مقالات سياسية

حوار حول التغيير الجذري: لينين دعا العمال الروس للمطالبة ببرنامج الحد الأدنى (1 – 3)

صديق الزيلعي

 

تشير معظم الأطروحات والمبادرات والمواثيق حول الوضع السياسي الراهن والازمة السياسية والاقتصادية الحادة التي تتعرض لها بلادنا بسبب انقلاب ٢٥ أكتوبر٢٠٢١م، لضرورة اتخاذ موقف جاد ومثابر لإسقاط انقلاب أكتوبر 2021م. تمثلت تلك المبادرات في ذلك المجهود الخلاق وفي العصف الذهني المتميز الذي قامت به لجان المقاومة، حتى توصلت للميثاق الموحد، ومساهمات أساتذة ألجامعات ومقترحاتهم لتخطي واقع الازمة، والتحرك الدؤوب الذي تقوم به آلية وحدة قوى الثورة، والرؤى السياسية التي تقدم بها الحزب الشيوعي وحزب الامة، واجتهاد لجنة تسيير نقابة المحامين في اعداد مسودة أولية لدستور انتقالي، وتحركات قوي مجتمعية مختلفة. كل تلك المساهمات، رغم الاختلافات بينها، تخلق الأرضية المناسبة لفتح حوار فكري وعقلاني بين قوى ثورة ديسمبر، أكرر قوى ثورة ديسمبر، للاستفادة من أخطاء الماضي لبناء المستقبل. يجب علينا، قوي الثورة، اجمعين، ان نحول التخاطب الحالي المنغلق مع الذات أو ما يسمى بالمنولوج الي حوار منفتح مع الآخرين في ديالوج مثمر ومفيد لوطننا.

تسعى هذا المقالات للمساهمة ، مع الآخرين، في فتح حوار حول مختلف قضايا التغيير، ومناهج العمل السياسي الضرورية، لإقامة السلطة المدنية ووضع الاساس المتين للديمقراطية المستدامة في بلادنا، والاستفادة من أخطاء الماضي التي أعاقت مختلف مراحل الانتقال، عن بلوغ أهدافها النهائية، خاصة أخطاء المرحلة الانتقالية ما بعد ثورة ديسمبر، لأننا نعايش نتائجها المأساوية. وسنحاول تفكيك اطروحات مختلف الأطراف، لنري مدى قابليتها للاستجابة للتحديات الراهنة في بلادنا، وسنحاول اعتماد منهج بناء موجه للتمسك بما هو إيجابي في كل ما هو مطروح في الساحة السياسية.

سيشمل النقاش مواقف وتجربة قحت، التي بدأتها بمقال (يا قائدا بلا معركة آن أوان المعركة)، وسأعود لها مرة أخرى. وسأواصل الآن، بعد انقطاع اجباري فرضته التزامات وواجبات متعددة، لا فكاك منها، وستشمل بقية المقالات مشروع التغيير الجذري، مستقبل العمل النقابي، اتفاق جوبا وقضايا الهامش، آفاق الحل السياسي ومحدوديته، الموقف من المجتمع الدولي، الدور المركزي للجان المقاومة في المرحلة القادمة.

سأبدأ بقضية التغيير الجذري المطروح في الساحة السياسية لعدة اسباب. منها أهمية القوى الرئيسية التي تتبناه وهي الحزب الشيوعي السوداني، فهو حزب له بصمات واضحة في تاريخ السودان المعاصر، كما انه سيلعب أدوارا مهمة في النضال من اجل التغيير القادم. وأعرف، ومن خلال، معرفتي اللصيقة والطويلة بكوادر الحزب، قدراتهم النضالية واخلاصهم لقضية الوطن.

أخترت عرض كتاب لينين الشهير “خطتا الاشتراكية الديمقراطية في الثورة الديمقراطية” لعدة أسباب:

  • تشكل الثورة الروسية النموذج الأول لليسار العالمي، باعتبارها أول تجربة في التاريخ لإقامة نظام بديل للنظام الرأسمالي، مما يجعلها جاذبة بالنسبة للكثير من التيارات اليسارية باعتبارها النموذج، الذي شق طريقا جديدا، ليحقق حلم العدالة الاجتماعية، ويجرر الكادحين من الاستغلال.
  • كان لينين هو المنظر الأساسي للثورة الروسية وقائد تكتيكات البلاشفة، التي كانت أكبر ثورات القرن العشرين، مما يعطى أهمية كبيرة وميزة خاصة لكتاباته حول قضايا الاستراتيجية والتكتيك، لمعظم اليساريين.
  • يقدر الشيوعيون السودانيون اسهامات لينين ، وتجد أفكاره وأطروحاته قبولا واسعا بينهم، لذلك اخترت أحد كتبه لابتدار حوار حول قضية الحل الجذري، في ظروف الثورة السودانية في المرحلة الراهنة.
  • سطر لينين كتاب “خطتا الاشتراكية الديمقراطية في الثورة الديمقراطية” بعد ثورة 1905م ضد الحكم القيصري المطلق. وهو ما يشابه وضعنا تماما في ثورتنا ضد حكم الاسلامويين المطلق والشمولي. و الأهم أن الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي صدر فيها الكتاب والقضايا التي عالجها تشابه ظروف اقتصاد بلادنا المتخلف والتحديات التي تواجهنا لتخطي ذلك الواقع وبناء اقتصاد متقدم ومزدهر، وضرورة هزيمة الدولة الشمولية وتفكيك كافة مؤسساتها، ووضع أسس صلدة للانتقال الديمقراطي الحقيقي.
  • أعتمدت في العرض على نسخة الكتاب الأصلية والمترجمة من الأعمال الكاملة، والصادرة عن دار التقدم الروسية، وهو متوفر في النت مجانا.
  • سأعطي مساحة كبيرة للمقتطفات حسب النص الأصلي، وبأقل قدر من التدخل او التعليق من جانبي، لان ذلك سيساعد على فهم رؤية الكاتب، بصورة قاطعة لا تقبل الجدل.

بعد ثورة 1905م ضد الحكومة الأوتوقراطية القيصرية الروسية، أصدر المؤتمر الثالث لحزب العمال الاشتراكي الديمقراطي (الحزب الشيوعي لاحقا) القرار الآتي، وفيه ينص صراحة بان يتمسك العمال ببرنامج الحد الأدنى الذي طرحه الحزب :

“من الضروري ان يصار في صفوف الطبقة العاملة الى نشر مفاهيم ملموسة عن سير الثورة وعن ضرورة نشوء حكومة ثورية مؤقتة، في لحظة معينة من الثورة، حكومة تطالبها البروليتاريا بتلبية جميع المطالب السياسية والاقتصادية المباشرة الواردة في برنامجنا (برنامج الحد الأدنى) ”

 

ص 11

ثم يعمق لينين طرح المسألة بصورة واضحة حيث يؤكد ان الانقلاب الديمقراطي (يقصد الثورة) سيعزز سيطرة الطبقة البرجوازية:

“ولكن تقدير أهمية الحكومة الثورية المؤقتة يكون ناقصا إذا غاب عن البال الطابع الطبقي للانقلاب الديمقراطي، ولذا فان القرار يضيف ان الانقلاب سيعزز سيطرة البرجوازية، وهذا أمر لا مناص منه في النظام الاجتماعي والاقتصادي الرأسمالي”

ويدافع عن دعوة الحكومة الثورية المؤقتة لتطبيق برنامج الحد الأدنى، وينتقد بقسوة دعاة برنامج الحل الأقصى :

“وأخيرا نلاحظ ان القرار، اذ يعهد للحكومة الثورية المؤقتة، بمهمة تطبيق برنامج الحد الأدنى، انما يستبعد بالتالي الأفكار الخرقاء شبه الفوضوية القائلة بتطبيق برنامج الحد الأقصى فورا، بالاستيلاء على السلطة من أجل الانقلاب الاشتراكي. فان الوعي والتنظيم عند الجماهير الغفيرة من البروليتاريا (الشرط الذاتي المرتبط ارتباطا وثيقا لا تنفصم عراه بالشرط الموضوعي) تجعلان من المستحيل تحرير الطبقة العاملة فورا وكليا. وليس غير أجهل الناس من يستطيعون ان ينسوا ان سواد العمال لا يعرفون حتى الآن الا اقل القليل عن اهداف الاشتراكية ووسائل تحقيقها”.

ص ١٦

يصر لينين في نقاشه على دعم موقف الحزب من المشاركة في الحكومة الثورية المؤقتة التي تتكون بعد التخلص من القيصرية، انه يرى ضرورة التمسك بالمشاركة في الحكومة:

“ان القرار يعطي جوابين دقيقين على السؤالين . فهو يعلن بكل جلاء انه يجوز مبدئيا اشتراك الاشتراكية الديمقراطية في الحكومة الثورية المؤقتة (في عهد الانقلاب الديمقراطي، في عهد النضال من أجل الجمهورية)”

ص ١٧

يطرح الكاتب الموقف الماركسي من الثورة الروسية باعتبارها ثورة برجوازية، ويدعو للإسراع بالتطور الرأسمالي على النسق الأوربي وليس الاسيوي:

“ان الماركسيين لعلي اقتناع مطلق بطابع الثورة الروسية البرجوازي.  فماذا يعني هذا؟ هذا يعني ان التحويلات الديمقراطية في النظام السياسي، ثم التحويلات الاجتماعية والاقتصادية التي أصبحت ضرورية لروسيا، لا تفترض بحد نفسها زعزعة الرأسمالية، زعزعة سيطرة البرجوازية، ليس هذا حسب، بل انها على العكس، ستمهد أيضا السبيل حقا، وللمرة الاولى، لتطور واسع وسريع، أوربي لا اسيوي للرأسمالية” .

ص ٣٦

الثورة تؤكد توافق مصالح البروليتاريا والبرجوازية، وينتقد من يرفضون ذلك:

“لذا فان هذه الثورة لا تعبر عن مصالح الطبقة العاملة فحسب، بل تعبر أيضا عن مصالح البرجوازية باسرها. وبما ان سيطرة البرجوازية على الطبقة العاملة أمر محتم في النظام الرأسمالي، فيمكن القول عن كامل الحق والصواب ان الثورة البرجوازية تعبر عن مصالح البروليتاريا بقدر ما تعبر عن مصالح البرجوازية. ولكن الفكرة القائلة انها لا تعبر ابدا عن مصالح البروليتاريا فكرة خرقاء حقا” .

ص ٣٧

مصلحة الطبقة العاملة الروسية تتمثل في ان تتطور الرأسمالية بمنتهي الاتساع والحرية والسرعة:

“هذه الموضوعات تبين آت فكرة السعي وراء خلاص الطبقة العاملة عن طريق غير طريق تطور الرأسمالية المطرد، فكرة رجعية. ففي بلدان كروسيا، لا تعاني الطبقة من الرأسمالية بقدر ما تعاني من النقص في تطور الرأسمالية. لذا فان من مصلحة الطبقة العاملة اطلاقا ان تتطور الرأسمالية في منتهى الاتساع والحرية والسرعة. من المفيد للطبقة العاملة اطلاقا القضاء على جميع بقايا الماضي التي تعيق تطور الرأسمالية تطور واسعا وحرا وسريعا” .

ص٣٨

(نواصل)

 

[email protected]

تعليق واحد

  1. ما المصيبة شيوعيين السودان ما قرأو لينين
    سياستهم هي محرد تطرف وشغارات

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..