مقالات سياسية

في السودان يهدر المثاليون الفرص لفائدة الإنتهازيين

منير التريكي

كل مرة تسنح الفرصة للسودان للمضي قدماً  تُضيّع القوى السياسية  هذه الفرصة . بُعَيد سقوط الانظمة المستبدة وقُبيل تشكيل حكومة إنتقالية تحدث العديد  من التجاذبات الشديدة . أشدها تلك التي تحدث بين قوى الثورة وأعوان النظام الساقط. لا يحتاج المرء لجهد فكري كبير ليدرك أن الإخوان المسلمين عنصر ثابت رغم تغيّر الانظمة . هم الأطول وجوداً في أروقة السلطة و دهاليز الحُكم . الثورات الثلاث الأخيرة  كلها ضد حكم عسكري يتحالف مع يمين تقليدي أو حديث . حتى نظام مايو(نميري) ١٩٦٩م تخلص من حلفائه اليساريين في أول سنتين . إنفرد به اصحاب الإسلام السياسي صراحة. حدث ذلك في الثمانية سنوات الأخيرة حتى سقوطه في أبريل١٩٨٥م. الإسلامويون يجيدون التسلل لدواوين السلطة ويبقون فيها طويلا . يحبون المال . السلطة تحقق لهم ذلك كأفضل ما يكون. يتحالفون مع ألد أعدائهم في سبيل  ذلك . لا يهم إن كان الحاكم عسكري متسلط أو مدني مستبد . المهم السلطة التي تحمي المتنفذين الفاسدين .
لكن لماذا تكرر القوى السياسية الأخرى أخطاءها كل مرة ؟ القوى السياسية هنا كل السياسيون في السودان عدا الإسلامويين. هؤلاء أشير لهم هنا بالخصم . هذه التسمية بسبب الجانب الذي اقف فيه . هنالك أسباب عديدة لهذا الفشل. نذكر هنا أهمها .. أولها  هو الإصرار على تحقيق كل المطالب بسقف المئة في المئة. هذا الإصرار يتواصل بدون تحقيق إجماع ثابت يملك قوة تنفيذ لإجبار الطرف الآخر على قبول تنفيذ هذه الأجندة . أيضاً هنالك خلط الاوراق والأولويات .. تهاجم القوى السياسية بعضها البعض بشراسة تصل درجة التخوين فقط لإصرار بعض مكوناتها على ترتيب محدد للأولويات. هم في ذلك يستهينون بالخصم المراوغ الذي يبدل جلده كل مرة وينشط وسطها ويربك أجندتها.  نجد أيضاً أن القوى السياسية تختزل كل الثورة في بند المحاسبة . تنشغل به فيستهلك كل تفكيرها ووقتها خصماً على بنود أخرى أكثر أهمية. العديد من القوى السياسية تفتقر للنظرة الثاقبة التي تستشرف المستقبل لتضع خططها وفقاً  لذلك. هذا العالم يتغيّر بإستمرار . تتغيّر الظروف والأنظمة و التحالفات . كل هذا يحتاج لمفكرين حقيقيين ولتنظير إحتمالي مواكب وفعّال . يجب ان نتذكر دوماً  إن الخصم يجيد اللعبة التجارية بصورة ممتازة . هو يعرف جيداً قانون العرض والطلب . يعرف متى وكيف يشتري ومِن مَن و متى وكيف يبيع لمن وما هو الثمن والمقابل الذي سيحصل عليه . أغلب مشتريات ومبيعات الخصم هي أسماك في البحر أو .. الأسوأ .. الضعفاء من القوى السياسية نفسها. لكن كيف يبيع اسماك في البحر؟ يمارس إغراء المناصب والمال ويعطي وعوداً . أي أن الخصم يبيع لبعض القوى السياسية بعض ما على طاولة المفاوضات التي تجلس عليها . يفعل ذلك مستنداً على ذخيرة من تجارب المفاوضات والإتفاقات . لنتذكر أيضاً أن الخصم ليس لديه أي مانع من تَبَنى مطالب القوى السياسية الأخرى إن كان هذا التَبنّي يضمن له تحقيق مصالحه. هذه المصالح مرتبطة بعلاقات عمل  متشعبة ومعقدة في سبيل مصالحه الضخمة الخصم على إستعداد تام للتخلي عن أخلص شركائه بل وحتى التخلي عن بعض مبادئه هو غالباً ما يقوم بإبتكار مسميات مختلفة للتغبيش على عضويته وإمتصاص شكوك العامة ثم يواصل في أي أجندة تزيده ثراءاً. في المقابل تطالب جماهير  القوى السياسية قادتها بتنفيذ كل مطالبها الثورية المثالية دفعة واحدة وفوراً . السياسة هي فن الممكن . أحياناً رتق الثقوب في الثوب القديم وإستخدامه أجدى من إنتظار ثوب جديد .
الخلاصة هي .. من ما عندكم حققوا مايمكنكم. أثناء  ذلك أحلموا بتحقيق باقي اهدافكم لا تدعو الإحباط يستهلك طاقاتكم . أفعلوا كل ما هو إيجابي. إن أخلصتم العمل فيما هو بين أيديكم ستتحقق أحلامكم بإذن الله . على الأقل القسم الاكبر منها . الباقي سيكون قابلاً للتحقق تلقائياً. أو … يتم تجاوزه نحو أحلام أجمل .
هذا والله هو المستعان.

[email protected]

‫3 تعليقات

  1. متلازمة الفيل و الظل !
    ياعزيزى , لما لا نكون بالوضوح و الشجاعة الكافيين لنقول بأن الشعب السودانى هو من يقدم افراده حسب مواصفات خاصة , حزبية أو قبلية أو جهوية أو (شلليية ) .
    لما لا تقول أن سياسات التمكين المتعاقبة عبر كل حكوماته – بدءا من المراحل التعليمية و أنتهاءا بالتعيين و التمويل و حتى التشريع – هى من قدمت للسودان ( غرانيقه العلى – و اللائى شفاعتهن ترتجى) !!.
    أهو أسلوب الحياة السودانية الأصيلة السمحة ؟!
    أم تراه – نفسيات المثاليين المضطربين الذين لا يريد ( الزول) السماع لهم ؟!
    الطيب صالح و فى معرض جوابه عن البشير قال :
    أن الامم هى من تصنع قادتها ,
    أعتقد أنه كان بالسخرية الكافية وأن لم يرقى لمستوى المتنبىء ^_^

  2. يا اخي معظم ما ذكرته قد تم نصحهم به منذ نجاح الثورة لكنهم ركبوا رأسهم وقادونا للوضع الحالي والأدهى والأمر لا ذالوا في مثاليتهم يعمهون… يلذمنا فعلا التفكير والتخطيط الجيد مع استصحاب فن الممكن لتجاوز العقبات.

  3. اخي منير يظل السودان العوبة الاسلاميين بمساعدة الجيش فالجيش هو من يقوم بعمل الانقلابات ولضعف قادته في السياسة لا يجد من يقف معه سوي الانقلابيين وتظل كل ثروات الوطن تبدد بيد من يدعي الاسلام ويظل الارتقاء بالخدمة المدنية هي اخر اهتمام السياسين الاسلامين فضاعت الخدمة المدنية وعمت الرشوة من اصغر موظف لاكبر موظف وكذلك ضاعت التنمية في كل المدن والقري لانشغال السلطة بما لذ وطاب في الخرطوم وضاعت مناطق التنمية وسيظل حال البلد من سيء الي اسواء ما دام لا يوجد جيش وطني يهمه مصلحة الوطن

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..