التحول الديمقراطي المغدور

وجدي كامل
تضج اركان ومراكز المجتمع والراى العام السياسي وتشغل تفكيرها هذه الايام مسالة التسوية بين العسكر والمدنيين.
وتجد التسوية ردودا واستجابات بين المواقف الموافقة والمعارضة.غير ان افضل النتائج المتوقعة من (التسوية) المستهدفة الا تقود تفاصيلها الى تحول ديمقراطي منشود طالما اقتصرت على التسوية السياسية فقط ولم تتصل بالتسوية الاقتصادية – بمهمة تحرير الاقتصاد من قبضة العصب الفاسدة من الافراد والشركات العسكرية والمؤسسات والدول الاقليمية والغربية بجعل الموارد مواردا قومية ملكا لشعوب السودان وزادا لتنمية كلية مستدامة تخطط لها وتسيطر عليها دولة ديمقراطية متوافق عليها من قبل كل السودانيين.
دون ذلك سنعيد انتاج تحول سياسي فوقي يحافظ على القنان القديمة ويستبدل حكومة بحكومة بمسميات خادعة تلبي طموحات من يعملون لاجل الحفاظ على مصالحهم وامتيازاتهم التاريخية وكذلك طموحات ورغبات اللاعبين السياسيين الجدد الباحثين عن مستقبل سياسي وزعامة مفقودة تؤرق فكرة العثور عليها مضاجعهم ويظلون مستعدين للعب دور المتحدثين باسم الشعب والثورة دون تأهيل مفاهيمي واخلاقي مطلوب لبناء وضبط الدولة الجديدة كجمهورية ديمقراطية حديثة.
التحول الديمقراطي يعني هيكلة الاقتصاد والعدالة والمؤسسات العسكرية والامنية والشرطية والتعليم العام والعالي والاعلام والصحة وهندسة الثقافة والاخلاق على مناهج واسس وقيم جديدة تسمح بميلاد واقع جديد تماما وهذا ما لا يشترك في دعمه وتاييد مفردات فكرته كافة المؤسسات السياسية الناشطة في التسوية ولا الافراد المنخرطين في عمليتها.العقلية السياسية الحالية ليست مؤهلة للقيام وانجاز جوهر الانتقال الديمقراطي بسبب اختصاص طاقاتها على الصراع والمناورة والبحث عن المكاسب الحزبية والجهوية بغرض وراثة اقتصاد الدولة الريعية واعادة تدويره.
الحل لا يكمن في القضاء على العقلية السياسية الحزبية او الاحزاب بقدر ما يكمن في صعود اصحاب العقول العلمية الجديدة والتفكير الجديد بداخلها ونشوء منظمات مجتمع مدني حقيقية لقيادتها لتغيير قواعد اللعبة السياسية والتي بدون الغائها وانتاج قواعد جديدة سوف لن نتقدم قيد أنملة هذا اذا لم تحصل على اقامة دائمة ومفتوحة في خانة عتمة التطور وغموض معاني الدولة.
((الحل لا يكمن في القضاء على العقلية السياسية الحزبية او الاحزاب بقدر ما يكمن في صعود اصحاب العقول العلمية الجديدة والتفكير الجديد بداخلها ونشوء منظمات مجتمع مدني حقيقية لقيادتها لتغيير قواعد اللعبة السياسية..))؟!
كَضَباً كاضب يا دكتور وجدي. دا كلام نظري ساي – كيف لهذا الصعود أن يحصل والعقلية والشخصية الحزبية قائمة؟؟ إلى متى ننتظر هذا الصعود ليحصل؟ هل ننتظر حتى تنقرض الزعامات الطائفية والبعثية والقومية العربية ونصبر كمان على ورثتهم وهكذا دواليك ودواليبك!؟
لابد من تطبيق نظام ديمقراطي جديد نستغني به عن هذه الديمقراطية الحزبية التي يستحيل تغيير عقليتها قريباً – ثم ياخي كيف نجرب المجرب ونتوقع تغييراً؟ الحل هو رمي كل هذا الإرث الذي لم يعد مواكباً ولا مناسباً في مزبلة التاريخ ونستبدله بديمقراطية حرة مباشرة بلا واسطة حزبية؟ ما الذي يمنع ذلك؟ أليس تقول هناك عقلية شبابية جديدة ؟ لماذا لا نطبقها مباشرة دون الرجوع للخلف أو التلفت يمنة أو يسرى؟ لماذا لا نبدأ بحظر الترشح للمقاعد النيابية بالصفة الحزبية؟ لماذا لا يرشح الشباب زملاءهم وأقرانهم في الدوائر الجغرافية والمهنية والفئوية ويختارهم زملاؤهم بدون صفة حزبية ولكن مهنية أو مناطقية؟ هل تتصور أثر ذلك في برلمان خالٍ من الكتل والأقليات الحزبية والأغلبيات الميكانيكة التي تدار من خارج البرلمان بواسطة زعماء الأحزاب؟
هذا التنظير الهلامي ليس حلاً ولن يأتي بحل لهذه العقلية المستحكمة والتي من آثارها مثل كلامك هذا! فما هي ثمرة صعود أصحاب العقول العلمية الجديدة والتفكير الجديد بداخلها؟ هل سيتمردون على تعليمات الزعيم أو عصبته المقربة في الحزب من تمرير خططهم عبر الأغلبية المنقادة لهم؟