مقالات وآراء سياسية

لا عودة للإسلاميين ولكن ..!

احمد بطران عبد القادر

القوات المسلحة السودانية كمؤسسة عريقة من مؤسسات الدولة السودانية لم يكن بمقدورها الاستيلاء علي السلطة والدخول في مواجهة مع شعبها بعد رفضه للدكتاتورية في تجربتين فاشلتين تمثلتا في إنقلابي الفريق إبراهيم عبود في نوفمر ١٩٥٨م والعقيد جعفر محمد نميري في مايو ١٩٦٩م إنتهى عهد كل منهما بانتفاضة جماهيرية عارمة تحدي فيها شعبنا الآلة العسكرية في القمع والبطش والقتل وقاوم بصبر وثبات وصمود حتي انتصر فلم يكن بمقدورها الاستيلاء علي السلطة دون ضمانات كافية للبقاء والاستمرار في واقع سياسي مضطرب داخليا ومعقد إقليمياً ودوليا لكن هنالك من دبر وخطط وأوعز بالتنفيذ للعميد عمر حسن ورفاقه للإنقلاب على حكومة الديمقراطية الثالثة (برئاسة السيد الإمام الصادق المهدي) والذي جاء منكرا لصلته بأي جهة ومتزرعا بالأزمة السياسية السودانية والاقتصادية وتراجع العمل العسكري في جبهة القتال بالجنوب كما زعموا في بيانهم الأول الذي تلاه العميد عمر البشير كقائد للإنقلاب العسكري الثالث في تاريخ السودان صبيحة الجمعة الموافق ٣٠ يونيو ١٩٨٩م ومنفذه بمعاونة بضع أشخاص من ضباط مغامرين يتطلعون للقيادة والشهرة (لا يحملون رؤية سياسية للحكم وإدارة  الدولة مغايرة لما كان قائم عليه الأمر يوم ذاك الا رغبة في إجهاض الديمقراطية وفرض سلطة الدولة الدينية رغم الإنكار) ولمزيد من التضليل اكد البشير في اول تصريح صحفي له لصحيفة القوات المسلحة بتاريخ ٢ يوليو ١٩٨٩م حيث قال (أهدافنا محاسبة المفسدين ومواجهة السوق الأسود والتهريب ولا نتخذ واجهة سياسية ضيقة والذين يروجون لذلك يحاولون شق الصف وجرنا الى صراعات)
لكن الحقيقة التي تكشفت وعرفتها القوي السياسية من اول وهلة أن الجبهة الإسلامية القومية هي من تقف خلفه فقد كان انقلاباً فكريا وسياسيا من تدبير جماعة الإخوان المسلمين المجرمة يقوم مشروعه الحضاري علي فلسفه ان الحاكمية لله وأن الإسلام هو الحل وعلي ادعاءات كاذبة أنهم هم من يمثل الإرادة الإلهية و الحاملون لمشعلها وحماتها والمبشرون بنورها والقاهرون لأعدائها وقد اعدوا العدة قبل سنوات للوصول للسلطة تحت فرضية خاطئة هي أن المجتمع السوداني يعيش في جاهلية ولا بد من ظهور المخلص الذي يملء الأرض عدلا بعدما ملئت جورا وظلما وفسادا..! .
لكن المخلص في فكرهم ليس شخص بعينه إنما تنظيم سلطوي قابض يقوم علي الولاء والبراء والسمع والطاعة العمياء في المنشط والمكره يستولي علي مقاليد الحكم في البلاد و يلتزم بمنهاجهم ويقوم بإنزاله وفرضه علي الدولة والمجتمع بقوة السلطان بل وتصديره الي الجوار ثم الي العالم بحد السيف .

لكن هؤلاء الجهلاء الأغبياء البلهاء لم يستوعبوا دروس وعبر التاريخ في كيف تنشأ وتقوم الدول؟ او كيف تسود في الناس وتسوسهم؟ وماهي عوامل تفككها ودواعي زبولها واضمحلالها ثم انهيارها وسقوطها كأن لم تكن؟ .
بيد ان هؤلاء القوم الغلاة لا يعرفون كيف تكون الحاكمية لله؟ او كيف يصير الإسلام حلا؟ ولم يتفقهوا في الدين وعلومه إنما كانوا يحفظون نصوص صماء لم يتفكروا فيها كثيرا إنما كانوا يحملون في عقولهم الخربة تصورات منحطة فقيرة بائسة لنمازج حكم سلطوي لامبرطوريات غابرة طواها التاريخ حكمت عالمنا العربي والإسلامي (بإسم الله) والله من فعلهم براء وقد لفظتها الشعوب بعدما يئست في إصلاحها وتقويمها وقد انفجرت ثورات عظيمة ضدها في اغلب بلدان العالم العربي والإسلامي وكانت هنا في بلادنا الثورة المهدية والتي نجحت كثورة تحررية وفشلت كدولة لأنها قامت علي ذات التصورات الفطيرة الخصية المنبتة عن الواقع وتطلعات الشعوب في العدل والحرية والإختيارية لنظم الحكم التي تتوافق مع طبيعة تعددها الاثني وتنوعها الثقافي ومروثها الحضاري وهويتها الجامعة .
ولئن تمعنا في التاريخ الاسلامي ودرسنا أنظمة الحكم فيه فإنها نماذج مكررة لأنظمة حكم سلطوية مستبدة مستعبدة لشعوبها تخفت وراء الدين وارتكبت في حقهم جرائم ضد الإنسانية وقدمت الدين بصورة شائهة لا يقبلها عقل سليم ولا حر كريم ولم يستطع فقهاء المسلمين او حكماء العرب اوحتي طغاتهم بالاكاذيب المزينة للباطل ازالة تشوهات علقت بدينهم بسبب ضحالة الفكر و سوء الممارسة في القهر والإكراه  واقضاء الاخرين وتكفيرهم في بعض الأحيان .
ولئن كانت حقبة الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام في صدر الإسلام استثناءا مما ذهبنا إليه لأسباب تتعلق بعظمة وعبقرية أولئك الأخيار (وهذا عهد يحتاج للدراسة والتحليل من مختصين) فإن الحكم في بلاد المسلمين ظالما ومظلما في معظم الحقب التاريخية والعهود التي توالت و كان يقوم علي السيف والخازوق وسيادة رأي السلطان وإقصاء الرأي الآخر وحجبه تحت مزاعم خشية الوقوع في حدوث الفتنة واتساع شقة الخلاف بين مكونات المجتمع ولم يكن الإسلاميين في السودان يحملون في رؤاهم وفكرهم لاهل السودان أعظم من هذا الفكر الخطير وقد ظهر هذا في تصنيفهم للمجتمع ومنح من ينتمون اليهم ميزة تفضيلية علي غيرهم في كل شيء بل استباحوا تكفير من يخالفونهم في الرأي واستحلوا دمائهم واستباحوا اموالهم وقد ظهر هذا جليا في هيمنتهم علي مفاصل الحكم وتمكين عناصرهم ومنسوبيهم دون مؤهلات تذكر .
واذا ما تأملنا الأسباب الجوهرية لنشأة جماعتهم الرجعية نجدها كانت ردة فعل ضد أوضاع قائمة فلم تكن تقوم علي فكرة واعية أو هدي قويم فقد ذكر أحد مفكريهم أن واحد من الأسباب هو التصدي لأطروحات الشيوعيين والتي تنافي العقيدة وتعكس وجها ملحدا لا يتماشي وعقيدة السودانيين اما السبب الآخر هو غربة التعليم الذي خطط له الإنجليز لخدمة أهدافهم وقد فشلوا في كلا الأمرين ولم يتقدموا بنقد موضوعي يكافح الإلحاد وازداد التعليم في عهدهم سوءاً و غربة تفرخ التطرف والإرهاب والتكفير والاستعلاء في الأرض وإكثار الفساد فيها وهضم حقوق الغير.

واليوم بعد سقوط دولتهم الإسلامية المزعومة ..! وفشل مشروعهم الحضاري مازالوا في غيهم سادرون يبثون خطاب الكراهيه والعنف ويتوعدون الحكام والمحكومين علي السواء (بإسم الله) بالذبح والقتل ولم يسلم من تهديدهم حتى الفريق البرهان الذي أعاد لهم أموال الشعب التي نهبوها وفتح الطريق أمامهم لبث سمومهم واظهار قوتهم التي هزمتها إرادة الجماهير الثائرة وقد نسيوا انهم هم الفارون من العدالة الناهبون لأموال الشعب وثرواته القاتلون لأبنائه وفلذات اكباده المهددون لأمنه وسلامه الهاتكون لنسيجه الاجتماعي المصرون حتي الان علي تخريب حياته وتدمير قدراته ومحو اي أثر للبنات او ركائز تقوم عليها نهضة تخلصه من سوءات ما فعلوا .
ولئن كانت شهية هؤلاء النازيون الجدد وعناصر الجستابو أرباب النظام المباد وعرابوه قد انفتحت للعودة للحكم بشكل او آخر رافعين لشعارات إسلامية ليستدروا بها العاطفة الدينية للبسطاء والعامة بعد إنقلاب الفريق عبدالفتاح البرهان في ٢٥ اكتوبر ٢٠٢١م فإنهم يدركون قبل غيرهم ان لا مجال لذلك ابدا فجيل اليوم لا يؤمن بالدولة الدينية إطلاقا وقد طرح خياراته وحدد هوية الدولة التي يريد (فهي دولة مواطنة مدنية ديمقراطية مرجعيتها الدستور والقانون) وفي سبيل ذلك قدم تضحيات لا تخطئها العين ولا تضاهيها أعظم تضحيات قدمت من أي طليعة نضالية من جيل اليوم وقد التزموا بالسلمية ولم يفجروا في الخصومة معهم وقبلوا ان تكون الكلمة للقضاء فيهم لكنهم قوم عمون كشأن الطغاة لا يحمدون ذلك ولا يتعظون من التجارب ولا يتوبون من المعاصي وسيخرجون المرة تلو الأخرى ولن يستجيب لهم أحد ولن يستطيعوا المحافظة علي ما نهبوه من أموال ولن يفلت جناتهم من العقاب والثورة مستمرة حتي تحقيق كل ذلك وغيره .
وهنا رسالتنا للقوات المسلحة ان تكون اكثر حزما اتجاه هؤلاء المغامرين بمستقبل البلاد وأمنها واستقرارها وان تقطع الطريق أمام صلفهم وتحديهم لإرادة الشعب كما نحذر القوي السياسية من جماعات الهبوط الناعم  التي تربطها بهم مصالح طبقية من التماهي معهم تحت لافتات التوافق الوطني فالتوافق لا يكون الا بين مكونات قوي الثورة التي أنجزت التغيير اما هم قلا مجال لمسامحتهم الا بعد استرداد الأموال العامة والخاصة منهم والقصاص العادل للدماء الطاهرة ثم اعترافهم بكل الجرائم  التي ارتكبوها في حق شعبنا ودولتنا وحتي ذلك الحين لا عودة للإسلاميين وان تعلقوا بأستار الكعبة.
ولكن اي كوز ندوسَو دوس بالقانون .

[email protected]

‫4 تعليقات

  1. جميع الطبقة السياسية لا نتمنى لها أن تعود لو كانت يمينا ويسارا، فما نتمناه أن تتسيد لجان المقاومة و الشباب الحر من أبناء الوطن المشهد إلى الأبد و ذلك عبر تحولهم إلى حركة سياسية من أجل الديموقراطية لقطع الطريق عن الطبقة السياسية التي أدمنت الفشل و ما زالت تسعى الى تجيير دموع و دماء الشباب لصالحها، لا تتركوا لهم الساحة ليحبسوكم كمجموعات ضغط و تقديم خدمات، أنتم زهرة الديموقراطية لا تجعلوها تذبل و حدوا صفوفكم و تراصوا لتأسيس كيان سياسي و حركة شبابية من أجل الديموقراطية المستدامة للانتقال وحتى ما بعده الرهان عليكم وكذلك الأمل.

  2. الغريبة انك شخصت الأمر جيدا لكن محصلة كلامك لا تخرج من خزعبلات اقرانك.. يا أخي أن لم يعجبك فكر اسلام كيزأنك فاتينا انت بطريقتكم المثلى وكلنا آذان صاغية.. أما أن تتوقع أن يوضع الإسلام في الرف في بلاد السودان فهذا لا يقوله عاقل يعرف البلد وأهلها اللهم الا ان يفرض الأمر بالقوة الباطشة.

  3. ده كلو كوم وعليك الله أمشي موق النيلين وأقرأ للعبيد مروح الذي ظهر بعدما تأكد أن الأسلاميين في مأمن من أي شيء تخيل ظهر يكتب عن الإنقاذ وكأنه ليس احدا منها ولا يعرفها تخيل يتكلم عن عظم الثورة وهو كان مختفي طوال هذه الفترة ما ظهر الا بعدما إطمأن أن البرهان منهم وفيهم. ويا جبل ما يهزك ريح. العبيد مروح لذى نمى وترعرع تقلب في نعيم الكيزان ها هو يكشر عن نوائبه ويشرع في سبهم. طبعا ده دور مرتب ومخطط مثله ومثل حسين خوجلي الذي حين يتكلم عن الانقاذ ينسى أنه ما كان ليبني امبراطوريته الاعلامية والقصر الذي يقيم فيه لولا أن البشير كان يمرر له الكورة وهو في خط سته وحارس المرى خارج الملعب. سبحان الله ها هو العبيد مروح يعود بعد أن إطمأنه انه ما ح تجيهو حاجة.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..