
والكلمة المفتاحية هنا هي ما ورد عن كاتب الشونة حيث قال: “كان العنج قد تغلبوا على النوبة وجعلوا سوبة مركز سلطنتهم”. ويعتقد أن ذلك قد كان في أواخر القرن الرابع عشر، إلا أن توسع العنج قد توقف عند سوبة، وبعض المناطق إلى الشمال منها بما في ذلك مملكة الأبواب، وشمل انتشار العنج مملكة الدجن في الشرق وبعض شمال كردفان والجزيرة وشمال النيل الأزرق والبطانة.
ونستطيع القول إن العنج الذين يقال إنهم قد جاءوا من منطقة البجاة في الشرق كانوا يحملون ثقافة مغايرة وتراث ونظام حكم مختلف تماماً، عما كان عند النوبة وربما كانوا على النصرانية. وتشير مصادرنا إلى أن نهاية العنج كانت على يد قوة جديدة عرفت بالجَعَل الذين طردوا العنج من منطقة النيل فعادوا إلى ديارهم في الفيافي الواقعة على ساحل البحر الأحمر. وربما انتشر العنج كذلك إلى الغرب كما تدل على ذلك مقابرهم في مواقع كثيرة تمتد من شمال أم درمان حتى الجبال البحرية في شمال كردفان. ودال ملك العنج على يد الفونج الذين استولوا على كل البلاد. وهنالك من يرى أن تغلب العنج على سوبا قد كان في القرن التاسع. وهذه الإشارات يستفاد منها أن العنج هم قوم جاءوا من الشرق وسيطروا على أجزاء واسعة من مناطق الوسط والغرب حتى زال ملكهم على يد الفونج ومن قبلهم الجعل.
ويجمع كل من مكمايكل ويوسف فضل ومكي شبيكة والدكتور أحمد الياس ونعوم شقير على أن العنج هم سكان علوة أو سوبا القديمة قبل تأسيس دولة الفونج وكان لهم وجود وانتشار في الجزيرة وحوض النيل وشمال كردفان. ويشير نعوم شقير إلى مملكة في شرق النيل كانت تعرف باسم مملكة العنج وقد كانت على النصرانية لمدة ألف عام! ومع أن علماء الآثار والمؤرخين في السودان قد اهتموا بسبر غور الممالك النوبية القديمة إلا أنهم لم يولوا ذات الاهتمام بالعنج وآثارهم، وبالتالي ظلت اخبارهم ظلاً لما حدث في القرن الرابع عشر في المقرة وبداية القرن السادس عشر الميلادي؛ أي سقوط مملكة علوة وظهور الفونج على مسرح الأحداث في تاريخ السودان.
وإذا كان لفظ العنج اسم لواحدة فقط من القبائل التي سكنت مملكة علوة، فكيف يمكن لهم أن يمتد نفوذهم حتى جبال أم درق وأبو حديد والحرازة وكاجا وكتول والسرج في شمال كردفان، وهذه مساحة جغرافية شاسعة لا يمكن أن تحكمها قبيلة بمفردها، وهذا ما يجعلنا نقول بأن العنج كانوا شعبا حاكما له نفوذ واسع. وإذا كان العنج مجرد قبيلة من قبائل السودان، كيف يمكن لهم أن يشغلوا كل هذا الحيز من الروايات الشفاهية في بقاع مختلفة من السودان؟
عموما يقال إن العنج كانت لهم ثقافة ونظام إداري يختلف عما كان سائدا لدى الممالك النوبية القديمة، وربما يكون ذلك النظام هو ما اعتمدت عليه سلطنة الفونج لإرساء دعائم حكمها لأنه كان يقوم أساسا على تقسيم الأراضي والحواكير والسلطات فيما يشبه نظام الإقطاع، وأنشأت طرق للقوافل مع الهند ومصر والحجاز، ومعلوم أن أهل اليمن كانوا أصحاب تجارة وقوافل، فهذا قد يدلل ولو من طرف خفي على أن العنج قد جاءوا من اليمن ولكنهم من خلال رحلتهم إلى السودان اختلطوا بالحبش والبجاة وغيرهم من سكان البر الأفريقي مما أثر على لغتهم وسحناتهم والله أعلم.
اعتقد أن العنج حكموا السودان من عواصم كثيرة منها الحرازة إلى الغرب من حمرة الوز بشمال كردفان، حيث إن الروايات الشفوية تقول إن هؤلاء القوم تدفقوا على تلك المنطقة كالنمل الزاحف بعد سقوط مملكتهم في الشرق وجاءوا وأسسوا عاصمتهم في الحرازة ولا تزال قبائل الجبال البحرية تحمل ذات ملامح العنج ويسكنون في ذات المواقع ومنهم فروع تحمل مسميات تنسب إلى العنج مثل الشبارقة. وربما يكون العنج قد فروا إلى هذه المنطقة من الشمال بحسب كتاب مملكة الأبواب وزمن العنج لأنهم فروا جنوبا عندما هاجمهم المماليك عبر بلاد تسكنها الفيلة والزواحف والنعام. ويرجح أن تكون المنطقة هي الصحراء الغربية التي مروا بها في طريقهم إلى شمال كردفان. ومع هذا يظل تاريخ العنج يكتنفه قدر من الغموض.
يعني يا قش طلعتنا بعد سلسلة مقالات عن العنج على مفيش؟
قلت لي ترجمتَ كتاب مكمايكل “قبائل شمال كردفان ووسطها”؟ هل نشرت هذه الترجمة لنرى ترجمتك كيف شكلها؟
ولهم مقابر في ضاحية أم سنط جنوب مدني
ورد إسم العنج، في أغنية من أغاني البني
عامر، للفنان حامد عبدالله الشهير ( بعنجة)، وهو يصف الحروب التي دارت بين البني عامر والعنج، و شراسة الخصم وأساليب القتل الشنيع لدي العنج،مع الانتصار عليه.
في هذا البيت الشعري
من تأمورا إت تاريخ * حناتو لعنج ابدينا
سلاب حياي قابلنا * من دم احد فالينا