ثقوب في وثيقة الدستور الانتقالي لسنة ٢٠٢٢ (٢)
اتسمت بالركاكة اللُّغوية والتباس بعض المفاهيم

فائز الشيخ السليك
أشرتُ في الجزء الأول إلى أن مشروع الدستور الانتقالي المعد بواسطة نقابة المحامين أغفل كثيراً من القضايا الجوهرية، وتفادى الغوص في لجج المسكوت عنه، وهو ما يفرقنا كسودانيين. يجب مخاطبة هذه القضايا التي سكتت عنها عبر صيغٍ تحقق التوافق خلال فترة الانتقال، وكان أبرز ما سكتت عنه الوثيقة: مصادر التشريع، اللغة الرسمية، إعادة هيكلة القوات النظامية، تحديد الحكم الفيدرالي أو الذاتي. وبدت الوثيقة أشبه بعطايا من المركز إلى أطراف السودان حتى تستمر سطوة الدولة المركزية، وإن تم إلباسها ثياباً جديدة، وإن تغيرت المسميات.

لنجاح الحكم الذاتي، يجب تقليص صلاحيات السلطة المركزية وحصرها في السيادة والدفاع والعلاقات الخارجية، وتشكيل حكومةٍ صغيرة رشيقة مع توزيع الصلاحيات إلى الأقاليم، بما في ذلك حق إنشاء الشرطة الإقليمية لتنفيذ القانون وحماية المواطن في كل إقليم، والتنسيق مع قيادة الشرطة الاتحادية في القضايا ذات الاهتمام المشترك.
سوف أواصل في عملية النقد والقراءة للدستور الانتقالي لسنة ٢٠٢٢ الذي أعدته لجنة تسيير نقابة المحامين من حيث المضمون والشكل، مع التأكيد على شكر اللجنة على مجهودها، وضرورة التعامل معه كمبادرة تمثل جهة أرادت رمي حجر في بركة سياسية ساكنة.
في هذا الجزء من المقالة، سيكون التركيز على المسائل الفنية والإجرائية، مع أن الفصل بينها في الغالب يكون فصلاً للتعريف مع تداخل الفني فيما يتعلق بالصياغة وربطها بالأفكار.
اتسمت صياغة الدستور الانتقال بالركاكة والالتباس في عدة مواضع، مثلما اتسمت الوثيقة في مواضع أخرى بالحشو والزوائد، وضياع كثير من المفاهيم وسط هذه الركاكة.
ملاحظات فنية ولغوية
يبتدر مشرعو أي وثيقة/اتفاق/إعلان سياسي؛ بكتابة (ديباجة) تلخص الأفكار في مقدمة قصيرة، وحسب ما جاء في معجم المعاني الجامع أن دِّيباجَةُ في القانون الدولي أو ديباجةُ المعاهدة: “مقدّمةٌ تتضمَّن ذكر الدَّواعي والأَغراض التي دعت إلى عقدها”.
جاءت الديباجة في مشروع وثيقة الدستور الانتقالي طويلةً ومكررة وملتبسة منذ أسطرها الخمس الأولى: “إيماناً منّا بثورةِ ديسمبر 2018م المجيدة، وانطلاقاً من مَبَادِئِها فِي الحُريةِ والسلامِ والعدالة؛ ووفاءً لدماءِ شهدائِنا الكرام، وتقديراً لمعاناة الجرحى والمفقودين وأسرهم؛ وَاسْتناداً لدستورِ 1956م المؤسسِ للدولةِ السودانيةِ، ودستورِ 1985، الحاكمِ قبل انقلاب 30 يونيو 1989م؛ وَاعتباراً بدروسِ الحركةِ الوطنيةِ ونضالاتِ الشعبِ السودانيِّ في ثورَتَيْ أكتوبر 1964 وأبريل 1985م؛ واستفادةً منْ تجربةِ الفترةِ الانتقاليةِ التي أعقبَتْ سقوطَ نظامِ الثلاثينَ من يُونيو 1989م وإلى وقتِ إجهاضِهَا في 25 أكتوبر 2021م؛ وَإصراراً على إِسْقاطِ انقلابِ 25 أكتوبر 2021 ونتائجِهِ، والقضاءِ نِهَائياً عَلى الانقلاباتِ العسكريةِ، وعُنْفِ الدولةِ؛ والاسْتبدادِ والطغيانِ، وحُكْمِ الفَرْدِ، الذي عَطَّلَ مَسِيرَةَ المشروعِ الوطنيِّ والبِناءِ والتطورِ والتنميةِ المتوازنةِ”. يمكن ملاحظة التكرار الممل، لعبارات مثل انقلاب ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١ ويونيو ١٩٨٩، حيث تكررت بتواريخها خمس مرات عبر خمسة أسطر، وكان يمكن تلخيص كل هذا (الحشو) في العبارات التالية: “إيماناً منا بقيم وشعارات ثورة ديسمبر ٢٠١٨ المجيدة، المتمثلة في الحرية والسلام والعدالة، ووفاءً لدماء الشهداء، وتقديراً لتضحيات الجرحى والمفقودين وأسرهم/ن، واستناداً على دستور ١٩٥٦ المعدل سنة ١٩٨٥، واستلهاماً لنضالات وتجارب الحركة الديموقراطية وجماهير شعبنا في ثورتي أكتوبر ١٩٦٤ وأبريل ١٩٨٥، وإصراراً على إسقاط انقلاب ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١ وإغلاق الطرق أمام المغامرين والطغاة والشموليين”.
جاء في الباب الأول – طبيعة الدولة (1) جمهورية السودان دولة ديمقراطية فيدرالية، تتعدد وتتعايش فيها الثقافات والإثنيات واللغات والمذاهب والأديان؛ نظام الحكم فيها نظام برلماني، وتقوم الحقوق والواجبات فيها على أساس المواطنة دون تمييز بسبب الإثنية، أو الدين، أو الثقافة، أو اللون، أو اللغة، أو النوع، أو الوضع الاجتماعي، أو الاقتصادي، أو الإعاقة، أو الانتماء الجهوي، أو بسبب أي تمييز أياً كان.
بعيداً عن الحشو اللُّغوي والزوائد والتكرار، ثمة خطأ مفاهيمي ورد في هذا النص، فالفيدرالية هي شكل حكم ونظام إداري يمكن تطبيقه في أي نظام ديموقراطي أو دكتاتوري؛ إلا إذا ما ارتبطت الفيدرالية بالحكم الذاتي الموسع. هنا تحتاج إلى نظام ديموقراطي حقيقي يؤمن بتوزيع السلطات والمؤسسية، وبسط قيم العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة، كان يمكن اختصار كل الفقرة المرتبطة بطبيعة الدولة في عبارة ملخصها: “السودان دولة مدنية ديموقراطية تتعدد فيها الثقافات والأديان واللغات والأعراق، شكل الحكم فيها فيدرالي، تتأسس فيه الحقوق على المواطنة، ورفض كل أشكال التمييز العنصري أو الاجتماعي، أو النوعي، أو الثقافي أو المكاني، أو الديني، أو الإعاقة”.
ثمة التباس آخر، وفي ذات السياق، ويتمثل في ذكر (نظام الحكم فيها نظام برلماني)، مع العلم أن النظام البرلماني ليس نظام حكم لكنه نظام انتخابي، مثل أن نقول: “نظام انتخابي رئاسي، أو برلماني، أو نظام مختلط. تحدد قوانين الانتخابات (إجرائياً) كيف يتم اختيار الرئيس/رئيس الوزراء؟ وورد في البند (3) الدولة السودانية دولة مدنية، تقف على مسافة واحدة من كل الأديان وكريم المعتقدات”. هنا يبدو النص محايداً، وكان الأفضل الإشارة الى دور إيجابي يؤكد احترام الأديان وكريم المعتقدات بدلاً عن النظر من علٍ، لا سيما في بلد تشغل فيه الأديان والمعتقدات مساحات كبيرة، كان الأفضل القول: “السودان بلد متعدد الأديان والمعتقدات، وتؤسس فيه الحقوق والواجبات على المواطنة، وتحمي الدولة وفق القوانين حرية العقيدة، وتحترم خيارات المواطنين وحقوقهم/ن الكاملة في ممارسة شعائرهم/ن وبناء مؤسساتهم/ن الدينية”.
ورد في الفصل الثالث من الباب الثاني المتعلق بالحقوق الأساسية، الحق في الجنسية:
(1) لكل مولود من أم أو أب سوداني حق لا ينتقص في التمتع بالجنسية السودانية.
(2) يجوز لأي سوداني أن يكتسب جنسية بلد آخر حسبما ينظمه القانون.
(3) تراجع الدولة عمليات التجنيس التي جرت منذ 30 يونيو 1989م وحتى تاريخ هذا الدستور.
يبدو البند الثالث الوارد هنا؛ أشبه بقرار سياسي أو حتى سيادي، لا يوفر الدستور مساحات لاتخاذ قرارات، أو تحديد تفاصيل يجب أن ينظمها القانون، أو أن تصدر عبر قرارات سياسية أو إدارية يتم اتخاذها بواسطة الأجهزة التنفيذية.
كما يمكن معالجة النص بإلغاء البند الثالث، وتضمين نص يؤكد على حق الحصول على الجنسية بالتجنس، وفق ما ينظمه القانون مع حق السلطات نزع الجنسية السودانية المكتسبة بالتجنس؛ بإجراءات قضائية.
يقودنا موضوع الجنسية إلى قضية أخرى ذات صلة، لا تخرج عن سياق تعريف المواطن والجنسية والمواطنة، والحقوق المتساوية، تتمثل القضية في مسألة العنصرية، أو التمييز العنصري.
العنصرية من القضايا الخطيرة التي تنمو وتنتشر بسرعة؛ مع ارتفاع أصوات الكراهية التي تؤجج من نيران الفتنة بين السودانيين، ويجب أن تمنح الدولة الأمر اهتماماً بتضمين نصوص في الدستور تلتزم فيها بمناهضة كافة أشكال التمييز العنصري، واعتبار العنصرية جريمة يعاقب عليها القانون، مع دعم وتشجيع منظمات المجتمع المدني الناشطة في مجالات مناهضة التمييز العنصري.
سكت مشروع الدستور عن موضوع ممارسة أفراد القوات النظامية للسياسة أثناء خدمتهم في العسكرية، ومثلما تحدث الدستور عن فصل الجيش كمؤسسة من السياسة يجب أن ينص دستورياً على منع أفراد القوات النظامية من ممارسة العمل السياسي، وحظر ترشحهم لأي مناصب دستورية أو تشريعية أثناء فترة خدمتهم في المؤسسات العسكرية.
أوردت هنا أمثلة قليلة لنصوص ملتبسة ما بين المفاهيمي والإجرائي، أو اتسمت بالركاكة بسبب الحشو والزوائد والتكرار الممل، لا أود هنا أن أزحم القارئ بتفاصيل قد تكون مملة، لكنني أهدف إلى ضرورة مراجعة كل الوثيقة بغرض ضبطها وأحكامها لغوياً وفنياً.

هندسة اجتماعية
الدستور عقد اجتماعي لتحقيق مساومة بين الأفراد والدولة؛ تتنازل عبرها الأطراف المتعاقدة لتؤدي الدولة مهامها عبر ثقة المواطن، ويستقل فيها المواطن بحقوقه وحرياته الفردية والعامة.
كان الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو، أول من ابتدر مواثيق الهندسة الاجتماعية وأطلق عليها العقد الاجتماعي، وهو: “يضع كل واحد منا شخصه وجميع قوته شركة تحت إدارة الإرادة العامة ونحن نتلقى – كهيئة – كل عضو كجزء خفي من المجموع”. والآن يؤدي عقد الشركة هذا إلى هيئة معنوية مؤلفة من أعضاء بمقدار أصوات المجلس، وذلك بدلاً من الشخصية الخاصة لكل متعاقد، ومن ذلك العقد تنال هذه الهيئة وحدتها وذاتيتها المشتركة وحياتها وإرادتها، وكان يطلق اسم المدينة على هذا الشخص العام الذي يؤلف، على هذا الوجه، من اتحاد جميع الآخرين، فيسمى اليوم “جمهورية” ضاع معنى هذه الكلمة الحقيقي في الأزمنة الحديثة ضياعاً تاماً، فيطلق معظم الناس الميثاق الاجتماعي أو “هيئة سياسية”، وهي ما يسميه أعضاؤها “دولة” إذا كانت منفعلة، و”سيدا” إذا كانت فاعلة، وسلطاناً إذا ما قيست بأمثالها.
ويشير روسو، في عقده إلى هندسة العلاقات بين الشعب والسلطة، وهذا يحتاج إلى تطوير جديد وفقاً للسياقات الزمانية والمكانية. من هنا نشدد على أهمية التمثيل الإثني، الجغرافي، الديني، السياسي، الأكاديمي، عند عملية صناعة الدستور في السودان، ليس بالضرورة مشاركة واسعة من حيث العدد، بل فإن الأمر الأكثر أهمية هو المشاركة النوعية والتمثيل الشامل.
ولاستمرار التعاقد بنجاح تتنازل السلطة للشعب بحرية اختيار الحكام عن طريق الانتخاب المباشر أو البرلماني، ولكي نضمن اتساع قاعدة المشاركة يجب اختيار رئيس الوزراء الانتقالي بواسطة نواب المجلس التشريعي، على أن تقدم القوى السياسية الملتزمة بالوثيقة خمسة أسماء يتم اختيار أحدهم/ن لشغل المنصب.
يمكن أخذ تجربة الدستور الأمريكي باعتباره الدستور الأقدم في العالم، فقد بذل المؤسسون للولايات المتحدة الأمريكية مجهوداتٍ جبارة من أجل التوصل إلى وثيقة حاكمة تمثل القانون الأعلى الذي يحدد نوع الحكم وطبيعة الدولة، بعد أن نالت استقلالها من بريطانيا في الرابع من يوليو ١٧٧٦، بعد أن تواثقت (١٣) ولاية استقلت من حديثاً على الدستور الكونفدرالي التي تمت صياغتها في المؤتمر القاري الذي عقد من منتصف ١٧٧٦ إلى نهاية ١٧٧٧.
أمضى الآباء المؤسسون بعد ذلك أحد عشر عاماً لكتابة مسودة الدستور الفيدرالي، والحوار حولها ثم التوقيع عليه وسريانه في عام ١٧٨٩ بمدينة فيلاديلفيا في ولاية بنسلفانيا.
بلغ عدد المدعوين للمشاركة في الحوار والنقاش حوالي (٧١) شخصاً، لكن شارك في حضور كل الجلسات (٥٥) مشاركاً، ووقع على الوثيقة النهائية (٣٦) شخصاً، من الملاحظات المهمة أن كل المشاركين كانوا رجالاً من البيض.

إعلان دستوري أم دستور انتقالي؟
لم يكن المحامي الأستاذ نبيل أديب غائباً عن مشهد النقد للدستور الانتقالي، الرجل قانوني معروف، يختلف الناس أو يتفقون حول مواقفه، وهذا بحره الذي فيه يسبح. رأى نبيل، في تصريحات صحفية، “أن تأسيس إعلان دستوري يتم بموجب الدستور الدائم، وعبر آلية مفوضية دستورية، والمؤتمر الدستوري، ولا يتم من جهة واحدة”، مشيراً إلى أن المرحلة الحالية انتقالية، والعودة لها تستلزم العودة للوثيقة الدستورية، ولو بالتعديل.
وقطع أديب بعدم علمه بمشروع الإعلان الدستوري الذي ستطرحه مركزية الحرية والتغيير لإقامة سلطة مدنية ديمقراطية، مشدداً على أن عيب الوثيقة الدستورية كان في عدم تنفيذها، لافتاً إلى إمكانية تعديل المواد المتعلقة بالشراكة مع العسكريين بعد قرار انسحابهم من السياسة، وهي مواد تكوين مجلس السيادة وتكوين المفوضيات. وتابع: “يجب تعديل هذه المواد بالنقاش لا بالأحكام المطلقة”.
ثمة رأي لخبراء قانونيين يحمل رؤية مخالفة لرؤية نبيل أديب، حول الوثائق الدستورية الانتقالية، فبحسب أستاذ القانون العام في مصر، أيمن سلامة، فإن الإعلانات الدستورية خلافاً للدستاير الدائمة للدول “تصدر عن سلطة الأمر الواقع”، وهي وثيقة مؤقتة طارئة وضعت “لمواجهة ظروف وأحوال استثنائية تعصف بالبلاد”، موقع سكاي نيوز عربية. ويهدف الإعلان الدستوري، قانونياً، إلى “الحفاظ على الوحدة الإقليمية للبلاد واستقلالها وأمنها في الداخل والخارج، بفرض أن الظروف الاستثنائية العارضة التي تهدد أمن البلاد يمكن أن تشكل ذريعة أو مطمعاً لقوى خارجية أو داخلية”.
لا توجد قاعدة قانونية تحدد نوع الوثيقة التي تدير الفترة الانتقالية، وليس مهماً أن تكون الوثيقة دستوراً أو أن تكون إعلاناً، لكن المهم هو مضمون ومحتوى الوثيقة ومداها الزمني. لم تقل نقابة المحامين إنه دستور دائم، معروف أن مسألة أعداد وصناعة الدستور الدائم تختلف تماماً عن الدستور أو الإعلان الانتقالي. نعم تتشابه مراحل الترتيبات الفنية والكتابة، لكن للدستور الدائم آليات مختلفة لإجازته، فبعض الدول تطرح الوثيقة على الشعب للاستفتاء عليها، وبعضها تطرحه على المجلس أو البرلمان المنتخب. أما في مرحلة الانتقال، فالمطلوب هو التوافق بين القوى السياسية والمجتمعية المؤثرة في الحراك والثورة وعملية التغيير.
لم يخرج موقف الأستاذ نبيل عن مواقف القوى السياسية التي ركزت على المسائل الإجرائية، أو الجهة التي كتبت الدستور، وللمفارقة أن جهات سبق أن شاركت في سلطة تأسست على دساتير انتقالية؛ مثل دستور ١٩٨٥ الانتقالي الذي أعدته لجنة ضمت ممثلين من التجمع النقابي، التجمع الوطني وممثلين للقضاء العسكري، وتمت إجازة الدستور الانتقالي في اجتماع مشترك بين المجلس العسكري الانتقالي ومجلس الوزراء، ثم كان دستور ٢٠٠٥ الانتقالي، وكانت غلبة لجنة الصياغة فيه لعناصر من المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، وحكم الشريكان فترة السلام الشامل من ٢٠٠٥ حتى ٢٠١١.
ليس المهم مسمى الوثيقة (إعلاناً أم دستوراً) بقدر تنفيذ ما حوته من مضامين في بلد مجبول ساسته على سنن نقض المواثيق والعهود، فدولة عظمى مثل بريطانيا لم تكتب فيها وثيقة دستورية رغم تاريخها الاستعماري وقدم دولتها، فظلت تحكمها أعراف ملكية وليبرالية لم يحتج ساستها إلى ورق مكتوب كي يؤكدوا التزامهم بمبادئ اتفقوا حولها.
مؤتمر تأسيسي
أيضاً يتطلب تحقيق إجماع شعبي أو توافق سياسي بعقد مؤتمر تأسيسي لإجازة الوثيقة، بمشاركة ممثلين وممثلات لشرائح ومجموعات سياسية واجتماعية ونوعية حتى نتمكن من الخروج من ضيق صناديق النخب إلى آفاق الجماهير، والانفكاك من سطوة الشُلل إلى رحابة الجموع.
ثمة أمر آخر يتمثل في أن عقد المؤتمر التأسيسي سيخلق منافذ يتسرب عبرها الهواء الساخن المكبوت في النفوس بسبب الشحن وخطاب الكراهية المتواتر، وتصاعد الصراعات الإثنية في مناطق واسعة.
الديمقراطي
بلا جان جاك ولا جاك بلا! بالله دا كان مستشار لحمدوك بأمارة شنو دا – وكمان بصرف راتب بالدولار ؟! قريت صفحة واحدة واحترت كيف يفتي هذا الغِر المتنطع أو قل الرويبضة في أمور دستورية وثورية ولا يميز بين الدستور الثوري الانتقالي والدستور الانتخابي الدائم الذي يتقرر باستفتاء الشعب! مصادر تشريع شنو ولغة طير شنو وباقير مين؟؟ دي بستفتوا فيها الشعب في الدستور الدائم يا زلنطح – التشريع المؤقت في الفترة الانتقالية يستمد من المباديء الثورية للدستور المؤقت أو الديباجة القريتها وأبيتها دي لأنك ما عندك الحبة من الثورية البتخليك تفهم! شنو تفتكر التشريع الفي راسك الفاضي دا الدايرلو مصادر تشريع؟ الانتقالية فترة مهام محددة ينص عليها هذا الدستور المؤقت مثل الوثيقة التي بجهلكم منحتوا العسكر الفرصة للانقلاب عليها – فإذا نص هذا الدستور الثوري على ازالة تمكين النظام البائد وحل مؤسساته السياسية والمالية واستعادة أموال الدولة المنهوبة ومحاكمة الفاسدين اللصوص التي وجدت بأيديهم والذين مكنوهم – طوالي يصدر قانون بذلك تماماً مثل قانون التفكيك لنظام الثلاثين يونيو وهو لازال سارياً يمكن الاشارة إليه صراحة في القانونالجديد والنص على استمرار واستعادة كافة الاجراءات التي اتخذتها لجنة التفكيك التي جمدها العسكر – ويجوز أن ينص على معاقبة من قاموا بتجميد اللجنة وهي قائمة وفاعلة بقانون نافذ وساري ومن جمدها واصدر القرارات باعادة الأموال المستردة والوظائف المستولى عليها فعل ذلك اخلالا بالقانون ويجب محاكمته ومعاقبته بالنصوص العقابية في هذا القانون كمن عارض اللجنة أو رفض تنفيذ قراراتها وهكذا! وما يلزم لتنفيذ المهام الادارية والتخطيطية والمالية في فترة الانتقال لا ييحتاج لمصادر تشريع جديدة وانما تستمر مثل هذه القوانين التنظيمية مع تعديلها بالقدر المطلوب حسبما تدعو الحاجة كما تعدل كافة النصوص الجنائية المبنية زوراً وجهلاً على عقائد معينة – تجمد – إلى عودة الديمقراطية.
وبكل جهالة وزلنطحية بقول النظام البرلماني ليس نظام حكم وانما نظام انتخاب؟؟!! يا زلنطح لما تقول نظام برلماني يعني هناك برلمان والبرلمان هو ممثل الشعب وهو الذي يعتمد تعيين رئيس الوزراء ووزرائه وأن رئيس الوزراء المراقب بالبرلمان له كافة الصلاحيات التنفيذية والسيادية التي تخضع لنظر ممثلي الشعب (الثورة في الانتقالية) – ولما تقول النظام الرئاسي فالرئيس الجاي بالاستفتاء من الشعب لا يخضع لبرلمان ويظن أنه أعظم تفويضاً وتمثيلاً للشعب من البرلمان ويستطيع حل البرلمان وتعطيل قوانينه ولا يتصور أن تقوم ثورة على نظام رئاسي شمولي بعمل دستور يعيد الشمولية التي ثار عليها وأسقطها – بعدين النظام البرلماني ليس نظام انتخابات وانما يستلزم الانتخابات في الوضع الطبيعي ولكن لا يحتاج لانتخابات فترة الشرعية الثورية الانتقالية ويمكن أن ينص في الدستور الانتقالي على أن يمثل كل لجنة مقاومة ممثل في البرلمان باختيار اللجنة المعنية وكل نقابة تختار واحد أو اثنين أو أكثر ممثلين لها في البرلمان وهكذا يجتمع كل هؤلاء فيالبرلمان وتبتدئالعملية الديمقراطية بهم داخل البرلمان – حكم الأغلبية- ولا تصدر إليهم الفرمانات من سلطة أعلا فلا سلطةأعلا من برلمانهم ولا من حزب حتى لو كان بعض اعضائه تابعين لحزب ما فلا تأثير لذلك إلا أن يكون كل أعضاء المقاومة أوالنقابة تابعين لحزب ما!
(يجب تقليص صلاحيات السلطة المركزية وحصرها في السيادة والدفاع والعلاقات الخارجية، وتشكيل حكومةٍ صغيرة رشيقة مع توزيع الصلاحيات إلى الأقاليم، بما في ذلك حق إنشاء الشرطة الإقليمية )…
يا ولد لو داير تصلح نظام الحكم والادارة مش محتاجين لحكم ذاتي اقليمي وتوزيع الصلاحيات على حكام وحكومات أقاليم وتملا لي البلد كلها دويلات وحكام عشان تتحكم القبليات وتصبح العلاقات الخارجية فوضى كما هو حاصل الآن وتزيد من عدد الشحاتين الشيلين قرعاتهم وحايمين برة يتصرفون في مقدرات الأقاليم وأراضيه بزعم الاستثمار والاستحمار واللصوصية والتكسب غير المشروع وبدل رامية المركز تملأ البلد كلها حرامية باسم الحكم الذاتي الذي لا يلجأ إليه إلا في حالات وظرف خاصة استثنائية مثل حالة جنوب السودان سابقاً ولا تعمم هكذا على كل الأقاليم لمسخ الحكومة المركزية وزوال شكل الدولة ووجودها هذا فضلاً عن استهلاك الموارد من تضخم التكلفة الادارية والصرف على الحكام وحشمهم وأمنهم وأجهزة مابراتهم! وكمان عاوز توزع وزارة وشرطتها عليهم لكي يكون كل منهم حاكماً بأمره يطلب المزيد كما فعل مناوي عندما طالب بأن تتبع له القوات المشتركة من جيش ومليشيات الحركات لتأتمر بأمره وإلا فإنه غير مسئول عن أمن المواطن! شوف كل الفوضى الحاصلة دي سببها السلطات الانقلابية المغتصبة المتحكمة في التعيين للحكام والاداريين وكلها سوف تمحى بالانتخاب الذي يأتي من الشعب في الأقاليم والمركز حيث كل هذه الفوضى والغبائن والتمرد نابع من تصرفات الانقلابيين وتركيزهم للسلطة في أيديهم يخربونبها أمن المواطن في المركز والأقاليم حيث لا ضابط ولا قيد عليهم باتخاذ أي أساس للتعيينات بما فيها الأسس القبلية والولائية والعنصرية والمزاجية. والحل في كل ذلك يكمن في اعادة السلطة للشعب لينتخب ممثليه في كل سلطة مركزية أو محلية فضلاً عن ضبط الخدمة العامة المدنية والعسكرية ونبعيتها لرئيس الوزراء ووزرائه المعتمدين ومراعاة القيود والضوابط القانونية الصارمة في التقيد بواجبات الوظيفة ومحاسبة المخلين والفاسدين وعقابهم بأقصى العقوبات. وهذا يجب أن يحدث في الفترة الانتقالية كما يضمن في مقترحات الدستور الذي يستفتى عليه في آخرها. أما تفتيت الدولة فيها وتفريق أجزائها بين حكام أقاليم معينين أو منتخبين وتركيز سلطات المركز في أيديهم فهذا جهل وامعان في تكريس الفوضى وذهاب ريح الدولة ليس في الإدارة فحسب بل قد تؤدي إلى بروز نزعات قبلية وانفصالية عند ادعاء إي حاكم بتهميشه عند حدوث أدنى تنازع بينه وبين ما تبقى من المركز يتعلق بأطماعه ولو كانت غير مشروعة – خاصة إذا خلقنا حكاماً بتصور هذا الغر يتصرفون في كل موارد الإقليم بدعوى كونه الحاكم بأمره.