مقالات سياسية

التحالفات المرحلية التحديات وديالكتيك الضرورة المنطق المعوج (2-3)

تيسير حسن إدريس

المبتدأ: –

الحزب الشيوعي؛ مطالبا قبل الدخول في أي تحالف مرحلي؛ أن يدرس الشرط التاريخي التي فرض وجود هذا التحالف؛ ويحلل طبيعة المكونات السياسية؛ المفترض التحالف معها؛ حتى يطمئن لوجود رغبة حقيقية في تنفيذ خط سياسي ثوري؛ يخدم مصالح الطبقات الاجتماعية؛ المسحوقة والأكثر فقرا.

والخبر: –

(11)

خوض ثلاث تجارب ثورية شعبية؛ كانت محصلة نتائجها جميعا؛ دون عظمة ما قدمته الجماهير الثائرة من تضحيات؛ أظن كافيا لذوي الضمائر والحجا من الساسة والنخب؛ لانتشال الرؤوس من الرمال؛ ومواجهة سؤال: لماذا تفشل الثورات السودانية رغم القبول والمشاركة الشعبية العظيمة؟؟. حيث لم تنجح أيا من الثورات الثلاث التي انجزها الشعب السوداني حتى اليوم سوى في اسقاط رأس الاستبداد؛ بينما ظل دوما يعود كامل الجسد المستبد ؛ مرتديا راسا مستبدا جديدا أسوء واضل من الذي سبق.

(12)

إن وضع تحليل واقعي؛ يعري أسباب هذه الازمة؛ التي لازمت جميع التجارب الثورية؛ بما فيها المتواترة احداثها اليوم؛ بدلا عن التبسيط والترديد الببغاوي لمسلمة: (أن التاريخ المعاصر للسودان يؤكد أنه لا يمكن إسقاط النظم العسكرية إلا بوحدة شعبية واسعة) هو السبيل الاقصر لتلمس آفاق العلاج.

(13)

أما إعادة ترديد مسلمات يعلمها الجميع؛ فهو فعل لا طائل منه؛ لا يقدم إجابات شافية؛ عن أسئلة ظلت تؤرق عقل المواطن؛ الذي ظل يسأل عقب سقوط أي دكتاتور عن ماذا بعد؟ هل إسقاط رأس الاستبداد هو الهدف والغاية من الثورة؟ أم إزالة كامل مؤسسة الاستبداد الفاسدة؟؛ والمضي إلى تأسيس واقعا جديدا أكثر تقدما؛ يحتمل مشاق إعادة بناء الدولة السودانية؛ ومؤسساتها الوطنية؛ بعيدا عن فكر وممارسات دولة اللورد كتشنر؛ الاستعمارية الموروثة؟؟-.

(14)

أدى التبسيط وترديد المسلمات؛  وتأجيل الإجابة؛ على الأسئلة الوطنية الحائرة؛ إلى مسخ السياسة السودانية؛ من كونها تعبير عن وعي أيديولوجي شامل؛ الى مجرد كونها تغطية بائسة؛ لتكتيكات معينة؛ وتبريرا ساذجا؛ لمواقف محددة نتاج رؤية تجزيئية عاجزة؛ والمؤسف في الأمر؛ أن كثير من مكونات المشهد السياسي السوداني؛ ظلت تتسابق تاريخيا؛ ولا زالت؛ نحو حضيض هذا الاختيار غير الواعي؛ ناسية او متناسية ؛ أن مهمة قوى التغيير الرئيسية؛ هي دفع المراحل الثورية قدما إلى الأمام؛ نحو غاياتها لتهيئة الظروف؛ الموضوعية والذاتية؛ لتطور الديمقراطية في البلاد.

(15)

ترديد مقولات ضرورة وحدة الصف الوطني؛ والحرص على عدم شرذمته؛ خدمة لعملية التغيير؛ دون تحليل منهجي شامل لمعطيات الواقع؛ والاتفاق على برنامج قابل للتنفيذ؛ فيه ابتسار لقضية التحالفات؛ وتغبيش لوعي الجماهيري؛ يسعى لترك الجماهير على عماها؛ بعيدة عن جوهر العملية الثورية؛ وفهم الغاية الحقيقية من قيام التحالفات. من الضروري لانتصار الثورة؛ ان تعي الجماهير الثائرة ما هو المراد بالتحالف؛ وما هي نوايا ومقاصد كل طرف من أطرافه. لقد بت على قناعة راسخة من أن مربط فرس ازمة التحالفات المرحلية في السودان؛ كامن في العجلة والتسرع؛ كون انها ظلت تحالفات اللحظة الجبرية الحرجة.

(16)

تحالفات اللحظة الجبرية الحرجة؛ التي تعقد على عجل؛ تستصحب معها مرض عضال؛ يكمن في العقل السياسي في شكل ورم غير حميد؛ يصيب وعي النخب السياسية ولا شفاء او نجاة منه؛ إلا بخلق تحالفات حقيقية مصالح مكوناتها أقل تناقضا؛ عوضا عن التحالفات التي تتناقض مصالح مكوناتها؛ تلك التي تتمزق لحمتها مباشرة؛ بعد تحقيق أول هدف مشترك؛ (سقوط رأس نظام الاستبداد)؛ لتندلع بعدها بين الأطراف حرب ديوك؛ تنهش فيها المكونات الحليفة بعضها بعضا؛ متنصلة من التزاماتها؛ خائنة لمواثيقها وتعهداتها.

(17)

يستمر تطور المرض الكامن منهكا جسد التحالف؛ حتى يؤدي بحياته؛ او يشتت وحدة مكوناته؛ مفشلا مرحلة الانتقال الهشة؛ وخالقا فراغا سياسيا ودستوريا وواقعا أكثر بؤس؛ من واقع ما قبل الثورة؛ الشيء الذي يقود المواطن لمستنقع الإحباط القاتل؛ ويضع مجمل البلاد؛ على شفا جرف هار كما هو الحال اليوم.

(18)

دوافع مكونات التحالفات المرحلية؛ عادة ما تكون مختلفة؛ فلكل مكون أسبابه الخاصة؛ التي دفعته لدخول التحالف؛ وتفاوت مستويات تلكم الدوافع؛ يخلق حالة من عدم الرضى؛ وإذا ما اضفنا لحالة عدم الرضى؛ معضلات ضعف التفاهمات؛ وعدم الاتفاق المسبق؛ على آليات صنع واتخاذ القرارات؛ وآليات فض النزاعات التي تنشأ؛ في مناخ التشكيك وعدم ترسيخ الثقة بين الأطراف؛ يصبح أمر استمرارية التحالف المرحلي ضرب من الخيال؛ وحرث في البحر؛  إذ سرعان ما تندلع الصراعات الداخلية؛ ناسفة لمكتسبات سنوات طوال؛ من نضال وتضحيات القوى الثورية المخلصة بحق لقضية التغيير.

(19)

فالناظر بعين الحياد للتجارب الثورية السودانية الثلاث؛ يلحظ أن هناك دائما قوى بعينها؛ تظل تتحمل وحدها دفع فواتير النضال؛ بينما تعيش بقية القوى السياسية الأخرى؛ في ظل هذه التضحيات؛ كامنة في حيادها؛ أو في تعاون مباشر او غير مباشر مع نظم الاستبداد؛ ويستمر عادة شهر العسل هذا؛ لحين اكتمال شرطي اندلاع الحراك الثوري – الذاتي والموضوعي – ؛ وحينها فقط تنهض القوى الكامنة مجبرة؛ للحاق بقاطرة التغيير؛ ليس ايمانا به؛ بل في الغالب لكي تؤثر سلبا على مساره؛ حتى لا يبلغ غاياته المنشودة؛ والتي ببلوغها تضار مصالحها؛ التي جنتها في ظل كمونها تحت ابط نظم الاستبداد.

(20)

وهنا يبرز سؤال منطقي هام؛ ما الذي يدفع القوى الثورية؛ التي ناضلت وضحت طوال الوقت؛ للدخول في تحالف مرحلي؛ مع قوى سهمها في النضال لا يكاد يذكر؟؟ والاجابة على هذا السؤال ميسورة ومحزنة؛ فعادة مع احتدام الصراع بين السلطة؛ وقوى التغيير الراديكالي؛ تسعى هذه القوى؛ لتعديل موازين القوى؛ بضم المزيد من الجماهير لصف الثورة؛ سعيا لكسب المعركة الفاصلة؛ ولا تجد امامها من سبيل؛ في الواقع السياسي السوداني المعقد؛ لاستقطاب الكتلة الحرجة؛ سوى الدخول في تحالف مرحلي مع مكونات غير ثورية؛ مهملة مناقشة التحديات التي لا بد أن تواجه مثل هذا النوع من التحالفات مستقبلا.

يتبع المخرج (3 – 3)

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..