مقالات وآراء

تأخر المسلمون وبريطانيا يبدو أن السبب هم المحافظون لكن الأمر أكبر من ذلك

منير التريكي

بعد أن قدم خدماته لأكثر من ثمانين عام القسم العربي بهيئة الإذاعة البريطانية بتوقف عن البث. حزنت ولم أتفاجأ بالخبر  كما لم أتفاجأ بخروج بريطانيا من الإتحاد الأوربي . بريطانيا  العظمي لم تعد عظمى. كما أن المسلمين فقدوا ريادتهم  وقيادتهم للعالم  منذ قرون عديدة . قبل سنوات قليلة تأسست قنوات فضائية عالمية وحققت نجاحات باهرة . قنوات تتبع لدول وهي تقوم بنفس مهام الببي سي العريقة . عشقت دي دبليو القناة الألمانيةDW دوتش فيلا التي تضيف معرفة إنسانية ثرية . تزودك بالجديد والمفيد كل مرة .. ثم ظهرت الفرنسية فرانس ٢٤ باللغة العربية ولدت كبيرة وأكثر رشاقة وأغزر مادة. تفاجئك بالمثير وتضيف لك الكثير. هنالك أيضاً القنوات الصينية الموجهة للعالم العربي ولأفريقيا . القسم العربي بهيئة الإذاعة البريطانية يرتكز على ماض ٍ عريق وتاريخ غني وخبرة غير مسبوقة ولغة حية وجاذبة. إلا أنه في السنوات الأخيرة ظل تقليدياً وبطيئاً مجاملاً غير مواكب . لا تتعلق المسألة بالمادة المقدمة فقط بل بإختيارها وطريقة تقديمها. الإنجليزية أكثر اللغات إنتشارا وبريطانيا غنية بالمعرفة . معرفة مكتسبة عبر قرون عديدة. نشأت وتطورت بجرأة البريطانيين في المغامرة والتواصل مع الشعوب الأخرى  نقل البريطانيون للعالم حياة الشعوب المختلفة. وثقوا عبر الرسائل والكتابات ثم الكاميرا كثير من العلوم . دونوا الكثير عن الحياة البرية والبحرية . لكن تقدمهم أخذ يتبأطأ منذ حوالي سبعين عاماً . لكن ما هو وجه الشبه بين تأخر بريطانيا وتأخر الدول الإسلامية؟ .
قدمت بريطانيا المثير من المعرفة للعالم . لحقبة من الزمن تسيّدت بريطانيا العالم بجهود المكتشفين والمخترعين والعلماء البريطانيين . قبلها فعل ذلك علماء المسلمين . ساد المسلمون العالم في مجالات الفلك والطب والرياضيات وغيرها. لكن تقدمهم توقف أيضا وفقدوا ريادتهم . إذن ما هو السبب ؟ لنعرف ذلك علينا أن نفكر في طرائق تكوين الذاكرة الجماعية.  هذه الذاكرة تغذيها مصادر معرفة عديدة.  في الغالب هنالك مصدر رئيسي ومصادر أخرى فرعية . الدِّين (الإعتقاد والإيمان) هو المصدر الرئيس والأساسي لغالبية شعوب العالم . هنالك أيضاً العُرف والعادات والتجارب والأقوال والحِكَم والأمثال والحكايات والأساطير..
كل هذه المصادر تغذي العقل الجمعي . مثل حاسوب ضخم يعالج العقل الجمعي هذه البيانات . ينتج منها معرفة جديدة. قصص فيها عِبَر وأحلام وضوابط وأشياء  أخرى عديدة . لنركز  على  ضوابط .  المحافظون يمثلون ضمير المجتمع . لديهم قرون إستشعار حساسة جداً.  يراقبون كل أمر جديد ليتأكدوا من أنه يتوافق مع المبادئ والقيم والموروثات بصفة عامة. يسمحون بالأمور ذات التغيير الطفيف كالموضة والتقليعات والإبتكارات التي لا تتعارض مع هذه الموروثات. وجود هؤلاء المحافظون ضروري ومهم جداً لبقاء  وتماسك المجتمعات . لكنه قد يكون مثبّط للتقدم . الحقيقة الكبرى هي أن التغيير سنة الحياة. لابد من التحديث والتطوير وظهور أفكار جديدة. وإلا توقف العالم في حقبة زمنية بينما الزمن نفسه يسرع بلا توقف. هنا المحك. لكن من يقرر ما يصلح للمجتمعات وما لا يصلح؟ هنا تتصادم الرؤى.  معركة الأصالة والحداثة. من الغرابة إن المعركة ضد الحداثة اليوم يقودها حداثيو الأمس . التغيير يقوده الشباب ومعهم بعض الكبار ذوي العقول الجريئة والمنفتحة على آفاق وتجارب عديدة . ستجدهم بسهولة في حزب العمال في بريطانيا . هنالك موروثات تسربت للعقل الجمعي للمسلمين . قد يكون تفسير غير مواكب لنص قرآني أو حديث أو مأثور عن السلف الصالح . لا شك مطلقاً في أن القرآن الكريم يحمل في ثناياه كل علوم الكون . بداية الكون وصيرورته ومسيرته ونهايته ومآلات المخلوقات وكل الحلول . لكن الموروثات تؤثر في طرائق عمل العقول . بعض هذه الموروث قد تخفي في دواخلها مضادات للمعرفة الصحيحة . هذا يبطئ وقد يوقف تقدم المجتمعات على المدى البعيد . المسلمون والبريطانيون عليهم مراجعة تاريخهم . المسلمون عليهم أن يراجعوا التفاسير والأحاديث الضعيفة والمقولات والأمثال . البريطانيون عليهم مراجعة إرثهم الديني وقصصهم وأساطيرهم ومقولاتهم وحِكَمهم وأمثالهم . أعتقد أن المسلمين والبريطانيين سيجدون جزيئية ما في مسيرتهم  عطلت تقدمهم . هذا ما أعتقده حتى  يثبت لي خلاف ذلك . بالنسبة للمسلمين هنالك تفاسير وخطب قادت البعض للتطرف . أمكن تتبع هذه التفاسير والخطب وتم تتبع بعض الذين تبنوها . فهل يستطيع المفكرون المسلمون تتبع تاريخهم وتحديد موضع الجزيئية التي أخر تقدمهم قرون عديدة؟ الجزيئية الخاطئة تضع العلم في تضاد مع  الدين . تروّج لتصادمهما بينما الحقيقة أنهما مكملان لبعضيهما . لكن بالترويج لتضادهما يستفيد البعض . البعض الذي لا يريد أن يجهد عقله ليفكر ويتغيّر . من يخافون من التغيير يريدون إبقاء الأوضاع  على ماهي عليه . هذا بالتحديد ما يؤدي للتخلف بمرور الزمن.
بالنسبة للبريطانيين فإن الفتر تبدو قصيرة . أعتقد أنهم لو بدأوا بمراجعة كل اطروحات المحافظين فيما يخص البريكست . ثم راجعوا كل خطابات السياسيين للسبعين سنة الماضية قد يجدوا أمراً يستحق التفكير عميقاً .

ربي زدني علما.

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..