مقالات سياسية

أغرب بروفايل !!

ب/ نبيل حامد حسن بشير

 

لكل شعب من الشعوب بروفايل  يخصها عن طريقة تتعرف الشعوب على (خصائص) الشعوب الأخري. يا تري ما هو بروفايل الشعب السوداني (الأن) ؟ .

أقول الأن لأني أشعر  أن بروفايلنا (خصائصنا) الحالي اختلف اختلافا جوهريا عن البروفايل الذي كنا نعرفه نحن وما يعرفه الأخرون عنا.  كنا رمزا للأمانة والكرامة والتدين ومكارم الأخلاق والنظافة  والثقافة والبساطة والتطلع لكل ما يرتقي بوطننا ونحب بعضنا البعض، ولنا روابط أسرية قوية . وفي الغربة يكون ارتباط السودانيين ببعضهم، رغما عن اختلاف قبائلهم، يضرب به المثل. التكافل شيمتنا ،  والكرم عنواننا، والأدب خصلة  حكر لنا. كان السودانيون يعمرون الأرض أين ما قطنوا. نفخر دوما بسودانيتنا. يحترم صغيرنا كبيرنا، ويحب كبيرنا صغيرنا. المرأة بالنسبة لنا كنز وجوهرة  تجد منا الحب والتقدير والاحترام والحماية، والطفل مسؤولية الجميع. أين نحن من كل ذلك الأن؟ .

يذكرني حالنا الأن بقصة المستشرقين الأوروبيين عندما أتوا لمؤتمر بالفاهرة. عندما عادوا الى أوطانهم  سالتهم أزواجهم : كيف وجدتم العرب بالقاهرة؟ كان الرد : هؤلاء القوم يتحدثون بلغة وهم وقوف تختلف عن لغتهم وهم جلوس. يقصدون الفصحي والدارجي على الترتيب.  هكذا نحن، (فداخل بيوتنا) اخلاقياتنا وسلوكياتنا تختلف كل الاختلاف عن ما نقوم به  خارج المنازل، اي الشوارع والطرقات والأسواق والمصالح الحكومية والمدارس والجامعات والمستشفيات …الخ.

نشأنا بالخرطوم وترعرنا بها حتى مغادرتنا الى الدراسة الجامعية بالاسكندرية. قمنا بزيارات لكل المدن السودانية الكبري حين عودتنا  عدا دارفور للأسف الشديد. ساعدني مجال عملي الأكاديمي وأبحاثي بزيارة أغلب دول العالم بكل القارات تقريبا،  عندها تعلمت بانك ان (اردت ان تعرف شعب ما)، أي بروفايل هذا الشعب،  عليك  ملاحظة (ما يجري بالشوارع والطرقات)،  وكل ما هو خارج المنزل. هل هو شعب راق أم متخلف، منظم أم فوضوي عشوائي، يحترم بعضه البعض أم متنمر، متدين أم زائف التدين، كريم أم بخيل، مثقف أم جاهل، نظيف أم لا يهتم بالنظافة ولا يعرف الفرق بينهما، زراعي، رعوي، صناعي، مستهلك أم مبدع، منتج أم يعتمد على الأخرين…الخ.

كانت الخرطوم وبقية المدن الكبري بالبلاد حتى منتصف سبعينيات القرن الماضي قمة الانضباط  والنظافة. حركة المرور بكل شوارعها وطرقاتها، حتى الترابية منها، تنساب بهدوء وشرطي المرور يتواجد بكل التقاطعات ، وأخرين بدراجاتهم النارية الراقية الجميلة وزيهم الراقي النظيف، وكل شرطي يلتزم بالاشارات المرورية الرسمية بحركات من يدية التي يلتزم بها ويفهم معناها كل من يقود سيارة أو دراجة أو  تاكسي أو بص أو ما ننطلق عليه كارو وكذلك المشاة. لا أحد يتعدي علي حقوق  الأخر في السير ولا يتخطي الأخرين بطريقة  تخالف أسس السير (أي من اليسار)، ولا تستخدم ألة التنبية (البوري) الاعند الضرورة القصوي، ولا يستعملها نهائيا في مناطق المستشفيات والمدارس. بكل حي كشك للشرطة به  تلفون، وليلا يتواجد شرطة السواري حتى الفجر.  تأني سيارات البلدية  يوميا لرش الأحياء  بالماء، خاصة الأيام التي يتوقع بأنها أيام انتشار وباء السحائي، وتقوم البلدية بالاعداد للخريف منذ نهاية مايو خاصة المناطق التي يتوقعون أن تكون أماكن تجمع الماء (الميعات) ويكون الرش للمنازل والبلاعات وأماكن تجمع الماء اسبوعيا وتعامل دورات المياه بمادة الفنيك المطهرة. أما (ظاهرة التسول)  فلم تكن منتشرة بالشوارع، ومحصورة  فقط بالمساجد، وأغلبهم لا ينتمون لهذا الوطن، نادرا ما تجد سودانيا متسولا أو سودانية تمتهن التسول فهو عيب لا يغتفر للأسرة والعائلة والقبيلة.

نعود الي بروفايلنا  الأن. كأننا نعيش في عصر أخر (على الأقل هذا شعور جيلنا نحن). قمة الفوضي في كل ما يخطر علي البال. القاذورات منتشرة بكل مكان، خاصة الطرقات والمستشفيات والمدارس والمصالح الحكومية. المطاعم  وأسواق الخضر والفاكهة واللحوم محاطة بالقاذورات ولا  يلقي لها البائع أو المشتري بال كأنه لا يراها أو معتاد عليها.  أما الجهات المسؤولة  فلا يهمها سوي الجبايات. الشرطة بكل تخصصاتها  (غير موجودة).  وأن وجدت فكانها  مجبرة علي القيام بعملها  تطوعا  ولا تأخذ راتب عليه! من تواجد منهم  يبحث عن مقعد يجلس عليه بجوار بائعة الشاي والقهوة ويقلب في  المحمول (الموبايل). المتسولون والباعة في كل التقاطعات بكمية  تجعلك تكره الخروج من منزلك. أغلب المتسولين من دول غرب افريقيا وعددهم بالألاف يجمعون المال ويهربونه لدولهم ذهبا ودولارا وبضائع، وبالتأكيد أن وراؤهم من يقوم باحضارهم (متعهد) وترحيلهم واسكانهم نساء منقبات وأطفال. أما هؤلاء الباعة الذين أتوا من القري لبيع الماء ومناديل الورق وتركوا الزراعة مما تسبب في هجر أصحاب المزارع لمزارعهم لعدم توفر العمالة حالهم يغني عن سؤالهم. هل ما يقومون به  بالعاصمة من جهد وبهدلة  يستحق تركهم للزراعة وترك الأهل والأحباب والعيشة الكريمة؟ .

نعود لمشاكل المرور  بكل الطرق الرئيسية،  بما فيها الطرق القومية. الكل يعتقد أنه طالما تملك سيارة أو اي من  وسائل النقل وحصل علي ترخيص للقيادة (من حقه أن يفعل ما يريد) في الطرقات. الغالبية العظمي لا تعرف أو تعترف بأن القيادة (فن وذوق وأخلاق)! بالنسبة لهم القيادة في الخرطوم وغيرها (رجالة وفهلوة) أي كاوبويات.  لا يعرف أو لا يعترف بأن  التخطى له أسس، خاصة أصحاب (الدراجات النارية والركشات) التي أنتشرت  بطريقة غير مسبوقة تذكرني  بنيودلهي وكمبالا وواجادوجو وكوماسي ولاجوس. قمة الفوضي.  ان اعترضت فعليك انتظار ابشع اساليب التنمر والشتائم ومعها ايضا (انت جيت من وين؟). أعرف أحدهم (شاب صغير)  توقف وأخرج مفتاح العجل وانهال به ضربا علي رأس أحد أكبر الأطباء بالخرطوم، وكان ذلك   بشارع الحرية،  وتسبب له  بنزيف بالمخ اضطر أهله الي علاجه بالخارج، وما زالت اثار الاعتداء مؤثرة علي هذا الطبيب حتى يومنا هذا. ايضا من المظاهر الغريبة في حركة المرور أن تجد السائق قادما  من الجهة المعاكسة للطريق  وكمان (يحدر لك) وكأنه يقول لك (كان راجل أفتح خشمك). أما أن كانت اشارات المرور الضوئية لا تعمل فهنا يظهر لك حقيقة (من نحن). قمة الفوضي وحب الذات وعدم القدرة على التنظيم أو اتباع اسس الحركة التي  بسببها منح الترخيص. هنا تظهر ما نتعارف عليه بالحقارة سوء الأدب والعناد والبفاء للأقوى (شريعة الغابة) خاصة من الشباب الذي كنا نأمل أن يحقق شعار (حنبنيهو). نفس هذا الشحص ان ذهبت الي منزله يكرمك  غاية الكرم، لكن في خارج المنزل، في الأحوال أعلاه، فهو مستعد لازهاق الروح لسبب لا يرقي حتي الي قولة أنا أسف . بروفايل عجيب فعلا. اللهم نسالك اللطف (أمين).

 

[email protected]

‫2 تعليقات

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..