربط الفرد مع ربه مباشرة دون وساطة رجال وتجار الدين.
وحال الكيزان اليوم في ظل ثورة ديسمبر كحال المفضوح الذي لم يستوعب الدرس بعد ولم يفهموا أن ثورة ديسمبر قد وضعت حدا لتجار الدين وخطابهم إلا أنهم أي الكيزان ملحاحين كالذباب ويظنون أن تطفلهم ومحاولتهم فرملة مسيرة ثورة ديسمبر وهذا نتيجة جهلهم بأنهم قد أصبحوا خارج التاريخ ولا يمكن أن يعودوا لمجرى التاريخ على الإطلاق لأن العقل البشري قد أيقن بأن الديمقراطية قد أصبحت بديلا للفكر الديني.
ومحاولات الكيزان البائسة للعودة تدل على أنهم متخلفين عن عقل الحاضر بقرون وكما قال عميد الأدب العربي طه حسين أن انتصار معاوية ابن ابي سفيان على الامام علي لأن الامام علي كان يريد إعادة شئ لا يمكنه إعادته لذلك لم يساعده سير الزمن على الانتصار على معاوية وهذا حال الكيزان اليوم فلا يمكن ان ينتصروا مهما كانت جولاتهم لأنها كلها جولات باطل أما ثورة ديسمبر فجولة واحدة وتكسب بشعارها حرية سلام و عدالة.
ما أود أن أقوله للنخب السودانية عليهم مواجهة أنفسهم في مسالة تقديم فكر هادف وواعي يسير باتجاه مسيرة البشرية وقد أيقنت بأن الدين لم يعد له دور بنيوي يلعبه على صعد السياسة والاجتماع والاقتصاد وهذا يحتاج لجهد جبار ينتظرهم أي أن يستطيع الشعب السوداني أن يفرق بين الكوز المتأهب للخروج من التاريخ وبقية النخب التي تؤمن بأن الديمقراطية قد أصبحت بديلا عن الدين وفقا لما رأينا من تجربة الانسانية وقد حققت إزدهار مادي وما زال المثقف السوداني البائس بدلا من أن يتحدث عن فكر يفتح على الرفاه الاقتصادي نراهم مصرين على فكرة أقتصاد المعيشة وتكرارهم لمقولة قفة الملاح.
عندما نتحدث عن أن الديمقراطية قد أصبحت بديلا للدين ووحل فكره لا يعني ذلك أن طريق الديمقراطية مفروش بالورود بل يعني أن للديمقراطية فكر نتاج فلاسفة وعلماء إجتماع ومؤرخيين لهم القدرة على إستشراف المستقبل وهذا ما يجبر النخب السودانية غير الكيزان بأن يتركوا ميوعة فكرهم المتصالح مع الفكر الديني كما رأينا توفيقهم الكاذب وهذا ما يشجع الكيزان على ممارسة إلحاحهم الذي يجعلهم كالذباب.
مثلا على ميوعة فكر النخب السودانية وخنوعهم للفكر الديني نجده في عدم إنتاج أي فكر ينتصر للعلمانية بشكل واضح بل نجد أغلب النخب السودانية غير الكيزان نجدهم كيزان بالجد عندما يحين الحديث عن العلمانية لأنهم غير مواكبين للفكر وما إنطوى عليه موروث الانسانية وقد أنتجت علمانية سوف تصبح مآل البشرية في المستقبل البعيد شاء من شاء وابى من أبى وخاصة نخبنا التي يسهل خداعها من قبل الكيزان كما رأينا عندما خدعهم الكوز خالد التجاني النور في لقاء نيروبي ورأينا كيف كان فيه النور حمد وكمال الجزولي ورشا عوض بعد لقاء نيروبي وقد أعطوا الكيزان شيك على بياض لدرجة يمكنك أن تصفهم بأنهم في لقاء نيروبي قد كانوا كيزان أكثر من الكيزان لأنهم أسيري عقل الحيرة والاستحالة التي تحبس أفق المثقف السوداني وتجعله أسير سلطة الأب وميراث التسلط وهي نتاج الثقافة الدينية التي تسيطر على نخب السودان الكيزان وغيرهم من متدني الوعي.
وعليه نقول للنخب السودانية بأن نجاح ثورة ديسمبر يقع على عاتقكم عندما تستطيعون قراءة ما يوحيه لكم الشعب قراءة صحيحة وحينها يتأكد لكم بأن الديمقراطية بديلا للفكر الديني وحينها لا يفر المثقف السوداني من وجه العلمانية كأي كوز متأهب للخروج من التاريخ وحينها يدرك الشيوعي السوداني أن فلسفة التاريخ الحديثة ترى بأن المجتمع لا يقدم نفسه عبر الطبقة وفكرة الصراع الطبقي لأن المجتمع الحديث يقدم نفسه عن طريق الفرد ولهذا نحن في زمن الانتصار للفرد والعقل والحرية.
نقول للشيوعيين وأتباع المرشد والامام ومولانا إنكم قد عطلتم مسيرة ثورة ديسمبر بسبب تمركزكم في محطات فكر قد فارقها العقل البشري منذ ما يقارب القرن. وبالمناسبة لمفكري المجتمعات الحية إن الشيوعية والنازية والفاشية قد كانت نتيجة وصول الليبرالية التقليدية لمنتهاها وكان لابد من ظهور الشيوعية والنازية والفاشية.
وبالمناسبة للفلاسفة وعلماء الاجتماع فان الشيوعية حاولت أن تحل محل فراغ قد تركه الدين عندما أصبح في مستوى دين الخروج من الدين وقد فشلت فشل زريع أي فشل يتفوق على فشل الأديان فيما يتعلق بجلب سلام العالم. لأنها أي الشيوعية دين بشري أراد أن يهمن على البشرية كما هيمن الدين لألاف السنيين ولكن بفضل تطور البشرية فقد أصبحنا في زمن مستوى دين الخروج من الدين في زمن قد تأهب فيه الكيزان للخروج من التاريخ والى الأبد وقد ضرب خطاب الكيزان منجل الحصاد الأكبر وأصابته مكنسة الفناء الأبدي ولا عودة لهم مهما حاولوا.
أما الشيوعي السوداني وتمسكه العجيب بنسخة الشيوعية السودانية لأنها تشابه عقل النخب السودانية الذي قد أصبح من عبدة النصوص ولا يختلف الكوز من الشيوعي في مسألة محاولاتهم البائسة وما يتعلق في وهمهم بتقديم حلول نهائية وهذا نتاج هيمنة الفكر الديني إذا كان دين سماوي أو دين بشري كالشيوعية لذلك نقول للشعب السوداني أن لا حل غير علمانية وديمقراطية قد أيقنت البشرية بأنها قد حلت محل الفكر الديني.
قد حان الوقت الذي ينبغي على النخب السودانية أن تفكر بأن الشعب السوداني لم يعد حارس الشعلة المقدسة وعلى الشيوعيين وبقية النخب المهادنة للفكر الديني أن تخرج من عقلها المنغلق لأن البشرية قد أصبحت تستوعب فكرة دين الخروج من الدين.

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..