مقالات وآراء

حول أهازيج جبريل وأحلامه الواهمة عن حقوق السحب الخاصة (1)

 

 

الهادي هبَّاني
سألني بعض الأصدقاء عن حديث جبريل في تلفزيون الحدث عن أن السودان يمكنه السحب من حسابه في صندوق النقد الدولي من حقوق السحب الخاصة أو ما يعرف ب (Special Drawing Rights “SDR”)،
وهل السودان بالفعل لديه حساب في صندوق النقد الدولي؟..
وهل يمكنه السحب من هذا الحساب متي ما يشاء؟..
وما هي أصلًا حقوق السحب الخاصة (SDR)؟..
وفيما يلي شرح لحقوق السحب الخاص وتفنيد حقيقة ما قاله جبريل لتعم الفائدة:
أولًا: حقوق السحب الخاصة هي أصل احتياطي دولي مُدِر للدخل بنسبة فائدة معينة تم اعتماده من صندوق النقد الدولي عام 1969م كدعم أو أصل مكمل للأصول الاحتياطية الأخرى الخارجية للبلدان الأعضاء في الصندوق وذلك قُبَيل انهيار اتفاقية بريتون وودز فيما يعرف بصدمة نيكسون أو قرار نيكسون بوقف تبديل الدولار بالذهب في أغسطس 1971م نسبة لأن الاتفاقية أصبحت تهدد احتياطيات أمريكا من الذهب وتؤثر سلبًا على ميزان مدفوعاتها. فقد اعتمدت اتفاقية بريتون وودز عام 1944م نظام “قاعدة الصرف بالدولار الذهبي” الذي فرض على الدول الأعضاء في صندوق النقد الدولي (الذي تم تأسيسه أصلًا بموجب قرار في الاتفاقية نفسها) لتحديد سعر صرف عملتها على أساس كل 1 دولار يساوي 0.88671 جرام من الذهب أي ما يعادل 35 دولار لوقية الذهب الواحدة أو العكس. أي أن الدولار تحول بموجب الاتفاقية إلى عملة دولية بعد الحرب العالمية الثانية تعهدت بموجبها أمريكا بتغيير الدولار لما يعادله من ذهب لأي دولة ترغب في ذلك وبالتالي كانت قوة الدول المالية في نطاق التبادل الدولي تقاس بما تملكه من احتياطي نقدي من الدولار الأمريكي القابل للتحويل إلى ذهب في أي لحظة من احتياطي أمريكا من الذهب داخل أمريكا وخارجها. وقد كانت حقوق السحب قُبَيل انهيار اتفاقية بريتون وودز تقاس ليس فقط بحصة أو (كوتة) كل عضو في الصندوق، بل أيضًا بامتلاكها لرصيد الاحتياطي النقدي من الدولار وأيضًا ما تملكه من ذهب يمكن تبادلهما فيما بينها في أي لحظة.
ثانيًا: أما في نظام حقوق السحب الخاصة الحالي (منذ صدمة نيكسون في أغسطس 1971م) الذي لا يقوم على أرصدة ذهبية أو احتياطيات الدولار الأمريكي ويقوم على كوتة محددة من الصندوق حسب وزن وحصة كل دولة في صندوق النقد الدولي أي أنها (أي حقوق السحب الخاصة) هي رصيد أو أصل دفتري فقط يُحَدَد لكل دولة من قِبَل الصندوق بناءً على حصتها ووزنها في صندوق النقد الدولي، علمًا بأن حصة كل دولة يتم تحديدها بناءً على مساهمتها في رأس مال الصندوق، بجانب اعتبارات اقتصادية أخرى كثيرة ومعقدة تعتمد على قوة اقتصادها وتأثيره المالي على الاقتصاديات العالمية. وليس هنالك أحد يمتلك المعايير التفصيلية الدقيقة التي يتم بموجبها تحديد وزن وقوة كل دولة عضو في الصندوق. وتتمتع الدول الكبرى بحصص كبرى وتحوز دول العالم الثالث والدول الأكثر فقرًا الحصص الدنيا أو الصفرية في صندوق النقد الدولي وهو الأمر الذي يجعل نظام الصندوق نظام غير عادل ويكون دائمًا في مصلحة الدول الكبرى وعلى رأسها أمريكا وبعض دول الاتحاد الأوروبي، وبريطانيا، واليابان، والصين. ويعمل نظام حقوق السحب الخاصة بعد انهيار اتفاقية بريتون وودز بنظام سلة العملات بدلًا عن الدولار كعملة احتياطي وحيدة في العالم قبل أغسطس 1971م، أي أن الدول الأعضاء تحدد أسعار صرفها بناءً على أسعار خمس عملات صعبة تم تصنيفها بأنها الأقوى في العالم والتي تمثل الدول المصدرة لها هي الأقوى عالميًا وهي الدولار الأمريكي، والين الياباني، واليورو، والجنيه الإسترليني، واليوان الصيني. وتبلغ حصة السودان في صندوق النقد الدولي 0.13% ونسبة حق تصويته على قرارات الصندوق 0.15% وهي نسب ضعيفة لا تأثير لها وتكاد تكون معدومة.
ثالثًا: على الرغم من أن حقوق السحب الخاصة تعتبر رصيد أو أصل دفتري (وهمي في الحقيقة) إلا أنها تتحول إلى خصوم وديون والتزامات حقيقية ملموسة عندما يتم استخدامها. فصندوق النقد الدولي يمنح فائدة على رصيد كل دولة من حقوق السحب الخاصة وفي نفس الوقت يفرض عليها رسوم ويتم تسويتهما لتصبح أصول أو أرصدة لا فائدة عليها في الحقيقة أي أن فائدتها صفر%. ولكن عندما يتم استخدامها تفرض عليها الدول صاحبة العملة المسحوبة أو البنوك الدولية المسموح لها بالاحتفاظ وبيع وشراء حقوق السحب أن تفرض عليها سعر فائدة إصافة إلى الأصل أو المبلغ المستخدم وتحدد هذه الفائدة حسب تقلبات أسعار الفائدة اليومي في سوق العملات المعتمدة داخل الصندوق. أي أنه برغم أن حقوق السحب تعتبر أصول دفترية فقط (أي سقوف ائتمانية أو تمويلية بالمعنى الصحيح) إلا أنها تتحول إلى خصوم أو ديون بفوائدها بمجرد استخدامها، مع ملاحظة أنها تستخدم فقط في التمويلات قصيرة الأجل وبالتالي لا تصلح كأصل لتمويل الأصول أو الخصوم طويلة الأجل أو مشروعات التنمية وإنما يتم استخدامها فقط لسد العجز الطارئ او المؤقت في ميزان المدفوعات أو في احتياطيات النقد الأجنبي. وحقوق السحب الخاصة يمكن استخدامها أو سحبها بأي عملة من العملات المعتمدة داخل صندوق النقد الدولي ممثلة في الدولار الأمريكي، الين الياباني، اليوان الصيني، اليورو، والجنيه الإسترليني وبفائدة معينة يتم تحديدها حسب أسعار السوق في لحظة السحب أو الاستخدام.
رابعًا: يقوم صندوق النقد الدولي كل فترة وحسب الحاجيات والأزمات الاقتصادية التي يواجهها العالم وحسب تقديراته بطرح حصص جديدة (أي زيادة الحصص القائمة) من حقوق السحب الخاصة وقد سبق أن زاد الحصص خمسة مرات حيث تم توزيع 9.3 مليار وحدة على دفعات سنوية خلال الفترة 1970-1972م، و12.1 مليار وحدة على دفعات سنوية خلال الفترة 179-1981م، و161.2 مليار وحدة في 28 أغسطس 2009م بعد الأزمة المالية العالمية 2008م، و21.5 مليار وحدة في 9 سبتمبر 2009م زيادة لدعم مواجهة الأزمة المالية العالمية 2008م لعدم حصول بعض البلدان التي انضمت للصندوق عام 1981م على أي مخصصات من حقوق السحب، وأخيرًا تم توزيع 456.5 مليار وحدة في أغسطس 2021م لمواجهة آثار جائحة كورونا. ويتم تحويل حقوق السحب الخاصة إلى دولار مثلًا بأسعار متغيرة حسب سعر الدولار في الأسواق، ولكنها تراوحت دائمًا ما بين 1.3 إلى 1.4 للوحدة الواحدة. وقد بلغت قيمة التوزيع الجديد لحقوق السحب الخاصة الصادر في أغسطس 2021م والبالغ 456.5 مليار وحدة ما يعادل 650 مليار دولار أمريكي بسعر1.423877 دولار للوحدة الواحدة تقريبًا، كان نصيب السودان منها 630.2 مليون وحدة حقوق سحب خاصة ما يعادل 860.7 مليون دولار وهي ما يعادل حصة السودان البالغة 0.13% تقريبًا من إجمالي الإصدار الجديد البالغ 650 مليار دولار تقريبًا.
الميدان
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..