مقالات سياسية

تتبع الكتلة المؤثرة في السودان

منير التريكي

بداية نجيب على سؤال مهم. كيف تتكون الكتلة؟ هي تبدأ بفكرة في عقل شخص ما. يطرحها لغيره يلتف حوله بعض الناس ويرجون للفكرة . وقد تكون الفكرة جماعية . ثم تصير المجموعة جماعة أو حزبا تؤثر بأفكارها في المجموع الكلي للدولة. التاريخ الحديث ملئ بالأمثلة عن الكتلة السياسية . هنالك الإمام المهدي وكيان الأنصار . الختم الكبير والطريقة الختمية الميرغنيه . المهاتما غاندي والإحتجاج السلمي في الهند. هتلر والرايخ الثالث . عبدالناصر في مصر. د. قرنق والحركة الشعبية جنوب السودان . ومثال للمجموعة الشيوعيين والإخوان المسلمين والناصريين والبعثيين وأنصار السنة في السودان والمستقلين. بإعتبار الإلتفاف حول فكرة موجودة أصلاً والترتيب بالأقدمية . الكتلة  في السودان ظلت أغلب الوقت يمينية عسكرية . يمين تقليدي ختمية وأنصار حتي أو أوائل الستينات ثم يمين حديث أو ما عرف لاحقاً  بالإسلام السياسي أو الإخوان المسلمون بمختلف تسمياتهم المتغيرة. اذا تتبعنا الأحداث الكبرى في السودان منذ ١٩٦٧م نجد تأثير الإسلام السياسي. كان الإخوان المسلمون قلة في العدد لكنهم تأثيرهم كان قوي مقارنة بفترة تأسيس تنظيمهم . كانوا يرتكزون على كتابات البنا وسيد قطب وقبله الكواكبي والأفغاني عن نهضة الأمة الاسلامية . وهذا أمر مفهوم ومطلوب . لكن اليمين الحديث إنحرف عن قضايا الأمة الإسلامية واتخذ منحى تسلطي نفعي إنتهازي . في ١٩٦٧م حشد الإخوان المسلمون جماهير الختمية والأنصار وضربوا الديمقراطية ضربة مؤلمة. هذا الخطأ الفادح كان السبب الأول في كلما حدث لاحقاً .  مثل قطع الدومينو المرصوصة بالتجوار المائل تتابع السقوط. بسبب طرد نواب الحزب الشيوعي السوداني من البرلمان ورفض قرار المحكمة . تحول الكبت والظلم إلى غضب نتج عنه  إنقلاب مايو ١٩٦٩م . الإنقلاب قام نميري والشيوعيون والقوميون العرب (الناصريين والبعثيين) . لأقل من سنتين ظلت الكتلة إشتراكية. وهما فقط فترة اليسار في حكم السودان . مالت مايو إلى الوسط ثم في سنواتها الاخيرة إلى أقصى اليمين بالمصالحة الإخوانية . المصالحة تمت بعد دخول جنود حزب الأمة ومعهم قلة من الأخوان المسلمين للخرطوم . التحرك كان من ليبيا في ١٩٧٦م . عُرِفَت الحركة بغزوة المرتزقه. لكنهم كانوا سودانيون رافضين للديكتاتورية . الحركة أنتجت مصالحة وطنية في ١٩٧٧م. بعد أشهر من المصالحة غادر حزب الأمة حكومة مايو مخلفاً بعض كوادره . مغادرة حزب الامة  تصرف طبيعي لزحف الإخوان المسلمون وإستحواذهم على معظم الغنائم . حدث ذلك رغم حجم  تضحيات الأنصار وكثرتهم مقارنة بحلفائهم الإخوان . بسبب الصراع العالمي بين المعسكرين الرأسمالي والإشتراكي والخوف من تمدد الشيوعية أمسى تأثير الكتلة إخوانياً بإمتياز . حتى الرئيس نميري أصابه التأثير فكتب عن النهج الإسلامي متي وكيف؟ .
في الفترة من بُعَيْد ١٩٧٧م وحتى قُبَيْل ثورة ٦ أبريل ١٩٨٥م تسلل الإخوان المسلمون إلى كل مراكز الدولة المهمة والحساسة . ثم بقوا وبغوا حتى تاريخه . يمكن بسهولة معرفة ذلك من نوع القرارات الصادرة عن السلطة وغاياتها منذ ذلك الوقت وحتى الآن . إستشعر الجنوبيون ما كان يُبَيّته لهم الإسلامويون. في ١٩٨٣م تمردوا أثناء إعداد قوانين سبتمبر التي سميت بقوانين الشريعة . إحتشدت هذه بمواد الطوارئ التي أطلقت يد السلطة ضد الخصوم السياسيين . طبعاً  كان الإخوان هم أكثر  الناس معرفة بخبايا حلفائهم في المعارضة فهم كانوا جزء منها . خلاصة القول إن القوى السياسية وخاصة اليسار عانت الأَمَرّين من قوانين سبتمبر ٨٣م .  تحكمت الكتلة الإخوانية واستغلت القوانين لتصفية خصومها . في الأشهر الأخيرة لنظام مايو ضرب الاخوان تنظيم الجمهوريين خصمهم العارف بخباياهم ضربة مؤلمة. نصبوا المحاكم والمشنقة . تخلصوا من زعيم الجمهوريين الأستاذ محمود محمد طه بمحاكمة سياسية بدلا من محاورته فكرياً . في سنة ١٩٨٣ م ولخبرتهم بشئون السوق ومعادلات المناخ وفشل الموسم الرزاعي تكالبوا على  مخزون الحبوب فحدثت مجاعة وأسرعت الإغاثات والمعونات للسودان . بعض هذه الإغاثات بِيعَت في السوق. إنتفض الشعب ضد مايو في أبريل١٩٨٥م . سقط النظام لكن الكتلة ظلت إخوانية فعلا وثورية قولاً . بسبب وجود كوادر الإخوان داخل دهاليز السلطة تم إفشال معظم أهداف ثورة أبريل١٩٨٥م. لكن السبب الأساسي لم يكن الاخوان فقط السبب الأساسي هو تهاون القوى السياسية التقليدية في التعامل مع الإخوان المسلمين. تكرر ذلك رغم تنبيهات اليسار المستمرة . الحزبان الكبيران رغم نضالاتهما ضد الديكتاتوريات ظلا مطية للإخوان المسلمين . هؤلاء إحتاجوا دوما للقبول من الشعب الذي رفضهم . كانوا يتسللوا عبر قادة وجماهير الحزبين الكبيرين وينفذون أجندتهم . نلاحظ أن الكتلة كانت أغلب الوقت إخوانية إسلاميوية. في النظام البائد  ظلت لثلاثين سنة إسلاموية عسكرية إنتهازية فاسدة . حتى بعد ثورة ديسمبر ٢٠١٨ م ورغم مشاركة قوي الثورة إلا أن الكتلة ظلت عملياً إسلاموية عبر العسكر . فقط أشهر قليلة أنجز فيها حمدوك وفريقه الثوري أفضل ما يمكن مقارنة مع الفترة القصيرة . إذن الكتلة ظلت يمينية تقليدية وإخوانية عسكرية لأكثر من ستين سنة عدا ست سنوات . هذه الست سنوات هي مجموع سنة انتقالية في ١٩٦٤م وسنتين إشتراكية مع مايو٦٩م وسنة انتقالية في ١٩٨٥م وحتى هذه أغلبها كان مشاكسة من الإسلامويين ثم سنتين قبل إنقلاب ٢٠٢١ م. ها أنتم الآن عرفتم سبب تأخر البلاد . الكتلة التي ظلت طوال هذه السنوات لا تملك رؤية ولا خطط ولا إستراتيجية ولا أهداف. كتلة تقودها قلة هدفها السلطة لإستغلالها للإثراء وليس للسلام والإستقرار والتنمية والتقدم . ماتم تحقيقه ضئيل جداً  مقارنة بالمتوفر من الموارد والوقت الذي كان متاحاً. وحتى شعار تطبيق  الشريعة ظل تكتيك سياسي يتم رفعه للتباكي فقط عند فقد السلطة. هذه الكتلة فشلت لعقود طويلة في تأسيس وطن مستقر . الإستقرار مهم جدا وضروري للتنمية والتعايش والإبداع والتطور والمضي للأمام .إذن ما هو الحل؟ .
الحل هو حشد أو تكوين أو بناء كتلة قوية ومؤثرة. كيف؟ إقرأوا أدبيات اليسار وتجارب الدول المشابهة وأتركوا أمر بناء الكتلة لشباب الثورة . والله المستعان.

[email protected]

تعليق واحد

  1. اذا كان هذا حال السودان فما بال أغلبية دول العالم الثالث ظل حالها مثل السودان.. هل كانت جماعة الترابي تحكمهم أيضا وفي إثيوبيا حكم الحزب الشيوعي عبر منقستو عدة سنوات ويقولون عنه كما نقول نحن في الكيزان.. .اعتقد من الإنصاف أن نقدم الصراع السياسي والتأثير الخارجي وضعف الوحده الوطنية وضعف الأحزاب الوطنية على غيره من الأسباب هذا اذا أردنا أن نتقدم للأمام.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..