مقالات وآراء

الطفبوع دلدول

 

 

هاء السكت

بشرى الفاضل
ولد الطفبوع دلدول بقرية تكسوانة وهي ناحية تقع في منطقة جبال شهيرة.عندما كان دلدول في بطن أمه أقبل على طعامه بنهم فامتص دمها حتى كادت تهلك قبل مولده لم يكن وحده إذ كانت معه توأم أقصاها بأنانية بائنة عن نصيبها من وارد الأم في طعام تستحلبه لأجنتها من دمها جاعت التوأم حتى غدت هيكلاً عظمياً قبل أن تخرح لمعترك الحياة فدلدول طفبوع ولذلك عندما خرجا معاً حرمها من لبن الأم تماماً إذ كان يمتص اللبن من ثديي أمه قبل أن تتعرف التوأم التعيسة بفعل بطء انفعالاتها على موضع الثديين وهكذا رحلت التوأم المصابة بالأنيميا قبل أن يمضي أسبوع على مولدهما. ومن عجب أن التوأم ولدت قبل دلدول لكن دلدول النهم قتلها في أول جريمة في العالم يرتكبها جنين.
واستمر دلدلول في المكابسة حتى فزعت الأم من سلوكه العجيب وهي لا تعرف أنه طفبوع واتفق والداه على تسميته العجيبة دلدول.
شبَّ دلدول عن الطوق فأصبح طفبوعاً بديناً. ولما اشتهرت قرية تكسوانة بالذهب تلمس طريقه النهم لبريق المعدن النفيس وخلال شهر واحد أقصى بمساعدة عمدة تكسوانة المرتبط بجهات عليا كل العاملين في بئر عميقة واستعان بأطفال طفابيع ممن ولدوا في المنطقة والمناطق المجاورة وأطفال الطفابيع هم أطفاشيون في هذا المسمى الذي عرفوا به إبان دولة الطفابيع قبل إندحارها قبل الإنقلاب الأخير لكنهم حالياً إزاء الوضع الجديد ولدوا بأسنانهم.
وصار دلدول زعيمهم ومديراً لبئر الذهب. كان يأمرهم بالدخول في البئر العميقة ويقضي سحابة يومه في الهرولة بين الطواحين وتوفير الزئبق حتى رأى كتلاً صغيرة من الذهب فسال لعابه وظلّ يراكمها ويراكمها ومن ثم يستعد للسبائك. أما الأطفاشيون فقليلوا التجربة إذ صاروا داخل البئر يتابعون عرووق الذهب البارزة على (الشيكال) وهو حائط داخل البئر بسمك متر ويمتد مرتفعاً ليسند البئر ويحميها من الإنهيار. هكذا فكر العمال الذين طردوهم في حماية البئر، نحت الأطفاشيون الشيكال دون دراية حتى أصبح بسمك سنتمرات. وفي يوم الأربعاء دخل دلدول البئر وأمر الأطفال بالخروج وأقبل على حائط الصد بمعوله متابعاً لعروق المعدن النفيس وهتك الشيكال وهدمه فانهار عليه البئر. وامتلأ فمه وخياشمه بالتراب وترك الغبار حيزاً ضيقاً في أجهزة تنفسه لهاء السكت فسكت أما الأطفاشيون بالخارج فأصبحوا إزاء انهيار البئر في حيرة وغشيتهم هاء سكت منغمة ( واه آه واه) فترنموا بها بالسلم السباعي في أصوات أشبه بالفحيح فالطفابيع لا صلة لهم بالخماسي.
وهرعوا لورش العمدة وأتوا بالجرافات فحفروا وأخرجوا دلدول في صمت هاء سكته حياً، لكنه مصمت فالطفابيع لايموتون..
بعد حين يتحرك بأمر الجلاوزة الجدد نحو شركة التعدين الكبرى ليديرها وكأن شيئاً لم يحدث. يتبعه الأطفاشيون. وجميعهم مصابون بهاء السكت وهم في غيهم يعمهون عسى أن تنجيهم من بيارق مصحوبة بطبول لها إرزام و رعد هديرٍ يلوح في الأفق.
الجريدة

‫4 تعليقات

  1. ليك غيبة ووحشة يا دكتور بشري الفاضل .. تخطتفكم المنافي ايدي سبأ …
    من سردية الكفابيع هذا المقتبس الوضئ:

    “فرأيت صلاة الطفابيع التي اتخذت من صلاتنا شكلها ، ولكنهم يركعون على قفاهم ويسجدون وعيونهم مفتوحة على جيرانهم ينحني الطفبوع عكسياً على ظهره ويسجد كالقوس ضد القبلة. وكان وهو سائر نحو السجدة يراقب الجمهور، حيث انه في هذه الذكرى ليس مسموحا بالصلاة إلا لهم وظل الجمهور يراقب حتى المرحلة قبل الأخيرة من المراسم”

    شكرا بشري !!!

  2. عدنا القهقري لعهد ما قبل العرب العاربة لغويا.
    فلا احد سيفهم ما تقول ، ولا يستطيع ان يفهمك ما قرأ .
    ولكن ما كتبت هي الحقيقة .
    وللاسف عدم تنفيذ قوانين رادعة تجعل من الاستغلاليين وحوشا للجشع يفعلون ما يريدون دون وازع .

  3. الأخ الاثير بشرى
    تحية طيبة
    وبشرك الله بالجنة
    وهانحن مع الجرابيع نراهم راي العين وهم يتزاحمون في الاتجهات الاربع
    وفجأة تذكرت رائعة محي الدين فارس
    العائدون مع الظلام من المصاتع والحقول
    فهل ياترى سيذهبون مع اللعنات تلحقهم دعوات اهل المعسكرات والملاجئ في العدو والرواح اليس الصبح بقريب
    الله غالب

  4. عودا حميدا دكتور .. منذ إطلاقك هذا الإسم البديع صار بلسماً لنا وكلما قابلنا أصنافا من الناس لا يمتون للإنسانية بصلة نقول بملء خياشيمنا طفبوع

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..