اقتصاد وأعمال
الصناعة في السودان.. الخروج من الإنتاج وتعطيله

• غرفة المستوردين: بعض أصحاب المصانع هاجروا إلى الخارج لما لحق بهم من ضرر..
• خبير اقتصادي: الحل اتفاق الفرقاء السياسيين على وثيقة تمهد الوصول إلى اتفاق تراضي لإدارة البلاد ومع وقف نزيف الاقتصاد الوطني..
• صاحبة مصنع: هذا الوضع سوف يقود إلى خروج ما تبقى من المصانع التي ما زالت تعمل بإنتاج متراجع..
واقع مُر يعاني منه القطاع الصناعي من تدهور حاد من مشاكل وتحديات كثيرة تحيط به والتي من أبرزها عدم الاستقرار في الوضع الاقتصادي والمالي والنقدي بالإضافة إلى التحدي الأكبر وهو عدم استقرار التيار الكهربائي، كل ذلك وغيره ساهم في خروج أكثر من نصف المصانع المنتشرة في العاصمة والولايات، من دائرة الإنتاج، والتي ربما لتفسح المجال للمصانع العشوائية لتجد طريقها إلى التصنيع العشوائي الذي يفتقر لأدنى مواصفات الجودة المعتمدة. أسباب عديدة ساهمت في خروج هذه المصانع التي وصفها متحدثون لـ(الجريدة) بالخطيرة، وقالوا من شأنها أن تقضي على الصناعة المحلية التي ما زالت تبحث عن مخرج آمن تستعيد وترد عافيتها، إلا أن القرارات الحكومية هي العقبة أمام هذا القطاع.
• احتجاجات ورفض
وفي الوقت الذي نفذت فيه هيئة الجمارك السودانية قرار وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي، بزيادة الدولار الجمركي من 445 إلى 564 جنيهًا بجميع المحطات الجمركية بالموانئ البحرية، ارتفعت فيه أسعار السلع في أسواق الخرطوم تماشيًا مع قرار المالية، فضلًا عن أن القرار فجر موجة من الاستياء وسط المستوردين والتجار لجهة أنه خطوة مدمرة وقاسية على المواطن المغلوب على أمره، حيث عبر بعض من التجار في عدد من الولايات عن سخطهم ورفضهم قرارات وزارة المالية.
الشائع هذه الأيام الإضرابات بسبب ضعف الأجور في عدد من المؤسسات، الجديد في الأمر هو بروز القطاع التجاري ضمن سلسلة الاحتجاجات حيث شهدت عدد من الأسواق بالولايات احتجاجات من التجار بسبب الضرائب العالية، ففي ولاية سنار أغلق التجار بسوق سنار الكبير أبواب المحلات التجارية احتجاجا على الضرائب التي قالوا أنها بلغت الـ1000%، وبحسب التجار أن الخطوة جاءت بعد رفضت إدارة الضرائب التجاوب معهم في إعادة النظر في الضرائب المرفوضة، وفي تمبول ولاية الجزيرة، أعلن عدد كبير من التجار إغلاق محالهم بسوق تمبول احتجاجًا على الضرائب التي وصفوها بالباهظة، ولحقت بسنار والجزيرة ولاية القضارف صاحبة أكبر سوق للمحاصيل الزراعية في السودان هدد تجمع التجار بإغلاق سوق القضارف مع التوقف الأنشطة التجارية، وبحسب التجمع فرض عليهم ضرائب باهظة دون مراعاة للانهيار الاقتصادي والركود مع ضعف القوة الشرائية الذي ضرب النشاط التجاري بحسب التجار.
• توافق سياسي
وأوضح رئيس اللجنة الاقتصادية بحماية المستهلك سابقًا والخبير الاقتصادي د. حسين القوني كان من المتوقع أن تتوقف المصانع في السودان نسبة إلى ارتفاع تكلفة الإنتاج، وعزا الاعتماد على المدخلات منها المحلي الذي ارتفعت أسعاره في الحبوب الزيتية وبعض المنتجات الزراعية، وكذلك المستورد في المواد الخام وقطع الغيار والوقود، بسبب ارتفاع الرسوم الحكومية من قيمة مضافة ودولار جمركي مع إضافة رسومات خدمات في الموانئ البحرية والنهرية والجوية، واعتبر القوني أن كل هذا التي وردها أدت إلى ارتفاع غير مسبوق في تكاليف الإنتاج، مما خرج بمصانع كبيرة ومهمة عن دائرة الإنتاج.
ورصد القوني: أن مطالب عمال الكهرباء في الفترة الأخيرة مطالبين بزيادة الأجور والتي وصل الحد الأدنى لها إلى 500 ألف جنيه للعامل، هذا الأمر أدى إلى رفع مدخلات الإنتاج وارتفاع أسعار السلع مما واصل في ارتفاع نسبة التضخم، واصفًا القرار بغير المدروس، مستنكرًا حديث السلطات عن انخفاض التضخم وأن الواقع يثبت عدم صحة هذه الأحاديث.
وقال الخبير الاقتصادي حسين القوني لا تزال هناك زيادة في تكاليف الإنتاج متوقعة، بيد أن القوة الشرائية عند المواطن أصبحت متناقصة وشبه معدومة، أثرت على الطلب في السلع، مما كبد بعض رجال الأعمال خسائر فادحة وتوقفت بعض مصانع المستثمرين عن الإنتاج.
وأبان أن توقف الإنتاج أثر على النشاط الاقتصادي في البلاد ودخل الدولة مما ساهم في عجز ميزانية الدولة مما ساعد على انكماش الطلب وأدت إلى تناقص في النشاط الصناعي.
ويرى القوني من الحلول من أجل النهوض بالقطاع الصناعي ومع إيقاف شبح الانهيار الصناعي، صعبة في الوقت الحالي، لما تمر به البلاد من فترة عصيبة على ضوء الوضع المعاش، وأضاف باعتبار أن البلاد لا تزال محرومة من الدعم الدولي من القروض والمنح والمساعدات الدولية والاقليمية وعزوف المستثمر الأجنبي، التي كان يمكن أن تحد من غلاء المعيشة خاصة بعد ايقاف برنامج ثمرات.
وأضاف د. حسين القوني أن لا علاج لهذا التدهور إلا بزيادة الإنتاج والذي يتطلب توفير مدخلات إنتاج بتوفير الموارد المالية التي تفتقر إليها البلاد اليوم.
• هجرة إلى الخارج
وفي سياق متصل، يقول عضو الغرفة القومية للمستوردين المعتز المكي، ان القطاع الصناعي توقف تمامًا بسبب فرض الضرائب والجمارك في مدخلات الإنتاج، وإن الزيادات التي لاحقت بالدولار الجمركي للمرة الثالثة لهذا العام مع قيمة مضافة في بورتسودان كثيرة، وأضاف في حديثه لـ(الجريدة) بالرغم من التحذيرات والوقوع في عواقب وخيمة يتعرض لها هذا القطاع بالإضافة إلى زيادة المحروقات المتتالية أضرت بالقطاع الصناعي خاصة في انقطاع التيار الكهربائي بصورة مستمرة.
وأشار إلى ان هناك ركود بضاعة في المخازن بسبب الإحجام عن شرائها من قبل المواطنين، وهذا الركود أدى إلى افلاس كثير من الموردين، لافتا إلى أن بعض المصانع قل الطلب عليها مثل مصانع الحلويات والطحنية، أصبح المواطن ينظر إليها باعتبار أنها كماليات، مؤكدًا على ان بعض أصحاب المصانع هاجروا إلى الخارج لما لحق بهم من ضرر بليغ، مشدداً ستفقد الدولة الإيرادات الجمركية، يفترض أن تكون مدخلات الانتاج معفية من الزيادات والرسوم، وتشجيع واهتمام القطاع الصناعي وتحفيز باعتبار أنه عنصر رئيسي في تحقيق التنمية المستدامة ودفع عجلة الإنتاج وجذب الاستثمارات منوهًا عقب نهاية العام إذا ما تم دعم القطاع الصناعي ما تبقى من المصانع حتمًا سيلحق المصانع التي أغلقت أبوابها.
• أضرار جمة
بالرغم من العقبات والتحديات التي تواجه المستثمرين الوطنيين لا سيما في مصانع الزيوت إلا أن الأمل في انعاش هذا القطاع ما زال باقي في النهوض بهذا القطاع، لا يفتح مجالًا للمستوردين بابً أمام منافسة للمنتج المحلي، هذا ما ورد على لسان سيدة الأعمال وصاحبة مصنع الزيوت سامية الطيب، والتي وصفت الأوضاع التي تمر بها المصانع صعبة جدًا بسبب زيادة الوقود ونقص العمالة وارتفاع تكاليف الإنتاج. وتؤكد أن جراء الأوضاع أدت لتوقف انتاج المصنع لمدة عامل كامل، واتجهت إلى مجالات أخرى بعد أن أغلقت مصنعها ولحقت بها أضرار جمة.
ومضت بالقول: إن بعد زيادة الرسوم والضرائب الغير متوقعة في الفترة الأخيرة سوف تزيد معها تكاليف الإنتاج، وبالتالي يلاحقها زيادة في أسعار الزيوت يتأثر بها أصحاب الدخل المحدود، مؤكدًا أن هذا الوضع سوف يقود إلى خروج ما تبقى من المصانع التي ما زالت تعمل بإنتاج متراجع، مطالبة بإنقاذ الوضع والقطاع من قبل السلطات.
صحيفة الميدان