
أمير شاهين
بصراحة عايزين (100) سنة عشان نجيب فنانين زي “وردي” و”الكابلي” و” الأمين”
الشاعر اسحاق الحلنقى
لا ينظر الكثير من الناس الى الازمة الحادة التي يمر بها فن الغناء والموسيقى فى السودان ! اذا انعدم تماما الجديد وأصبح هذا الفن اسير الماضى وسجين التكرار والاجترار , فمع تفاقم الأزمات السياسية
والاقتصادية وانسداد أفق التعافي من الدمار الشامل الذي أصاب البلاد بسبب حكم الكيزان للبلاد البلاد لمدة 30 وتلاه جرجرة وخرخرة المكون العسكرى الانقلابى الذى فرض نفسه على المشهد السياسى واقفا حجرة عثر في مسار تحقيق تطلعات الشعب السوداني فى الحكم المدنى الديمقراطى الرشيد
والحياة الكريمة والمستقبل الواعد باذن الله . فعند التحدث عن أزمة الغناء فأنت تتوقع الإجابة التالية : انت في شنو والناس في شنو ؟؟ ويجهل هؤلاء بأن في الغناء والموسيقى هو واحد من أهم المظاهر الثقافية التي تعكس وتعبر عن حياة الناس ومنذ القدم فقد عرف الناس أهمية فن الغناء والموسيقى فى حياتهم ! ولعل خير من عبر عن هذه الاهمية هو الفيلسوف الصيني الحكيم كونفوشيوس فقد قال قبل أكثر 1500 عام انه اذا اردت أن تعرف مدى تقدم الأمة وحضارتها ووعيها فاستمع الى موسيقاها !! كما ان علماء الاجتماع والتاريخ كثيرا ما يلجأون الى الموسيقى لفهم أنماط التفكير وأساليب الحياة فى فترة ما من عمر الأمم والشعوب !
وفى تقديرى ان أعمق ما في هذه الأزمة هو عدم شعور الكثير من الناس بان هناك ازمة !! واصبحنا كل يوم نشاهد ظهور عدد كبير من المغنيين والمغنيات حتى ان أحد الظرفاء قال لى : طالما ان السودان بعد انفصال الجنوب نزع عنه لقب ارض المليون ميل مربع فاقترح ان نطلق عليه ارض المليون فنان !! فهؤلاء المغنيين والمغنيات يملأون جميع وسائل الإعلام المتاحة زعيقا و ضجيجا وينالون من الشهرة والمال
والتقدير ما لم ينله من قبلهم من المبدعين الحقيقيين الذين أثروا وجدان الشعب السودانى وأدخلوا السعادة والفرحة فى قلوب الناس ثم رحلوا عن دنيانا فقراء معدمين لا يملكون الحد الادنى من المال ما يكفل لهم الحياة الكريمة ولم يتركوا وراءهم سوى أعمال خالدة وذكرى طيبة !! وفى المقابل نجد ان بعض وسائل الاعلام والاعلاميين صاروا يطلقون وبكرم حاتمى الالقاب الفخيمة على هؤلاء المغنيين المفلسين فنيا (بسبب عدم وجود انتاج فنى خاص بهم) مثل ” الملك” و ” السلطان والسلطانة” و” القيصر” و”الامبراطور” و” البروف” وفي هذا المنحى قال لى صديقى ساخرا : إذا كان هذا المطرب الذي لا يملك ولا اغنية واحدة خاصة به يطلقون يطلقون عليها الألقاب الامبراطورية والملوكية والسلطانية فماذا يمكن ان نطلق على وردي او كابلى أو محمد الامين او صلاح بن البادية أو عثمان حسين الذين لديهم عشرات الأغنيات الناجحة والتى يعيش ويعتاش منها هؤلاء
“الاباطرة” ؟؟ .
المراقبون يتفقون بان فن الغناء السودانى قد شهد أوج ازدهاره ونضجه فى الستينيات والسبعينيات من القرن الماضى بوجود عدد كبير من المبدعين المتميزين فى مختلف مجالات الغناء
والموسيقى من شعرا وملحنين وموسيقيين ومطربين , فعلى سبيل المثال شهدت هذه الفترة ظهور وردى ومحمد الامين
والكابلى وصلاح ابن البادية والجابرى وقبلهم عثمان حسين والكاشف والعاقب محمد حسن والجابرى وفى هذه الفترة بلغت الاغنية السودانية قمم سامقة لم تبلغها من قبل وعلى سبيل المثال لا الحصر فكانت هنالك عدد من الأغنيات التى أصبحت علامات فارقة فى فن الغناء السودانى مثل : بتتعلم من الايام والحب
والظروف والجميل ومستحيلة وقلت ارحل
والساقية وهذه الصخرة وسال من شعرها الذهب وطبع الزمن وغيرهم من الاعمال التى رسخت فى وجدان الناس وشكلت وجدانهم واضافت الكثير الى الثقافة السودانية ان أكبر مظاهر الأزمة الغنائية اليوم هو عدم الجديد والتجديد , فمن المعروف ان الفن يعنى بالابتكار وتقديم الجديد وخلق أشياء لم تكن موجودة فلا غنية مثلا لابد ان يكون هنالك شاعر صاغ كلماتها واتى بجديد المعانى والمفردات وملحن يعرف كيف يحول تلك الاشعار الى لحن وموسيقى جديدة وغير متكررة ومتشابهة لسواها !
ومطرب يستطيع بموهبته وما حباه به الله من صوت جميل وحنجرة متفردة ليقوم بتتويج كل هذا الابداع الشعرى والموسيقى فى قالب اغنية جديدة ! وفى يوما ما كان عندنا فى السودان اشخاص يمتلكون مواهب ابداعية متعددة (شعرو تلحين و غناء) فمثلا نجد الشاعر والملحن فى ان واحد مثل عبدالرحمن الريح وعوض جبريل ومحمد عوض الكريم القرشى الذين كانوا يكتبون الاشعار ويقومون بتلحينها وتسليمها جاهزة الى المطربين , وايضا المطربين الملحنين الذين يقومون بتلحين الاشعار وغنائها بانفسهم او منحها لمطربين اخرين مثل العاقب محمد حسن ووردى وعثمان حسين وابوالامين وكابلى والسنى الضوى والطيب عبدالله , هذا بالطبع مع وجود ملحنين متفرغين فقط لتقديم الالحان الى غيرهم مثل احمد زاهر وبرعى احمد دفع الله والفاتح كسلاوى وعلاءالدين حمزة وودالحاوى وبشير عباس و عمر الشاعر , وهنالك حالة اخرى متفردة وهى ان يقوم المطرب بكتابة الشعر
وتلحينه وغنائه كما فى حالة الهرم الفنى الراحل الكابلى فى اغنيات حسنك فاح مشاعر وياقمر دورين والمرايا وتانى ريدة وكل يوم معانا وجبل مرة التى كتب كلماتها ولحنها ثم اهداها لابوعركى البخيت وقد صدق فيه قول الاديب والصحفى الجزائرى رابح فيلالى “من النادر جدا أن تجتمع كل عناصر الإبداع في إنسان واحد، لكنها الحالة التي تحدث مع الفنان السوداني الكبير عبد الكريم الكابليفى” العديد من اغنياه ولهذا فان الشاعر الحلنقى رئيس جمهورية الحب كما يطلق عليه قال فى لحظة صدق مع نفسه بان السودان يحتاج الى 100 سنة اخرى للاتيان بمثل وردى والكابلى ومحمد الامين
ولكي لا نظلم مطربين اليوم (الأباطرة والملوك و السلاطين) فهنالك عدد منهم أصواتهم جميلة ولا بأس بها ولكن هل هذا لوحده يكفي ؟؟ وهل الاكتفاء بترديد اغانى الغير من دون الإتيان بالجديد هو غاية المبتغى ؟؟ ان المقلق فى الأمر هو ان الجمهور نفسه قد اعتاد على هذا الأمر بمعنى تقبل وتشجيع ان يقوم المطربين بأداء اغانى الغير ولا يرون فيها شئ غريب او مستهجن وفى بعض المرات يقوم هؤلاء المطربين وكذر الرماد فى العيون بتقديم بعض الأغنيات الخاصة بهم وبسبب ضعف كلماتها او رتابة لحنها فلا احد يستمع اليها ولهذا فان الفنان نفسه لا يرددها كثيرا ويعتمد على أغنيات الغير الناجحة !! وفى بعض المرات تجد ان الثناء
والمديح يكال للمطرب المقلد مع عدم ذكر المغنى الاصلى فمثلا فى اليوتيوب وجدت اغنية “بسمة ونظرة” رائعة اسماعيل خورشيد وصلاح محمد عيسى يغنيها عدد كبير جدا من المغنيين وكانت التعليقات من المشاهدين صادمة ! فلا احد قام بالثناء او الاشارة للشاعر أو المغنى الاصلى بل كالوا الاعجاب والمديح للمغنيين فقط !! وعلى ضرب المثل فانك اذا اردت ان تستمع من اليوتيوب الى اغنية مسامحك يا حبيبى “رائعة” السر دوليب وعثمان حسين سوف تندهش لكمية المطربين الذين يؤدون هذه الاغنية وحتى من ضمنهم المطربة الاثيوبية تيقست ! وأصبح من المعروف ان معيار المنافسة اليوم هو ” من الذي يؤدي الأغنية (اغنية الغير طبعا) افضل من الاخرين بدلا عن الامر الطبيعى والمنطقى وهو المنافسة على تقديم الجديد من الأغنيات كما كان هو الحال سابقا !! ومنذ عدة سنين قمت بنقد البرنامج الشهير “أغاني وأغاني” للأستاذ الراحل السر أحمد قدور اذ ان هذا البرنامج ورغم شهرته ونجاحه الجماهيرى الكبير إلا أنه فى المقابل كان له أثر سلبى على الاغنية السودانية فالبرنامج كانت تحتكره مجموعة معينة من المطربين لا يتغيرون إلا قليلا ولا احد يعرف ما هي المعايير التي بموجبها تم اختيارهم ! وهم لا عمل لهم سوى استعراض آخر الموضات و النيولوك
وترديد اغانى الغير اى أنهم بنوا شهرتهم على ابداع الاخرين
والحال هكذا فنحن كما قال الشاعر الكبير الحلنقى سوف ننتظر 100 سنة أخرى ليجود الزمان لنا بفنانين بمثل قامات وردى و كابلى عليهم الرحمة والمغفرة ومحمد الامين , نسال الله ان يمتعه بالصحة والعافية وطول العمر فهو آخر ما تبقى لنا !! ولله الأمر من قبل ومن بعد.
والمشكلة الكبرى في القنوات الاذاعية الخاصة التي نلجأ اليها للاستماع لأغاني الذين صاغوا الوجدان فلا نجد إلا المقلدين بأصواتهم الرديئة وكأنها أصوات الشياه والحمير كالأخوين بتاعين كاروهات وحمير الموية الذين لا يميزون بين الثاء والسين ولا الزاي والذال ويبدو من مهنتهم السابقة أنهما فاقد تربوي واضح اذ لم يكملا تعليمهما حتى الثانوي على الأقل! والسلطانة في هز الكتف فقط بلا صوت ولاتطريب وتلك التي تحاكي بصوتها الأخرق صوت الغنماية والعواجيز وهي تؤدي أغاني الحقيبة الشهيرة أما تلك أم جقم التي تحاكي قيقم البتقول القاصدني يجيني عديل فقبح الله جقمها وهي تغني بالرق أحيانا أغاني عنصرية تذكر فيها اسم القبيلة وأم النخناخ وزوجته فلا أدري من أي بيئة خرج تلك التي تفخم الحروف المرققة ولا تنسى بتاعة قرية المسرة الجموعية والسخلة البتقول موهطة فيها – على أن المجموعات التي سبقت هؤلاء في أغاني وأغاني أكثر احتراماً لأنفسهن كما أن نوعية أصواتهن تعتبر اضافة للأغنية القديمة مثل تلك التغني اذكريني يا حمامة وكانت مثلها التي تقلد منى الخير ولكنها انحرفت بالأداء تقليداً للبنانيات بعد اشتراكها في أحد المهرجانات العربية فصار تقليدها لهؤلاء وأولئك مسخاً شوه أغاني الفنانة الأصلية ولا أنسى بروز صوت جديد لواحدة برزت في ذا فويس وجاءت لأغاني أغاني وربما صدقت مدح قدور لها بالجميلة وللحق صوتها فريد وكذلك طريقة أدائها ولكن عندها مشكلة الزمن الموسيقي أو الرذم في نطق بعض الكلمات فمثلا في تقليد شرحبيل تقول (جرحتك كاسرت جناحو) بدل كسرت سريعة وخفيفة فتجد نفسها قد نداخلت مع اللزمة الموسيقية التالية وكان يفترض تنهي الكلمة قبلها كما يفعلها العملاق شرحبيل بكل انسجام مع تدفق موسيقاه ورتابة ايقاعه – وعلى كل حال ما في فائدة فيبدو أنها تنوي فقط استعراض صوتها وقد دربته للتقليد وما أظنها ستستثمره في أغاني خاصة لأنه لن يعرف تميزه
مشكور كتييييير على هذا التعليق الوافى و الكافى مع تحياتى و تقديرى