أكتوبر من زاوية أخرى أوقفوا هذا التدهور المتسارع
منير التريكي
الشاعر الكبير حميد صديق لكل الناس. أنا من (جُمْلَت) كل الناس. سألته قبل سنوات طويلة . وفي بالي روعة أيام اكتوبر المجيدة كما شاهدتها لاحقاً .
ليه الشعر والغناء في اكتوبر سمح ؟ بهدوء يلازمه في غير أوقات قراءته للشعر رد علي بسؤال وإجابه..
في اكتوبر شنو الما كان سمح؟ أي شيء في اكتوبر كان سمح..وقد صدق في ذلك .
عندما نتامل الأمور قبل وبعد ثورة اكتوبر ١٩٦٤م نجد أن الأجواء العامة كانت محفّزة . المطالب من الجماهير كانت وطنية ومُجْمع عليها. السلوك العام كان حضارياً . الفريق عبود وأعضاء مجلسه العسكري إستمعوا بإحساس وطني مدرك لما كان يحدث في الساحة آنذاك . لم يخالجهم شعور بالأنانية والتشبث بالسلطة . لم يستغلوا السلطة لمصالح شخصية. ذهبت المظاهرات إلى القصر وتمترست . كان الناس يلبسون البِدل (فُل سُوت) ويسيرون بنظام ويهتفون بتناسق. قبل وأثناء وبعد أكتوبر كانت الشوارع نظيفة ومظاهر الرُقي في كل مكان. كانت هنالك إذاعة أمدرمان تبث الأخبار و أغنيات الحقيبة وغيرها . كانت هنالك الحدائق و دور السينما والكتب وترجمات الادب العالمي . الصحف والمجلات العربية الدورية كانت تصل فور صدورها. كان رحلات الخطوط الجوية متواصلة ومنتظمة والخرطوم وجهةعالمية ومحطة رئيسية . النقل البحري والنهري يعملان وفق جداول منتظمة والقطارات تصل في مواعيدها بدقة متناهية . في هذه الأجواء الجميلةخرجت الاعمال الرائعة. خرجت مظاهرات أكتوبر وأشعار اكتوبر وأغنيات أكتوبر. إلتف كل الشعب السوداني حول الثورة بشماله و جنوبه وكل فئاته . شكل ذلك ذكريات أكتوبر الجميلة قبل أن تجهضها القيادات. قيادات الأحزاب تقاصر فهمها عن فهم العامة ووعي الشعب . تعاملت قيادات الاحزاب بأنانية وجهل فاضح مع الثورة العظيمة. الملاحظ في كل الثورات و الإنتفاصات ان الجماهير في السودان تفوق قادة الأحزاب وعياً و فهماً .
الثقافة في السودان تبدا من القواعد و تتجه للأعلى . بينما في كل العالم العكس . قادة الاحزاب لم يطوروا انفسهم . ولأنهم متاخرون بتقاعسهم حاربوا الذين تطوروا وفاقوهم في قدراتهم. إذن قبيل وبعيد ثورة أكتوبر كان هناك وعي جماهيري متقدم في المظهر الخاص والعام والسلوك وحتي الفهم العميق للتصوير والتوثيق رغم صعوبة ذلك لمحدودية (التقنية) آنذاك . لابد أن الأحوال قبل و عقب الاستقلال ١٩٥٦م كانت أفضل من ذلك . ثم حكمت مايو٦٩م وظلت الاوضاع جيدة إلى حد ما. إهتمت بالتنظيم والمظهر العام والنظافة . لكن في أخريات سنواتها وبالتحديد نهاية السبعينات بدأ التدهور المريع. حتى وصل الحال إلي ما هو عليه الآن . تدني و تراجع وخراب وتدمير في كل المجالات . نعرف من الذي صنع كل هذه الفوضى . ونعرف أن بعضها تم بجهل وكثير منها تم بأنانية و تعّمد . بالطبع لابد من محاسبة كل المتسببن في ذلك . المحاسبة يجب أن تبدأ بمن شَوّه صورة أكتوبر الجميلة بإنقلاب مشئوم . المحاسبة يجب تطال كل من ساند الإنقلابيين وكل من ساهم في تفاقم الوضع ليزداد سوءاً . يجب أن يتوقف هذا التدهور المتسارع فوراً .
التدهور طال التنمية في كل المجالات وطال حتى القِيَم . الخدمة المدنية مترهلة تحتكرها فئة مردودها ضعيف. فئة متمكنة تهتم بأخذ مخصصات لا تقدم مقابلها شيء يذكر. . مزارع مهجورة و مصانع مغلقة . الشوراع تعاني من إهمال المحليات ووزارة النقل .المظهر العام غير جميل. يبحث الشباب عن أماكن تليق بصور (السيلفي) ويبحث المُتْعَب عن مكان يستجم فيه لدقائق . في الخارج المنتزهات العامة تزاحم المبانب و تحتفظ بمساحة للعبة الشطرنج الضخمة . الحكومات تتبنى أفكار المبدعين وتنفّذها للمجتمعات . أرجو أن تتضافر الجهود وتلتف حول مبادرات تعيد للخرطوم رونقها . تجعل كل المدن أمكنة تصلح للعيش فيها بكرامة . حينها يحفّز الجمال الناس لإنتاج المزيد من الأفكار . هكذا تتطور المجتمعات وتتقدم الشعوب . حينها نغني لأكتوبر ولغيره من الشهور . لنتذكر ان أجواء الستينات الجميلة ألهمت الشاعر الجميل محمد المكي إبراهيم وشعراء جيله. قدموا للشعب أجمل الأشعار… و
… بإسمك الأخضر يا أكتوبر الأرض تغني..