كيف تفك النخب السودانية إرتباطها بالجمود الفكري

طاهر عمر
حاولت أن ألفت انتباه النخب السودانية مرارا و تكرارا الى أن هناك جمود وتكلس فكري تجيده النخب السودانية ويتجلى في إنحباسها في حقبة ستينيات القرن المنصرم.
ويظهر في كتابات النخب السودانية وخاصة الجيل الذي قد كان له دور في أحداث ثورة أكتوبر 1964م حيث نجد كثير من مقالاتهم معادة عن أحداث ثورة إكتوبر وإعادة الحكي بألف طريقة الى درجة يصبح حكي كما يقول العراقيون في تهكمهم على مثل حكي جيل ثور اكتوبر السودانية وانبهارهم بها رغم انها لم تثمر ثمار قيم الجمهورية.
ولكن يمكنك ألا تحس بعقدة الذنب وأنك متحامل على جيل يجيد النواح الذي يبعثه الحنيين الى الماضي ولا يمكن الخلاص منه بغير تفكيك الأصنام الذهنية كما يقول داريوش شايغان. لا تحس بالتحامل على هذا الجيل وقد صار صنو الجمود والتكلس الفكري لدرجة أن يوصف فيها جيل أكتوبر بجيل الأصنام الذهنية لعدم قدرته على تفكيكها وفقا لفكر فرانسيس بيكون وقد أستلفه منه داريوش شايغان.
لفتة خفيفة ومقارنة ما بين ثورة اكتوبر السودانية وثورة الشباب في فرنسا عام 1968م توضح لك بشكل جلي ما أود أن أقوله لك. ماذا يقول مفكري ثورة الشباب الآن في فرنسا عن ثورة الشباب؟ وماذا يقول جيل ثورة اكتوبر السودانية غير مكرور الكلام عن ثورتهم؟
انزوى جان بول سارتر بماركسيته وتنحى جانب ليفسح الطريق الى فكر ريموند أرون ليؤكد بأن فلسفة التاريخ الحديثة قد أصبحت أم الديمقراطية أبنة القيم الناتجة من التشريعات و القوانيين. وانطوى زمن فلاسفة ما بعد الحداثة وهجومهم على عقل الأنوار.
واختفى بغير رجعة ضباب العقل عما يتعلق بمفهوم السلطة وكيف أصبح التفريق سهلا بين ديمقراطية هي مآل تاريخ ينفتح على اللا نهاية وفكر شمولي تجسده غائية ودينية ولاهوت الشيوعية في إرتكازها على نهاية التاريخ وإنتهاء الصراع الطبقي.
باختصار نقول لك بأن الساحة الفرنسية اليوم لا يلعب فيها من يتحايل على القارئ غير المدرب ويتحدث عن النظم الشمولية كما يفعل أتباع النسخة السودانية من الشيوعية.
وما زالوا لم يروق لهم أن شيوعيي الغرب قبل قيام الحزب الشيوعي السوداني قد أيقنوا بأن لا طريق غير نمط الانتاج الرأسمالي و هذا بالنسبة للشيوعي السوداني مثل كأس السم الذي تجرعه الخميني عندما قبل بوقف إطلاق النار لينهي حرب العراق و ايران كما قال.
ما أود أن أقوله وأوضح به فكرتي وهي منذ أيام ثورة الشباب وكيف انزوى سارتر وأفسح المجال لفكر ريموند أرون في دفاعه عن الفكر الليبرالي قد أعقب ريموند أرون كل من كلود لوفرت ومارسيل غوشيه وحتى اللحظة وهو يطور في فكر ريموند أرون ولكن كانت ضربة فكره القوية في العام 1985م وفي نفس العام أي عام 1985م ايضا نجد كيف هجم لوك فيري على فلاسفة ما بعد الحداثة.
ما أعنيه بأن سبعة عشرة سنة بعد ثورة الشباب في فرنسا قد أنتجت فكر وحقبة لم يفهمها المثقف السوداني الى اللحظة وهذا هو سر كساد فكرنا حتى اللحظة وقد فوّت علينا إمكانية توسيع زاوية النظر في تجربة ديمقراطية ابريل عام 1985م وهو نفس لحظة بلوغ مارسيل قمة تفكيره عن أن الديمقراطية صيرورة وغياب فكره مع فكر لوك فيري وهجومه على فلاسفة ما بعد الحداثة أضاع علينا فرصة إنجاح تجربة ديمقراطية ابريل 1985م .
عندما بلغت ثورة الشباب في فرنسا عقد من الزمن وضع ريموند أرون الحد ما بين النظم الديمقراطية والنظم الشمولية التي ما زالت تبهج الشيوعي السوداني ببريقها الذي يعمي بصره حتى لا يرى أن الديمقراطية قد أصبحت صيرورة ومآل كل مجتمع بشري.
مهما تأخر حدوثها أي الديمقراطية وضرب مثل بأن مجتمع الاتحاد السوفيتي ومجتمع الغرب الصناعي كليهما صناعيين ولكن الفرق في طبيعة النظم ديمقراطي أم شمولي وسيكون الانتصار للنظم الديمقراطية.
ونجد في نفس العام قد قدم عمانويل تود فكره في كتابه السقوط النهائي وقد تنباء بسقوط الاتحاد السوفيتي وقد كان وحتى اليوم ينادى بالفيلسوف النبي في فرنسا.
مسألة صيرورة الديمقراطية وأنها قد أصبحت قرار وإختيار وفقا لديالكتيك ريموند أرون حيث أصبح علم الاجتماع بعد معرفي في صميم الديالكتيك واختيار المجتمع للديمقراطية تفرضه معادلة الحرية والعدالة وهي من صميم الفكر الليبرالي و صميم فكر توكفيل.
وكيف يرى توكفيل أن الديمقراطية نتاج التحول الهائل في مفاهيم البرجوازية الصغيرة وإحساسها بالمسؤولية الاجتماعية نحو الفرد بسبب التغيير الهائل الناتج من الثورة الصناعية التي قد تزامنت مع استقلال امريكا عام 1776م وقد تصادف مع صدور كتاب ثروة الامم لأدم اسمث.
أيها القارئ المحترم قارنا ما بين ثورة الشباب في فرنسا 1968م وثورة اكتوبر 1964م في السودان حتى يتضح لك كيف تطور الفكر في فرنسا منذ منتصف الستينيات وقد ذكرنا على سبيل المثال ثلاثة من فلاسفة فرنسا كل منهم قد شكل منعطف فكري كبير بعد ثورة الشباب وهم مارسيل غوشيه ولوك فيري وعمانويل تود.
وبالمناسبة ما قدموه من فكر عقب فكر ثورة الشباب قد تجاوز فلاسفتها وهو الفكر الذي لم يصل الى ساحتنا حتى اللحظة. وهذا هو سبب عدم نجاح ديمقراطية ابريل عام1985م لأن المثقف السوداني حاول أن يجد لها مقاربات بأفكار الستينيات ونسى أن البعد الفلسفي والجمالي لها كباحثة عن الديمقراطية يكمن في فكر لم تره عين ولم تسمعه اذن ولم يخطر على بال مفكري السوداني في عام 1985م وحتى اليوم ما زالوا يحاولون تقديم مقاربات للفلسفي والجمالي لثورة ديسمبر بفكر ثورة اكتوبر الستينيات وقد غادرها الفكر لأن الديمقراطية صيرورة.
عندما نقول أن الديمقراطية صيرورة نقصد ما قاله توكفيل في اعجابه بالديمقراطية الأمريكية حيث أصبحت فكرة التحول الهائل في المفاهيم لدي البرجوازية الصغيرة وما يتعلق بالمسؤولية الاجتماعية نحو الفرد قد جعل من الديمقراطية صيرورة تحل محل الفكر الديني.
لأن توكفيل قد لاحظ أن الديمقراطية الأمريكية قد كانت نتاج عقد اجتماعي طبّق فكر جون لوك بحذافيره فيما يتعلق بفصل الدين عن الدولة وبالتالي قد أصبحت المساواة بين الأفراد نتاج مجد العقلانية وإبداع العقل البشري وزال هم الفرد عن كل ما يشغل باله عن فكرة المساواة ما بينه والآخرين ليس من منظور الفكر الديني و لكن فكرة المساواة الناتجة من عقل الانسان وتجربته كانسان رغم وجود الرق و صراع الاعراق وإضطهاد المرأة.
وحينها قد أيقن توكفيل أن زعم الكاثوليكية والكاثوليك في فرنسا غير صحيح فيما يتعلق بامكانية تحقيق الديمقراطية عبر تطور الكاثوليكية وهذا ما نريد قوله وهو أن الديمقراطية السودانية لا يمكن تحقيقها بكاثوليك السودان وهم أتباع الامام الصادق المهدي واتباع مولانا الطائفية أي الميرغني وأتباع الترابي كمرشد وقطعا ليس عبر السلفيين بل يمكننا تحقيق الديمقراطية عندما نيقن أن الديمقراطية كصيرورة قد أصبحت بديلا للفكر الديني من كل شاكلة و لون أي دين.
وعندما نتحدث عن الديمقراطية يصبح الدين شأن فردي وعلاقة بين الفرد وربه بلا وساطة من رجال الدين. أما عن مسألة صيرورة الديمقراطية وكيفية توضيحها لمسألة فشل النظم الشمولية كما رأينا في فكر ريموند أرون وكيف تحدث عن الفكر الليبرالي بأنه ما يمثل التاريخ الطبيعي للانسانية التاريخية وما الشيوعية غير نتاج إنحراف لأزمة قد كانت نتاج نهاية ليبرالية تقليدية وبداية ليبرالية حديثة وكذلك نهاية لفلسفة تاريخ تقليدية وبداية فلسفة تاريخ حديثة وبعدها سيعاود التاريخ مساره الطبيعي متجاوز كل من النازية و الفاشية و الشيوعية و يعود لصيرورة الديمقراطية.
وهذا ما طوّره مارسيل غوشيه كامتداد لفكر توكفيل وعبر فكر ريموند أرون حيث يقول مارسيل غوشيه أن الشيوعية قد كانت تريد أن تكون بديلا دينيا لفكر ديني قد انتصرت عليه الديمقراطية وأصبحت بديلا للفكر الديني . وفي نظر مارسيل غوشيه ما الشيوعية إلا دين ضد الدين ومن هنا كانت حتمية فشلها مقابل الديمقراطية في صيرورتها وقد أصبحت بديلا للدين.
وبالتالي ظهور كل من الشيوعية والنازية والفاشية على مسرح الأحداث نتاج أزمة فكر أي أزمة ألمت بالليبرالية التقليدية ومن نتائجها ظهور الشيوعية والنازية والفاشية المؤقت على مسرح الفكر وإختفاءها لكي تعود الديمقراطية كصيرورة فكر يحل محل وحل الفكر الديني.
ما أريد قوله أن جمود الشيوعي السوداني هو محاولة تأبيد الشيوعية كفكر مؤقت ظهرت مع الفاشية والنازية نتيجة أزمة الليبرالية التقليدية وقد جاءت فلسفة التاريخ الحديثة لتسند ليبرالية حديثة لا تترك مكان للمؤقت من الفكر كالشيوعية وبالتالي قد تحدث مارسيل غوشيه عن صيرورة الديمقراطية وهذا مجال مقالاتي القادمة وسوف أتحدث فيها عن صيرورة الديمقراطية في فكر مارسيل غوشيه وكيف أصبحت الديمقراطية بديلا للفكر الديني وكيف فشلت الشيوعية في أن تصبح دين ضد الدين.
وعندما نتحدث عن أن الديمقراطية قد أصبحت بديلا للفكر الديني لا يفوت علينا بأن مارسيل غوشيه يعتمد على فكر ريموند أرون في اعتماده عن فكرة زوال سحر العالم عند ماكس فيبر حيث لم يعد للدين أي دين دور بنيوي على صعد السياسة و الاجتماع والاقتصاد.
وأضيف ملاحظة وهي أن المؤقت على مسرح الفكر كالشيوعية والنازية والفاشية يحتاج ظهوره وإختفاءه لعقود حيث نلاحظ ان أزمة الليبرالية التقليدية قد بدأت منذ عام 1880م واستمر الحال لما يزيد على الثلاثة عقود حتى ظهور الشيوعية والنازية والفاشية.
وقد دفعت البشرية الكثير من العرق والدم والدموع بسبب حربين عالمتين ما أريده من القارئ أن يفهمه هو أن المؤقت من الفكر لكي نتخلص منه نحتاج لعقود مثلا بعد تجربة الانقاذ بعد ثلاثة عقود وهي تعتبر فترة مؤقتة وبعدها قد وصل الشعب السوداني الآن وفقا لتجربته لشعار حرية سلام وعدالة و بالتالي لا يكون التحول الديمقراطي بغير أن تصبح الديمقراطية بديلا يزيح خطاب وحل الفكر الديني الى الأبد من مشهد الفكر في السودان لأن شعار ثورة ديسمبر حرية سلام وعدالة قد كنس فكر الانقاذ ووحل الفكر الديني من مشهد الفكر في السودان وأتاح إمكانية صيرورة الديمقراطية التي تفرض علينا تفكيك التمكين وتفكيك فكر وحل الفكر الديني الذي قد جاءنا بالتمكين.
ستكون الديمقراطية بديلا عن وحل الفكر الديني في السودان وهذا يحتاج لوعي جديد يتجاوز روح النخب السودانية التلفيقية التي لا تخدم غير الترقيع الذي يؤآلف ما بين العلمانية والدين وهيهات لأن التحول الديمقراطي يحتاج لجهود هائلة وتحول في المفاهيم حتى يستطيع الشعب السوداني تجاوز حقبة سيطرة المؤقت من فكر وحل الفكر الديني كما تجاوزت أوروبا المؤقت من الفكر في حقبة النازية والفاشية والشيوعية وبعدها يبدأ مسار التحول الديمقراطي وبالتالي يمكننا أن نقول بأننا قد بدأنا طريق صيرورة الديمقراطية وهي منفتحة على اللانهاية.
يا جماعة
انا اقترح واثني واثلث
انو تجيبو لينا طاهر عمر ده
ومعاهو اخوهو ماكس هبر
وخوشيه وفوشيه وود عمهم لوك
عسان يمسكو البلد دهويكون اخسن
لو جابو معاهم بت فيروني الايطاليه
لا حل لهذا البلد الا الليبرالية الاستئصالية
عسان يفكو صواميلنا الفكريه ويوفرو لينا الفتريتة الحمرا