مقالات وآراء سياسية

صدقوني نحن في آخر النفق وعلي وشك الخرَوج منه

محمد حسن شوربجي

بأيدينا لا بيد عمرو
نعم نعيش المعاناة كلها وبكل تفاصيلها بأيدينا لا بيد عمرو…
فنحن حقا نعيش حالات متأخرة من عدم اليقين…
رغم ان  السَودان بلد غني وهو كما يقولون (سلة غذاء العالم)…
ولكنه وللاسف كالعيس في البيداء يقتلها الظما والماء فوق ظهورها محمول…
فكم اتحسر ونحن عطشي والانهار تجري من حولنا…
وجوعي والخيرات من حولنا…
وان كنت قد سعدت  واهل  المناقل يضربون المثل الاروع في العزة والكرامة حين رفضوا المواد الاغاثية التي اشترط اصحايها تصويرهم…
نعم ولهم الحق في ذلك…
فمازال السودان ضمن صور المذلة وافلام المجاعات التي اجتاحت القارة في الماضي وحتي يومنا…
نعم هناك من يريد شقاء اهل السودان…
وهناك من يريد خناق اهل السودان…
بلد غني بكل ثروات الدنيا والموارد والمعادن والمياه والاراضي الخصبة والايدي العاملة…
وثروات مهولة تري بالعين المجردة ولكن ممنوع اللمس والتصوير…
فما اتعسنا ونحن نلوك هذه الجملة التخديرية (السودان سلة غذاء العالم) دون تسخير هذه الثروات لصالح المواطن المسكين …
وحقا لقد اصبحت هذه الجملة استفزازية جدا…
تحرق الدم وترفع الضغط وتصيب الانسان بالغثيان ومختلف الامراض…
فلا داعي لتعذيب المواطن المسكين بها…
والواجب محاربة من يهدرون هذه الثروات ومن يجوعون الشعب …
فهناك في الحقيقة مافيات وهناك لصوص ومجرمون وعصابات وسراق محليون ودوليون…
وبمسميات مختلفة وبهويات سودانية ولا شغل لهم الا  خراب الوطن…
َوهؤلاء هم اس بلاء هذه الوطن…
يجيدون  نهب الوطن وبعثرة  ثرواته سرقة وتهريبا  وتبديدا…
مافيات لا حدود  لها … تحتكر السلطة مع اسر كثيرة  متشعبة…
تزاوجوا وتصاهروا فنهبوا وسرقوا ومازالوا…
وتمتد خيوطهم الي ما لا نهاية…
والترابي متزوج اخت الصادق…
وولد الصادق شغال مع البشير…
وخالد سلك قريب جمال الوالي…
وغازي صلاح الدين ابن عم فلان…
وفلتان متزوج اخت فلان…
وكل الشركات والمؤسسات رهن اشاراتهم…
وقد تم تقسيم السودان فيما بينهم…
فهناك مافيات متخصصة بالعملة…
وهناك مافيات للذهب…
وهناك مافيات للدقيق والخبز…
وهناك مافيات للوقود…
وهناك مافيات للمحاصيل…
وهناك مافيات للتهريب…
ومافيات للمواشي…
ومافيات للاسمنت والحديد ومواد البناء…
ومافيات للصمغ العربي…
ومافيات لكل شيء…
لذا كان لابد من ثورة شعب تقلب كل هذه الموازين المقلوبة…
وللحمد لله هب شعب السودان ليوقف مسيرة هذه المافيات اللعينة…
و خرج المارد العظيم من قمقمه…
وظني انه لن يعود الي القمقم…
فكم  ادهشتني حيرة حديث السفير البرازيلى وقلقه من هذا المارد القوي وتوقعاته بفقدان بلاده لمصدر دخل اساسى فى حال قيام هذا المارد …
فالبرازيل وكما يقول ستخسر الكثير من اسواق لحومها فى الخليج والعالم حال دخول السودان سوق اللحوم العالمي…
وقد تتراجع تجارتها وتصبح عدما…
وقد يصبح السودان منافسا قويا للبرازيل وقد يتفوق عليه…
فالسودان يملك اكبر ثروة حيوانيه هى الاضخم فى العالم…
وهو ألاغنى بين كل الدول أبقارا و أغناما وماعزا و ابلا…
وتقول بعض الاحصائيات  انه يملك حوالى 103 مليون راس 30 مليون راس أبقار…
و37 مليون رأس أغنام…
و 33 مليون رأس ماعز…
و 3 مليون رأس من الابل…
أضافة ل 4 مليون رأس من الفصيلة الخيلية…
و 45 مليون من الدواجن…
وثروة سمكية هائلة تقدر بحوالى 100 ألف طن …
الى جانب أعداد كبيرة اخرى مقدرة من الحيوانات البرية…
ورغم كل هذه الثروات الحيوانية الضخمة الا انها في الماضي  كانت تساهم فقط ب (20)% من مجموع صادرات السودان…
فعلى سبيل المثال بلغت صادرات قطاع الثروة الحيوانية   اكثر من (6) مليون راس من الماشية الحية…
وما يفوق (32) الف طن من اللحوم…
و قد بلغت عائداتها ما يفوق المليار دولار امريكي … لذلك ظلت الدولة السودانية منذ استقلال البلاد تهتم كثيرا بحماية وتنظيم هذا القطاع عبر تشريع القوانين ووضع اللوائح والنظم التي تحمي وتنظم اجراءات تصدير الثروة الحيوانية الى الخارج…
ولكنها فى الحقيقه لم تنجح فى السيطره على الاسواق  بسبب فقر كوادرها وخبراتها التى ظلت تفتقد للتخطيط…
فكان ان طال التدمير المنظم ذلك المصدر الحيوى الهام والتى تراجعت كثيرا وخاصة فى زمن  الانقاذ…
وان كان تراجعها لاسباب تلازمت معها تراجعات مريعة للكثير من المشاريع الكبرى الاخرى ذات الصلة من تغذية وصحة وبيئة اثرت سلبا على هذه الثروة ومداخيلها ومصاحبه للكثير من مظاهر الفساد الخطير…
وكان عجيبا في ذلك الزمان  ان نفاجأ  بقرارات تنقصها الحنكه بتصدير أناث الماشيه كواحد من القرارات المدمره…
فتحول السودان فقرا  مقابل نظرائه في جنوب الصحراء الكبرى والذين حققوا تقدماً أكبر وأكثر ثباتًا في رفع مستويات المعيشة”بما تملكه من ثروات…
وهذا ما دفع الشارع للغليان طلبا للانعتاق من نظام فشل فى المضى ببلد يعد الاغنى فى القارة السمراء…
ولعل هذا الامر هو احد اسباب تفجر ثورة ديسمبر المجيدة…
والتي انطلقت فى كل مكان مطالبة بتنحى ذلك النظام الفاشل…
ولكن للاسف الشديد مازال الحال علي حاله فشلا…
وظني انها حالة عدم  يقين سياسي وقد سيطرت علينا…
فكل ما يحدث فى الشارع من تجاذب ما بين متصارعين يمينيين ويساريين وعسكر ومحاور هو بسبب هذه المافيات اللعينة وكل مراكز القوي…
ومن المتوقع بل ومن الارجح أن يتأجل صنع الانتعاش الاقتصادى المنتظر الي اجل غير مسمي…
وقد يصبح الحلم  بعيد المنال فى ظل خراب كبير قد نال جنبات هذا الوطن العزيز…
فلا نملك الا ان ندعو الله ان يعجل لنا بنصر مبين علي هذه العصابات والمافيات والاسر…
صدقوني والله قربنا…
ولن نقول كما قال حمدوك ان هناك ضوء في آخر النفق…
لا فنحن في آخر النفق وعلي وشك الخرَوج منه سالمين فشدوا الهمة…

[email protected]

‫2 تعليقات

  1. ثلاثون عاما حسوما من تسلط وهيمنة تجار الدين حولت قطاعات واسعة الي ملة شعب الله السمسار … نهب ولغف حتي الرقاص دلدول المنظومة الخايسة تمت ادانته بفضيحة السمسرة فى سوق دولار ريال وفى هذه مغزي عميق ودلالة معبرة عن درجة استفحال المافيات التي جري ذكرها فى متن المقال ..

  2. لقد وضعت يدك على الداء ولكنك لم تحسن وصف الدواء.. نعم هناك مافيات مسيطرة سيطرة كاملة على الاقتصاد الكلي للبلاد ولها القدرة على اختراق كل الحكومات (وليس نظام الإنقاذ استثناء) بما لديها من إمكانات تتمثل في القوة المادية وخلايا تتوزع في كل الأحزاب والكيانات والطائفية العمياء… لقد شغلونا ببساطة بصراع اليمين واليسار وجعلوه صراع عدمي بحيث يصعب توقع التوافق بينهم على مصلحة البلاد وفي نفس الوقت يصعب أن يقضي أحدهم على الآخر بالضربة القاضية وبذلك انتفت قابلية تغيير جذري في البلاد.والله أعلم.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..