مقالات وآراء

غناء بروميثيوس

 د. علي بلدو
تحكي الاسطورة القديمة ان ملك التيتان(بروميثيوس) قد تم انزال العقوبة به على يد (زيوس) بسبب قيامه بتعليم الفن والادب والعلم والثقافة لبني البشر واعطائهم شعلة النار والمعرفة والمتخذة شعارا للضياء والاستنارة حتى اليوم, وتخبرنا القصة انه تم انقاذه على يد هرقل بعد ان عانى ما عانى , ونحن لا ندرى من سيتقذنا بعد كل هذا !! ومن ذلك الحين ارتبطت المعاناة بلابداع وصار معظم المبدعين يعانون من ويلات الحياة ويقضون عمرهم في (الجري والمساسقة) والشلهتة , ويقضون نحبهم في هدؤ معدمين مرضى وفي بيوت الايجار والورثة بعد ان تخلى عنهم الجميع وتركوهم نهبا لعوادي الزمن ونوائب الدهر , وكانهم صاروا من سقط المتاع والذي لا خير للمرء في حياته بعدها على حسب مذهب قطري بن الفجاءة. فها هو التيجاني يوسف بشير يفصل من الدراسة بمكيدة وحقد , ويترك ليعمل في طرمبة البنزين ليصاب بذات الرئة ويحاول السفر لمصر لينجو بحياته وابداعه ولكن تقف الامكانيات بينه وذاك ليقول : نضر الله وجهها مستودع الثقافة مصرا ما اراها تزداد الا بعدا علي وعسرا وبعدها يخبو شبابه الغض في ذياك التيه الثقافي وهو لم يتجاوز الخامسة والعشرين , مملؤا بالحسرة والاسى, ليعيش بعدها جلادوه عمرا وامدا طويلا وهم متخمون بالسحت والربا , في مسلسل لا يزال يعرض الى الان! وها هو مصطفى بطران يتوفى مريضا في التاسعة والعشرين من العمر , والعملاق كرومة يلاقي ربه وهو ابن سبع وثلاثون ربيعا بداء عضال , ويمضي بلبل السودان الصداح فضل المولى زنقار مقتولا بنصل الغدر والخيانة في شرخ شبابه وريعان صباه! وتتمدد القائمة لتشمل مطربين كبار اثروا وجدان الشعب السوداني بجميل الاغنيات وعذب المعاني وحلو النغم وشجي اللحن , مضوا وهم مرضى ومعدمين في عنابر الدرجة الثالثة بالمستشفيات الحكومية ومنهم من باع الااته الموسيقية ليقتات بثمنها ويقيم اوداه اياما معدودات واخرين من دون ذلك اثروا المشي في الطرقات ليموتوا بردا وجوعا والما, ومنهم من قررر ان يضع حدا لحياته على ان الغريب هو حالة انفصام الشخصية العجيب الذي يصيبنا عند ما يزف الناعي نباء رحيل مبدع فتجد الناس والمسئولين يهرعون للبكاء امام كاميرات التلفزيون والفضائيات وعدسات المصورين , وتتبارى مطربات زمان الغفلة في لبس الاسود من ثياب ونظارات واصطياد الاعلاميين وهم يبكون كما بكى اخوة يوسف عندما اتوا اباهم عشاء كاذبين. في هذا المشهد يتجلى النفاق الاجتماعي في ابهى حلله واجلى ملامحه وتتبدى مظاهر انحطاط القيم وانهيار هرم الاخلاق وانحدار قيمة المبدع في هذاه البلاد لنهمله حيا ونتاجر به ميتا وننال ما ننال في حفلات نعيه وتابينه وحملات بناء منزل لاسرته ومركز لذكراه , فانى يافكون!

‫4 تعليقات

  1. يا دكتور ما شاء الله عليك ماشي كويس
    كان ما أخاف الكذب، أول مرة في حياتك تكتب كلام كويس

  2. كتبت فأبدعت وشرحت ووفيت وقد قلت أنا كذلك في كتابي ليالي الاغتراب بالتراي ستار من ثلاثة أجزاء وهو كتاب يعتبر سيرة ذاتية ومواقف وتجارب وخبرات ونستطيع القول إنه أنثروبولجي …ولعل كل من يموت ينعتونه بأنه آخر (هههههههههههههه) المبدعين ويموت آخر في اليوم التالي فينال نفس النعت…عليهم أن يهتموا بمبدعينا أحياء لا أمواتا

  3. كتبت فأبدعت وشرحت ووفيت وقد قلت أنا كذلك في كتابي ليالي الاغتراب بالتراي ستار من ثلاثة أجزاء وهو كتاب يعتبر سيرة ذاتية ومواقف وتجارب وخبرات ونستطيع القول إنه أنثروبولجي …ولعل كل من يموت ينعتونه بأنه آخر (هههههههههههههه) المبدعين ويموت آخر في اليوم التالي فينال نفس النعت…عليهم أن يهتموا بمبدعينا أحياء لا أمواتا

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..