مقالات وآراء سياسية

حسب طلب نائب قائد الجيش .. التنازلات الممكنة وغير الممكنة للعسكر؟

 إبراهيم سليمان

أكد نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة “الفريق” حميدتي مؤخرا، “التزام المكون العسكري بالانسحاب من العمل السياسي، وضرورة تكوين حكومة مدنية بالكامل، داعياً جميع الأطراف إلى تقديم تنازلات وطنية من أجل الحفاظ على أمن واستقرار البلاد.

ومما لا شك فيه، أنّ ما يطلبه جنرالات العسكر من تنازلات، ما هي إلاّ طلب فدية، مقابل قرصنة سياسية سمجة، مكنتهم من الاستيلاء على السلطة! ورغم أنه ذكر “تنازلات وطنية” فإن السياق يعتبر جواب لماهية الطلب، و”الجواب يكفيك عنوانه”، ناهيك عن أنّ الصراع على السلطة، معروف أركانه وميادين معاركه والأسلحة المستخدمة فيه.

وبما أنّ هذا الإفصاح، جاء ضمن التأكيد المغلّظ بإلتزام القوات المسلّحة الانسحاب من مسرح العمل السياسي، أي أنهم قدّموا ما يليهم من تنازلات، فإنّ هذا يعني ضمنياً، أنّ الكرة في ملعب المكون المدني.

هذا الكلام من حيث هو، لا بأس به، لكن المشكلة أنّ جعبة العسكر ملآى بالجرائم، ومترعة بالتجاوزات، في الحق العام والخاص، ولا يمتلك أحد صلاحية تقديم تنازلات عن تلك الجرائم، وكأن لسان حال نائب قائد الجيش، يقول: أعفونا، نسلمكم الحكم!

إن كان الاستيلاء على السلطة في 25 اكتوبر كان ناعما، وأنّ العسكر أطلقوا فقط أعيرة نارية في الهواء، فهرب المدنيين، تاركين لهم السلطة “سدّاح مدّاح”، أو أنّ الدودو نزل من السماء الأحمر، وفضّ اعتصام القيادة العامة، كان بالإمكان مساندة طرح نائب قائد الجيش، والتبشير به، ووصف هذا الطلب بالعقلانية، لكن من الواضح أن “الفريق” حميدتي خانته الملابسات.

وبما أن الذين قتلوا شباب الثورة فيما بعد انقلاب 25 اكتوبر هي على الأرجح الأجهزة الأمنية، فأنّ المقصود بالتنازلات من نائب قائد الجيش، لا يعدو أن يكون نسيان جريمة فض الاعتصام، إذ أنّ قواته هي المتهمة الكبرى في تلك الجريمة الفاجعة، أمّا الذين قتلوا الشباب في الشوارع “فليشيلوا شيلتهم”، حسب لسان حاله!

نائب قائد الجيش يدرك جيدا، أنّ الدبابات لن تبقيهم على سدة الحكم إلى الأبد، ومن الأرحم لهم، أن يتم التغيير بأيدهم، لا بيدِ عمر، وأنّ موقفهم لا يحتمل أن تترك التنازلات لذوق الثوار أو”حنيّة” الكيانات السياسية. وإن كان المقصود التنازل عن عجز الشعار المرفوع من لجان المقاومة “.. والجنجويد تنحل” فإن هذا الأمر يمكن النظر فيه، وإرجائه مؤقتا، إلى البرلمان المنتخب، ضمن بند إعادة هيكلة القوات المسلحة.

في تقديرنا كل ما يمكن تقديمه كتنازل للعسكر، هو ترك أمر المحاسبة والنظر في أعادة هيكلة القوات المسلحة إلى البرلمان المنتخب، على أن ينحصر مهام الحكومة المرتقبة في تهيئة البلاد لإجراء انتخابات حرة ونزيهة، تقودها شخصيات قومية، مع مراعاة التوازن الأقاليمي والمهني.

ومن التنازلات التي يمكن أن تكون محل أخذ ورد مؤقتا، مصير الشركات التي أسستها القوات المسلحة من حر مال الشعب، أو استولت عليها بقوة عين، ووضع اليد بمباركة نظام الإنقاذ المباد، سيما وأنّ فترة الحكومة المرتقبة، تكون مرّكزة، ولا ينبغي لها أن تتطول، وأن تنفيذ هذا الأمر، يحتاج طول نفس، على أن ترفع وزارة المالية يدها عن وزارة الدفاع، ونفقات القوات المسلحة، إلى أن تسلم الأخيرة كافة شركاتها للخزانة العامة.

وما لا يجب التنازل عنها خلال الفترة الانتقالية الثانية، أيلولة وزارة الداخلية، بما فيها جهاز الأمن والمخابرات الوطني للحكومة المدنية فوراً، وتحريرها من قضبة العسكر، وأن تكون تحت إمرة رئيس الوزراء مباشرة، وكذلك التمثيل السيادي خارجياً، يجب أن يمنع جنرالات العسكر منعا باتاً من تمثيل البلاد في أية فعالية سياسية أو أمنية دولياً، وألا يحق لهم إبرام أية اتفاقيات مع أية جهة خارجية.

المعضلة الحقيقية الماثلة الآن، يبدو للمتابع للشأن السياسي السوداني، أنها تتمثل في الكيان أو الجهة الاعتبارية التي تأنس في نفسها الأهلية، وتجد في نفسها الثقة، أنها تستطيع التفاوض مع العسكر نيابة عن الشعب السوداني، في ظل الرفض المنظم للتفاوض مع العسكر من قبل لجان المقاومة، ولا نظن أن هذه المعضلة، ستُحل قريبا.

اتفاق جوبا يجب أن يُلغى مهما كلف الثمن، للتأكيد على عدم الخضوع للابتزاز الثوري المسلّح، ولأنه سمم المكونات الاجتماعية والسياسية شرقاً وغربا، وحتى في المركز، وإقرار ضمني في أبهى تجلياتها وهو تكريس لمعنى الانتهازية السياسية، وتقنين لمفهوم “السلام” مقابل السلطة. اتفاق جوبا عبارة عن سُم زعاف بالنسبة التحول المدني الديمقراطي، والإبقاء عليه كما هو لاستشراف أية مرحلة جديدة، ضمن أي اتفاق دستوري جديد، يعنى “كأنك يا أبو زيد ما غزيت”، وبعد مضي سنتين على توقعه، ليس هنالك من يتمسك به سوى الموقعين عليه، من العسكر والحركات المسلحة.

لا شك لدينا أنّ ضرر الإبقاء على اتفاق جوبا للسلام كما هو، أكبر من التبعات المحتملة من إلقائه، وإعادة التفاوض من أطرافه، تحت عين الشعب، وفوق “التربيزة” وليس تحتها.

ومما لا يجب التنازل عنه، منع عودة حزب المؤتمر الوطني للمشهد السياسي، والسماح له بخوض الانتخابات المقبلة، وبما أنّ الحكومة المرتقبة، لا ينبغي لها أن تكون حكومة محاصاصات، فلا معنى، ولا قيمة، للجدل الدائر بشأن قبول أو رفض الأحزاب التي كانت مشاركة للمؤتمر الوطني قبل سقوط نظام الإنقاذ، من لدن حزب المؤتمر الشعبي وحزب الاتحادي الأصل.

في تقديرنا، يجب التركيز على ما يضمن إجراء انتخابات شاملة، حرة ونزيهة، بالتركيز على ضرورة، إزالة تمكين النظام البائد من مفاصل الدولة، سيما الجهاز القضائي، والنيابة العامة، وجهاز الشرطة، وضمان عدم تأثير السلاح والمال “الفاسد” على نزاهة وحرية الاقتراع.

يجب البدء في تأسيس للدولة المدنية، على قاعدة صلبة، بخطوات مدروسة، ومتأنية، بقدر من الحصافة السياسية، وتجنب التهور والاندفاع الطائش، وتوهم إمكانية كسب المعركة في جولة واحدة.

[email protected]

‫10 تعليقات

  1. كتاباتك يا أستاذ دائماً ما تشرح الوضع الصحيح التنازلات يقدمها من بيده المال و السلاح و السلطة

  2. كاتب المقال وزير الدفاع السابق و والي شمال دارفور السابق الفريق اول معاش ابراهيم سليمان
    اول حاجة سميت حميدتي نائب القائد الاعلى للقوات المسلحة و دي لما تجي من عسكري محترف زيك وصل فريق اول معناها فعلاً حاصلة لكن نحنا كشعب غير مدركين ليها و ما سمعنا بيها طيب هسه لو البرهان مات موت الله يبقى حميدتي القائد الاعلى سجمنا
    الحاجة التانية زي ما قولتا اصلاح الجيش يخلوهو لي برلمان ما بعد الانتخابات هل تفتكر قيادة العسكر بعد بلاويهم العاملنها دي بيرجوك بيهو قول رجوك بيهو ايه الضامن
    الثورة و في عز وحدتها و قوتها تحايلوا و استقووا عليها الآن مافي زخمها الاول هل تفتكر ممكن ينفذوا هذا الإصلاح
    المقال يحتاج للمزيد حول الآليات و الضمانات

  3. بعدين يا سعادتك تأجيل المحاسبة للبرلمان المنتخب قول فازوا مدنيين وكلاء العسكر اها كيف في نقط جانبك الصواب فيها الحساب حساب ياخي في حالات في افريقيا تم الاعفاء من المساءلة مقابل الدمج و التفكيك و التسريح زي سيراليون و غينيا مثلا اها حميدتي برضى بالكلام ده الناس ديل مطامعهم اكبر من مخاوفهم

  4. شوفوا آخر تقرير لوزارة الدفاع الأمريكية عن محرقة فض الإعتصام !!!!!!!!

    وزارة الدفاع الأمريكية في تعليقها لصحيفة (اميركا اليوم USA Today)

    تقرير صادم للبنتاجون حول فض اعتصام القيادة العامة*

    ان المجموعه التي نفذت محرقة فض الاعتصام في السودان كانت من جماعة جيش المخابرات الوطني التي تم تكوينها من مجموعه من الضباط الكبار والعساكر الصغار الذين تم دسهم في وسط كل القوات النظاميه والامنيه في السودان وانها نفذت عملية فض الاعتصام بمنتهي الوحشيه بواسطه غرفة عمليات كان يتابعها كبار من ضباط الجيش السوداني الذين كانوا يراقبون العمليه ويتابعونها بمنتهي الدقه والوحشيه وقالت الصحيفه في تقرير قُدم مصوراً مؤخرا ان العمليات التي حاولت بعض المليشيات المواليه للاسلاميين ان تقوم بها لفض الاعتصام ووقوف بعض من افراد الجيش السوداني بجانب المعتصمين ادت بان تكون العمليه كاملة الاركان لاشراك كل القوات النظاميه والامنيه في السودان لفض الاعتصام بمباركة جنرالات من كل القوات النظاميه والامنيه في السودان.
    وقالت لجنة تحقيق اخري ان اكثر من 15 ألف من الافراد شاركوا في فض الاعتصام ومذبحته وان من بينهم مدنيين يعملون في مليشيات تتبع لنظام البشير وقالت ورقة اخري ان لديها مايثبت بان 1800 من المعتصمين تم قتلهم وحرقهم ودفنهم في مناطق متعدد ه في اطراف العاصمه الوطنيه امدرمان وان اكثر من 470 اخرون تم تنفيذ حكم الاعدام فيهم ليلة فض الاعتصام
    وبدات بعض من المنظمات الدوليه في تنفيذ اجراءت قانونيه دوليه ضد كبار ضباط الجيوش والمليشيات المختلفه تحت مسمي “محاكمة مجرمي محرقة اعتصام الثورة السودانية” وان مساءلة البحث والوقوف والمطالبة من كبار مسئولي السودان العسكريين في اسقاط قانون محاكمة ومساءلة العسكر في السودان فيمايعرف بقانون الحصانة والخ هو خاص بمذبحة الاعتصام .

    تقول لي تقديم تنازلات ؟؟؟؟؟؟؟؟

  5. التنازل عن هيكلة الجيش وشركاته الاقتصادية والعدالة الجنائية لايؤدى الى انتخابات نزيهة بل سيفوز وكلاء الجيش. اذا مافازوا حايعملوا انقلاب حتى لايقدموا للمشانق.

  6. يا إبراهيم، إذا كان ذلك كذلك، أو كما ترى و يرى العسكر، فلماذ إنطلقت الثوره اصلا؟
    لا تنازل عن المحاسبه للقتله المجرمين، اليوم قبل الغد.. لا بد من ترجمة شعارات الثوره في السلام و الحريه و العداله اليوم قبل الغد.. السلطه و المال ملك الشعب السوداني، و ليس العسكر و الجنجويد و المتأسلمين، لعلمك.

زر الذهاب إلى الأعلى