التعذيب مجرد تجاوز للسلطة؟ أم جريمة؟

عبدالاله عثمان
اطلعت مؤخرا على القرار الصادر من المحكمة العليا فى قضية مقتل الشهيد الاستاذ أحمد الخير والقاضى ، بالأغلبية برفض طلبات المراجعة المقدمة من المتهمين.
وكما هو معلوم فقد ادانت محكمة جنائية بعض الضباط والأفراد بجهاز الامن والمخابرات الوطنى وقضت باعدام حوالى 27 متهما شنقا حتى الموت لثبوت قيامهم بتعذيب وضرب الشهيد حتى أدى ذلك الى وفاته. وقضت المحكمة بمعاقبة اخرين بالسجن لمدد متفاوتة وبرأت اخرين من التهم المنسوبة اليهم.
جاء فى ملخص الوقائع أنه بتاريخ 31-1-2019 خرجت مظاهرة ليلية بمدينة خشم القربة وتدخل جهاز الأمن والمخابرات الوطنى لتفريقها وتتبع من يشتبه فيهم بأنهم وراء هذه المظاهرة وقام باعتقالهم ووضعهم فى بوكس دبل كابين أبيض ، وكان من بين المعتقلين الاستاذ الشهيد أحمد الخير الذى ضربوه ورفعوه فى البوكس وأوسعوه ضربا وهو فى داخل البوكس، واستمروا فى ضربه حتى وصلوا به لمبانى جهاز الأمن بخشم القربة. ثم قام أفراد جهاز الأمن بانزال الشهيد من البوكس وأدخلوه الحراسة وهو فى حالة اعياء شديد من أثر الضرب. وذكر أحد شهود الاتهام الذى تم اعتقاله لاحقا، أنه شاهد الشهيد ممددا على الارض وأياديه ممدودة بعيدة عن جسمه وسلم عليه لكنه لم يرد عليه السلام . وأكد شهود أخرون أن الشهيد كان (تعبان منذ دخوله الحراسة وما كان متفاعل ومشارك مع المعتقلين بسبب ما لحقه من أذى ، وكان ممسكا ببطنه من الألم) . وبعد صلاة الجمعة جاءت قوة من كسلا بقيادة المتهم الثانى والمتهم الثالث وصدرت التعليمات بخروج المتهمين (المعتقلين) من الحراسة ، وعند خروجهم وجدوا القوة التابعة لكسلا مشكلة نظام دائرة ، وبناء على التعليمات الصادرة من المتهم الاول للمتهم الثانى والثالث (بتسخين) المعتقلين بدأت القوة التابعة لجهاز الامن والمخابرات الوطنى كسلا بضرب المعتقلين بالخراطيش الخضراء والركل بالاقدام مصحوبا بالشتم والتهديد والاساءات البذيئة وأثناء الضرب يتم استجواب المعتقلين.
وبعد صلاة المغرب صدرت التعليمات بترحيل المعتقلين الى كسلا ، وكان المرحوم فى حالة يرثى لها ، لم يقوى على الصعود فى العربة الا بعد أن اعانه زملاؤه المعتقلون، فمات فى الطريق قبل أن يصل الى كسلا.
هذا موجز للوقائع كما ورد بحكم دائرة المراجعة والذى قضى (بالأغلبية) برفض طلبات مراجعة حكم محكمة الموضوع.
واطلاعا بواجبنا كقانونيين وحقوقيين فى نشر الوعى الحقوقى وتعليقا على كثير من الممارسات التى تقوم بها الاجهزة الشرطية والامنية، ليس فى بلادنا، فحسب (وذلك من أجل الانصاف)، رايت من الضرورى القاء بعض الضوء على مؤسسات العدالة الجنائية فى السودان منذ تأسيس الدولة السودانية الحديثة نهاية القرن التاسع عشر متناولا الرقابة القضائية على معاملة المتهمين والمقبوض عليهم داخل الحراسات والقواعد الاجرائية والنصوص القانونية الضابطة لذلك فى قانونى العقوبات (القانون الجنائى) والاجراءات الجنائية.
صدر أول قانون للاجراءات الجنائية فى السودان الحديث عام 1899 أصدره الحاكم العام البريطانى قائد جيش الاحتلال اللورد هيوبرت كتشنر تحت اسم قانون جنايات السودان (ان صحت الترجمة) بموجب أمر عسكرى أو عدة أوامر عسكرية صدرت تباعا الى أن تم توحيدها فى تشريع واحد تحت اسم (قانون الاجراءات الجنائية لسنة 1925). وبعد اعلان دستور عام 1973 تم تشكيل لجنة قانونىة برئاسة النائب العام الاسبق دكتور زكى مصطفى (عليه رحمة الله) لمراجعة القوانين ، وأثمرت جهود الفرق المنضوية تحت لواء تلك اللجنة عن اقتراح مجموعة من مشروعات القوانين من بينها قانون العقوبات لسنة 1974 وقانون الاجرءات الجنائية لسنة 1974 وقانون تفسير القوانين والنصوص العامة لسنة 1974 أجازها البرلمان القائم حينذاك وصادق عليها رئيس الجمهورية. احتفظ قانون الاجراءات الجنائية لسنة 1974 ، بالاطار العام لسلفه قانون 1925 ، وبنفس القدر لم يتجاوز قانون العقوبات فى المجمل سلفه قانون 1925 . وفى عام 1983 صدرت منظومة تشريعات جديدة تحت شعار اسلمة القوانين ، تضمنت مجموعة من العقوبات الحدية وصاحب ذلك تعديلات فى اختصاصات المحاكم الجنائية لتحديد صلاحياتها فيما يتعلق بجرائم القصاص والحدود، وان احتفظت تلك التشريعات بنفس هيكل اسلافها قوانين عام 1974. أخيرا وبعد انقلاب 30 يونيو 1989 صدر القانون الجنائى لسنة 1991 وقانون الاجراءات الجنائية لسنة 1991، وهما التشريعان النافذان حتى هذه اللحظة.
لقد أولت التشريعات الجنائية المتعاقبة (الموضوعية منها والاجرائية )، منذ تأسيس الدولة السودانية الحديثة، عناية هامة لحقوق المتهمين والمقبوض عليهم فحظرت سوء معاملة المقبوض عليهم واعتبرت ذلك جريمة معاقب عليها قانونا. ويمكن ايجاز القيود والضوابط التى وضعتها تلك التشريعات فى الاتى:
1. لا جريمة ولا عقوبة بلا نص قانونى
2. المتهم برىء حتى تثبت ادانته
3. يحظر الاعتداء على نفس المتهم وماله ولا يجبر على تقديم دليل ضد نفسه
4. لا يجوز لسلطات التحرى أو أى شخص اخر التاثير على المتهم أو المقبوض عليه بالاغراء أو الاكراه أو الأذى لحمله على الادلاء بأى اقوال أو معلومات أو الامتناع عن ذلك
5. يجب معاملة المقبوض عليهم بما يحفظ كرامة الانسان ولا يجوز ايذاؤه بدنيا أو معنويا ، وتوفر له الرعاية الطبية المناسبة
6. للمقبوض عليه حق الاتصال بمحاميه أو مقابلة وكيل النيابة أو القاضى
7. وللمقبوض عليه لحق باتصال باسرته أو الجهة التى يتبع لها.
(المواد 4 و43 و80 من قانون الاجراءات الجنائية لسنة 1991)
أشرنا فى مطلع هذا المقال الى أن قرار المحكمة العليا القاضى برفض طلبات المراجعة قد صدر بالاغلبية وليس بالاجماع. فقد اعد أحد اعضاء الطاقم القضائى مذكرة برأى مخالف قرر فيها قبول طلبات المراجعة وتعديل عقوبة الاتهام الصادرة بحق بعض المتهمين الى السجن لمدة 6 سنوات بانيا رؤيته على ما يمكن تلخيصه فى الاتى:
1. نفى القاضى المحترم توافر نية (القصد الجنائى) لدى المتهمين لتسبيب الموت للمجني عليه وذكر أن القصد المباشر “من هذا التعذيب (التسخين) انتزاع معلومات من المعتقلين تدلهم على الاشخاص الذين يقفون وراء أحداث المظاهرات وليس قصدهم من ذلك احداث وفاتهم” وأضاف “ومفاد ذلك أن قصد المتهمين انصرف الى انتزاع معلومات من المعتقلين ولم ينصرف الى قتلهم”
2. أن المتهمين “فى ضربهم للمعتقلين تجنبوا المواضع الحساسة من الجسم كالرأس والبطن والعنق وغيرها”
3. أقتبس ايضا من مذكرة الرأى المخالف “رغم تجاوز الضربات حدا مبالغا فيه فى حالة المرحوم ، ولكن هذه الضربات لم تكسر عظما ولم تحدث جرحا”
4. أقتبس أيضا “..فان الوسيلة المستخدمة فى تسبيب الاذى للمرحوم لم تكن ذات طبيعة خطرة وهى عبارة عن خرطوش مياه (الة صلبة أو صلبة مرنة مثل الخرطوش محضر التحرى صفحة 107) ولكن الاسراف فى استعمالها نتجت عنه مضاعفات كانت السبب فى موت المرحوم الامر الذى يجعل موته نتيجة محتملة لفعل الجناة وليست راجحة…)
ناقش مولانا القاضى فى مذكرة رأيه المخالف علاقة السببية باسهاب وخلص منها لنفس النتيجة وهى أن الضرب المبرح الذى تعرض له الشهيد المجنى عليه يحتمل حدوث الموت أو عدم حدوثه وأن الرجل العادى lay man لن يندهش اذا مات المجنى عليه نتيجة هذا الضرب المبرح أو اذا نجا منه، وذلك بناء على تحليله للتقارير الطبية التى اطلعت عليها المحكمة، فهى حسب تقديره لا تقود لاستنتاج يرجح حدوث الموت بسبب أفعال المتهمين.
ارشيف القضاء السودانى الحديث ، منذ تأسيسه نهاية القرن قبل الماضى يحوى معالجات ثرة لبينة التقرير الطبى ووزن التقرير الطبى medical report ، وهل يجوز للمحكمة تكليف الطبيب بالمثول أمامها كشاهد، أم تكتفى بالتقرير طالما هداها تقديرها ووجدانها الى سلامة الاسسس التى بنى عليها واطمانت الى مضمونه؟ لقد عالجت المادة 162 من قانون الاجراءات الجنائية مسألة شهادة الطبيب والخبير وبينت سلطات المحكمة فيما يتعلق بوزن التقرير (قيمته فى الاثبات) وصلاحياتها فى استدعاء الطبيب كشاهد أو الاستغناء عن شهادته. كما تولت المنشورات القضائية الصادرة من رئيس القضاء عبر العقود توجيهات وافية للقضاة فى هذا الشأن توازن بين مقتضيات العدالة والموارد المتاحة لوزارة الصحة ، فواجبات الاطباء المهنية فى بعض اقاليم السودان قد تجعل استدعاء الطبيب للشهادة أمرا غير ميسور. ولكن من الجائز جدا أن تستدعى المحكمة الطبيب للمثول كشاهد لاستجلاء بعض الامور غيرالواضحة فى التقرير for the ends of justice وفقا لاحكام المادة 162 المشار اليها انفا. ففى عام 1945 رفض السيد رئيس القاضى قبول تقرير طبي حول سبب موت المجنى عليه وأمر بمثول الطبيب كشاهد على اليمين لمناقشته cross-examination فى محتوى التقرير، الذى رأته المحكمة against the common sense.
ولكن ما استرعى انتباهى فى مذكرة الرأى المخالف، رغم ما حوته من جهد مقدر فى الاستعانة يالاسانيد العلمية والحجج القانونية التى تفوق الحجج التى حشدها الدفاع لدفع الموت عن المحكومين الا أنها، فى رأيى المتواضع أغفلت مسألتين على قدر هائل من ألأهمية لتحديد سبب الوفاة: جسد الشهيد، وحالته قبل الاعتقال وبعده. لقد اثبت شهود الاتهام حالة المتهم داخل حراسات جهاز الأمن والمخابرات الوطنى بخشم القربة (ممددا على الارض وأياديه ممدودة بعيدة عن جسمه) وداخل الزنزانة كان يعانى من ألم فى البطن ، لم يقو على الصعود فوق العربة فأعانه زملاؤه، مات فى الطريق الى كسلا. رغم هذه المعاناة الناتجة عن التعذيب والضرب المبرح (حسب قرار القاضى المعارض نفسه) لم يبادر أحد (من الجهاز) الى استدعاء الطبيب لاسعاف المجنى عليه!! لم يتعرض الرأى المخالف لهذا الامر ابدا ، بل اتجه مباشرة لسرد الأسانيد التى تدفع مسؤولية موت المجنى عليه الشهيد عن المتهمين . بقاء المتهم على هذه الحالة دون اسعاف الى يوم الجمعة الا يعد جريمة فى حق هذا المواطن تسببت فى موته فوق ما لاقاه من ضرب وتعذيب واهانة للكرامة والكبرياء؟ ألم يخالف المتهمون أحكام المادة 75 من القانون الجنائى التى تجرم الامتناع عن المساعدة الطبية؟:
“من يكون فى وسعه مساعدة انسان أصيب بأذى أو فى حالة اغماء أو اشرف على الهلاك ويمتنع قصدا عن تقديم ما يمكنه من مساعدة لا تعرض نفسه أو غيره للخطر ، يعاقب بالسجن مدة لا تجاوز ثلاثة أشهر أو بالغرامة أو بالعقوبتين معا”
وفى قضية الشهيد أحمد الخير فان المتهمون أنفسهم هم من سبب الاذى واذوا المجنى عليه بالضرب المبرح والتعذيب والتعذيب الممنهج وتعاقبوا عليه ضربا وركلا منذ أعتقاله ، وامتنعوا عن اسعافه ، بل وقرروا ارساله الى كسلا ، وهو على هذه الحال لم يرحمه العسس القادمون كسلا من الضرب والتعذيب ليموت بعدها فى الطريق. فالمجنى عليه هلك نتيجة سلسلة من الافعال المركبة: ضرب مبرح لمدة يومين ، بقاؤه دون اسعاف رغم معاناة الألم ، ومع ذلك هنالك من يرى أن الرجل العادى لن يندهش اذا مات أحمد الخير أم لم يمت. أن وجد مثل هذا الرجل فسوف لن يكون عاديا حسب علمنا المتواضع.
ثم أن المجنى عليه لم يرتكب جرما حتى ينال ما ناله من ضرب (لانتزاع) اعتراف منه حول من يقف وراء المظاهرات، فالتظاهر حق دستورى مشروع بموجب دستور 2005 القائم فى ذلك الوقت، والمجنى عليه ومن يقفون وراءه ايا هم ، كانوا يمارسون حقهم الطبيعى فى الاحتجاج السلمى. اذن فافعال جهاز الان والمخابرات بالمجمل هى افعال غير مشروعة: ممارسة العنف تجاه تجمهر مشروع، اعتقال غير قانونى ، تعذيب المعتقلين مما افضى الى موت أحدهم.
ما يلزمنا ليس محرد هيكلة أجهزة، بل يلزمنا اعادة هيكلة منظومة القيم والمبادىء والاداب كى نؤسس أجهزة غايتها الانسان والمواطن والوطن وليس الملة والمذهب . ان كل الشرائع الانسانية بنيت على قيمة الانسان والانسانية، الحق فى الحياة ، احترام الكرامة الانسانية ، حق الفرد فى الحرية والاستمتاع بمباهج الحياة. يجب أن يكون للوظيفة والولاية العامة وثيقة قيم وسلوك مهنى وعقيدة مبنية على هذه القيم. فليس يصلح للوظيفة العامة خصوصا فى الاجهزة الامنية والعدلية من يعتدى على المواطن بالاذى البدنى أو المعنوى واللفظ البذيء. اننا نشهد فى بلادنا بونا شاسعا بين التشريعات ومنظومة القيم وبين ما يجرى على الارض. ولعل مقتل الشهيد أحمد الخير خير دليل على فساد العقيدة الامنية.
الحرية قيمة سامية لا تعدلها أى نعمة فى الوجود.خلق الانسان عزيزا ومكرما، فمتى استعبدتم الناس وقد ولدوا أحرار؟
عبدالاله عثمان
3 أكتوبر 2022
حقيقة ان اكثر ما ادهشني في تقرير هذا القاضي -و نحسبه من القاضيين في النار- هو تعرضه لمسالة التعذيب دون تعليق او استنكار و كانه امر طبيعي و قانوني و حق من حقوق جهاز الامن ان يعذب الناس باي صورة و اي وسيلة حتى يرغمهم على الاعتراف!
اي قاضي في الدنيا او اي انسان سوي يقر البطش و التنكيل دون حتى ان يستنكره !
الحقيقة ان النظام البائد و اتباعه قد وصلوا الدرك الاسفل من الانحطاط الخلقي و الانساني حتى اصبح القتل و السحل و التنكيل بالبشر و التعذيب حتى الموت امر طبيعي و واجب ديني حسب دينهم المبتدع لا يتورعون عن فعله و لا يستنكرونه
شكرا جزيلا على التعليق ، وساعقب عليه بمداخلة من احد اساتذتنا الافاضل قال: محاولة إباحة التعذيب، والالتفاف والعقيدة التى عبرت عن ذلك مع الاحترام للقضاة الموقرين، فى تقديري انها كشفت التأثيرات المختلفة التى نتجت من الغياب للمعارف المرتبطة بحزم حقوق الإنسان وتعاملها مع الحقوق سواء من حيث سموها وعدم السقوط بالتقادم، وهو نتاج العداء الذي رسخت له السلطة السابقة و الترويج لتعارضها مع القيم والعقيدة حتى تترك المجال يحدث أثره كما تود السلطات ولا سيما ان التعذيب شكل نهج واسع النطاق سواء فى مراكز الاحتجاز او الشارع العام ( ممارسات النظام العام)، فى مفارقة هو ان الراي جاء عقب مصادقة السودان على ( اتفاقية مناهضة التعذيب ……) بعد (٣٤) سنة من التوقيع عليها، أضف الى ذلك ان الامر قادني للتساؤل عن تأثير القضاة الشرعيين الذين تدرجوا الى قمة الدوائر القضائية، فمحاولات الراي المخالف فى القرار إلى تبرير التعذيب بمقدار ولانتزاع الإعتراف يقود الى الربط بين ذات الذهنية التى تبيح الضرب الزوجة للتأديب دون تصنيفه عنف، اذن الراي المخالف مثل عرض حال يمكن النظر اليه كمدخل للإصلاح القانوني المرتجى
شكرا أستاذ عبدالاله على هذا الشرح الوافى والتنوير ، حقيقى أنا اندهشت من رأى القاضى المخالف ” رغم ان هذا من حقه ” ولكن ممارسة هذا الحق يجب ان تتسم بالموضوعية ، اتساقا مع القانون والمنطق ، وما دام ان الحكم اصبح علنيا فمن حقنا أن نعلق على هذا الحكم والرأى المخالف المشاتر ، لقد شعرت منذ أن بدأ هذا القاضى فى سرد الوقائع ، جاءنى شعور بأنه يستبطن فكرة او نتيجة يبحث لها عن تسبيب ، بكسر عنق الحقائق والتواء المنطق البسيط ، المرحوم الشهيد الاستاذ احمد الخير تعرض لأبشع انواع التعذيب من وحوش ضارية ، بالضرب المبرح بكل وسيلة بالايادى وبالخراطيش وبالطلوع على بطنه وصدره باحذيتهم الثقيلة ، فهل هناك بشر يتحمل مثل هذا الاذى ، اليست النتيجة الحتمية لكل هذا هو الموت ، ام ان النتيجة الحتمية الوحيدة هى الرأس وغيره كمال قال القاضى المشاتر ، قبل المحاكمة بحثت السلطة آنذاك عن تبرأة وحوش الامن ونتذكر كلنا ما قاله لواء الشرطة ( الذى كان يجب تقديمه للمحكمة لكذبه الضار ) ثم هناك سؤال مهم ، وهو ان هذا الرأى من قضاة المحكمة جاء فى درجة المراجعة ، هل درجة المراجعة هى درجة استئناف عادى تنظر فى القضية كلها من جديد ، ام هى درجة استثنائية دورها محدد ، وهى درجة ابتدعتها الانقاذ ما فوق المحكمة العليا ، اذ انه من المعروف ان درجات التقاضى تنتهى عند المحكمة العليا ولكن ان تكون هناك درجة فوق المحكمة العليا فهذه بدعة انقاذية . اعتقد فى رأيى المتواضع انه لا يجوز لصاحب الرأى المشاتر او القضاة الذين معهم ما دام انهم فى درجة استثنائية الا ينظروا للقضية كانها استئناف جديد ، ثم ياتى السؤال الآخر ن لماذا لم يتم تنفيذ حكم الاعدام فيهم حتى اليوم ، هل ينتظرون المحكمة الدستورية ، وهذه ايضا بدعة انقاذية ، اذ المفروض الا تكون المحكمة الدستورية ايضا درجة استئنافية والا يكون لها علاقة بالقضاء العادى ولكن ماذا نقول فى الانقاذ قاتلها الله هى وناسها اينما يأفكون . ينص قانون الاجراءات الجنائية على أن ( تنفذ الاحكام بأسرع وقت ممكن ) ولكن بالطبع فأن السلطة الحالية ولأنها امتداد لسلطة الانقاذ لا ترغب فى اعدام منسوبيها رغم احكام المحاكم ولكنها اسرعت فى تنفيذ احكام ارجاع منسوبيها الى اعمالهم بعد ان فصلتهم لجنة التفكيك ، ثم حسب ما طفح الان صارت المحاكم الادنى تبرىء اعضاء الامن من قتل الشهداء ، مثل تبرئة ضابط الدعم السريع قاتل الشهيد حنفى ، وحاليا تبرئة افراد الامن قتلة شهيد عطبرة ، وكذلك رأينا انه لم ينفذ حكم الاعدام فى قتلة طلاب الابيض فى المحكوم عليهم افراد الدعم السريع ، واضح لكل ذى عينين أن السلطة لا ترغب فى تنفيذ احكام الاعدام حماية لمنسوبيها من الامن .
لقد سردت جيدا استاذ عبدالاله القوانين والنصوص التى تحمى المقبوض عليهم ، ولكن العبرة ليست فى النصوص ، العبرة فى الممارسة ، ومن المعروف ان المقبوض عليه فى قبضة الشرطة مهما عملوا فيه من الافعال لا يستطيع ان يثبت ذلك لأن افراد الشرطة والامن لن يستطيعوا ان يشهدوا ضد بعض حتى لو كانوا غير مشاركين فى الانتهاكات على المقبوض عليهم ، ودائما الانتهاكات هذه تتم بعيدا عن اعين الناس وفى اماكن مقفلة ، وغالبا بالليل ، فلن تجدى القوانين ولا النصوص ، ولن تنفع كلمات مثل الضمائر والحقوق وغيرها مع اناس يتلذذون بالتعذيب . الامل ان يكون وبصرامة تثبيت كاميرات مراقبة فى كل اقسام اتلشرطة والامن والا يتم التحقيق مع اى مقبوض عليه او متهم الا بحضور محاميه . اما ان تنص فى القوانين الحقوق فهذا حبر على ورق لن يفيد .
اتفق معك تماما اخى الفاضل فيما تفضلت به واشكرك على المداخلة القيمة ، ما ذكرته بشان طلب المراجعة صواب ، فطلب المراجعة ينحصر فى سببين: مخالفة الحكم للشريعة الاسلامية او الخطأ فى تطبيق القانون بموجب احكام المادة 188 من قانون الاجراءات الجنائية ، وهو لا ينقل الدعوى بحالتها لدائرة المراجعة او يخولها فتح الوقائع من جديد ، فحكم محكمة الموضوع حاز على تاييد اعلى سلطة قضائية فى الجمهورية ، واحكام المحكمة العليا تعتبر عنوان الحقيقة، وفعلا المطلع على الرأى المخالف يستشعر الاتجاه باعادة فتح القضية من جديد واستخلاص واقع جديد فى الدعوى وهو ما لايستقيم مع نطاق اجراء المراجعة الذى يحصر التدخل فى الحكم فى مسالتى مختلفة الشربعة او الخطا فى تطبيق القانون كما اسلفنا
ويل لقاضي الأرض من قاضي السماء
ومازلت اذكر اللواء بتاع البوليس مدير شرطة كسلا على ما اظنك قال المرحوم استاذ احمد الخير مات مسمومًا لانه تناول وجبة فول
بالله نلقاها من جهاز ألأمن ولا من الشرطة واللا من الدهس السريع
سمعت امراة في تسجيل صوتي قالت لصويحبات بنتها اين ابنتي التي ذهبت لترد الماء اجابن بان جنود الدعم السريع مقيلين بيها في المعسكر قاتلهم الله
شكرا اخى العزيز، من اجل دلك تبقى مسالة الاصلاح القانونى واصلاح المؤسسات العدلية والتعليم القانونى وبناء منظومة للسلوك المهنى والقيم أكثر الحاحا . كما ان النظر فى عقيدة الاجهزة الأمنية واعادة هيكلتها امرا لا مفر منه ويحتاج ذلك لارادة سياسية قوية لجعل هذا الاصلاح وتلك الهيكلة موضع التنفيذ
هناك بعض القضاة يتقمصون دور لهم فوق البشر ، ينظر للناس وللواقع من عل ، ولأنه يعتقد فى هذه النظرة العلوية الفوقية لابد ان يجسدها فى كتاباته وارائه حتى يعطى نفسه حقها فى هذه النظرة ، شاهدت قبل فترة الفلم المصرى ( زوجة رجل مهم ) والتى جسد فيه الممثل القدير أحمد زكى دور ضابط المباحث ، والذى تماهى مع هذا الدور فكان يمشى بخيلاء ويمارس الغرور والصلف على البشر ، وكان يحب نظرة الناس اليه وهو بهذه السلطة الآمرة والناهية ، والذى كان بمقدوره ان يلفق التهم ون يرمى التعساء فى طريقه فى الحراسات ، ويطلق سراحهم كما يشاء ، ويضرب هذا ويفلت هذا ، وعندما فصلوهوا من العمل لم يستوعب هذا الفصل ، وظلت شخصية ضابط المباحث تتلبسه حتى بعد ان فصل ، ولم يخبر زوجته بالفصل ، بل انه اشترى عربية وعين سائق ليقوم بأداء التحية له وهو يركب ويفتح له الباب امام الجيران واصحاب المحلات ، حتى لا يفقد احترامهم له وخشيتهم منه ، وفى النهاية عندما لم يتحمل فصله من العمل وعدم عيشته كضاب مباحث ، قتل والد زوجته وقتل نفسه … وهكذا اعتقد بعض القضاة الذين يقضون بما يفارق المنطق والعقل والقانون ، كأنهم يقولون للناس نحن هنا لدينا سلطة آمرة ، ناهية ، مثل هذا القاضى اذا فصل من عمله كقاضى ، لن يستطيع ان يعيش طويلا فى الحياة اليومية العادية وسوف يكون مصيره نمصير ضابط المباحث فى فلم زوجة رجل مهم