مقالات سياسية

متى تصحو افريقيا من هذا السبات العميق

يحي حسين قدال

يخطر ببالي حين أتابع القنوات الفضائية العالمية التي كثيرا ما تستعرض حال افريقيا المزري سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وأزمة غذائها وامراضها المستدامة مستشارا انجليزيا كان مكتبه يجاورني إبان عملي بشركة الاتصالات السعودية بالرياض و كان ينتهز بعض اوقات فراغه لمناقشتي في شؤون افريقيا على وجه الخصوص لكونه عمل بها لما يزيد عن عقد من الزمان رأى خلاله رأي العين ما يكمن في هذه القارة من ثروات هائلة بينما يخاطر شبابها بأرواحهم للوصول الى اوروبا لسوء ما يعانونه في بلادنهم من حال و كان يبدي اندهاشه وحسرته على قارة يموت مواطنوها و يمرضون و يهاجرون قسرا بينما يمتلئ سطحها و باطنها بخيرات تؤهلها لأن تكون سلة غذاء العالم واحتياطي ثرواته الظاهرة و الباطنة بإمتياز و كان يلقي اللوم حانقا و منفعلا على ما يحدث في افريقيا على ساستها المرتمين في احضان مستعمريهم السابقين و مواطنيها الكسالى ضعيفي الهمم ومتواضعي الطموح على حد تعبيره. أنا اشارك هذا الخواجة ملاحظته هذه الى حد بعيد أذ ما أن أطلت ازمة الغذاء العالمية التي  اعقبت حرب روسيا على اوكرانيا حتى أسرع رئيس الاتحاد الافريقي ماكي سال رئيس جمهورية السنغال الى روسيا ليبلغ الرئيس الروسي بأن القتال في اوكرانيا والعقوبات الغربية على روسيا زادا من تفاقم ازمة نقص الغذاء في افريقيا و ناشد دول اوروبا الغربية ضمان عدم منع صادرات الحبوب والاسمدة إلى افريقيا ، هذه القارة المبتلاة برؤساء لم يفعلوا شيئا مفيدا من اجل شعوبها رغم علم كل العالم بأن موجات من الجفاف ظلت تضرب ارجاء واسعة منها منذ ما يزيد على خمس سنوات. أمن اجل هذا تولي الرؤساء  الافارقة (وأجدر ان يقال عنهم بؤساء ) الذين يلبسون افخر الملابس عندما يشاركون في المؤتمرات القارية و العالمية و يقيمون في أجنحة بأفخم الفنادق حين يحضرون مثل هذه المناسبات و يجيئون الى مقرات الاجتماعات كل في عربة أجرة مخصصة له في وقت ترزح شعوبهم تحت خط الفقر خلافا لنظرائهم الاوروبيين الذين جاءوا الى مقر آخر اجتماع للجمعية العامة للامم المتحدة في سيارات أجرة مشتركة و كانوا يقيمون في غرف عادية بنفس الفنادق التي يقيم فيها (بؤساء) الدول الافريقية. هذا حال افريقيا كما لا يخفى على احد بينما تقول الارقام التي لا تكذب إن مساحة افريقيا تبلغ 30 مليون كيلو متر مربع و هي بهذا تزيد عن مساحة الولايات المتحدة الامريكية و كندا و امريكا الجنوبية مجتمعة و عن مساحة روسيا و الصين و الهند واوروبا مجتمعة ايضا في وقت تبلغ فيه مساحة اوكرانيا التي تعتمد معظم افريقيا عليها في وارداتها من القمح 603,548 كيلو متر فقط أي مثل مساحة جمهورية جنوب السودان التي تجرى خلال اراضيها عدة أنهار بيد أن موجات المجاعات ظلت تتردد عليها من وقت لآخر شأنها شأن اثيويبا والصومال ودول الساحل و الصحراء التي اصبح الجفاف عنوانا لها. افريقيا التي يتصارع متعلموها على كراسي الحكم فيها كان يمكن أن تستفيد من نهر الكنغو على سبيل المثال لتوفير كهرباء رخيصة لكل دول وسط وشرق و جنوب افريقيا لو أبدى قادتها قدرا يسيرا من التعاون فيما بينهم و كان بإمكانهم أيضا لو أنهم اوفوا بوعودهم الوردية  التي تصدر منهم حين تجئ مواعيد الانتخابات استخراج ثروات بلادهم لمصلحة شعوبهم الصابرة والمصابرة وترقية قدرات هذه الشعوب التعليمية وتحسين وسائل الزراعة في دولهم بدلا من توجيهها لجيوبهم الخاصة أو تركها نهبا للشركات الاجنبية التي لا يهمها المواطن الافريقي في شيئ.  يلزمني بهذه المناسبة أن أشير الى مقال الكاتب الأمريكي ( توماس فريدمان في صحيفة نيويورك تايمز) الذي ذكر فيه إنه اذا قدر له ان يختار أفضل بلد آخر عدا وطنه لاختار تايوان التي تخلو من أي موراد طبيعية  وأرضها صخرية و تقع في بحر تتلاطمه العواصف من كل جانب و تحتاج الى استيراد كل شيئ حتى الرمل و الحصى و مع ذلك فإن لديها رابع افضل احتياطي مالي في  العالم لأنها اختارت الحفر في عقول ابنائها بحثا عن الابداع بدلا من الحفر في الارض بحثا عن المعادن. تبقى رواندا مثالا مقاربا لما ذكره توماس فريدمان حيث استطاع رئيسها العسكري بول كاقامي النهوض بها من رماد الحرب المريرة الى دولة اصبحت  قبلة للمستثمرين و ملاذا لللاجئين بينما يعجز رؤساء افارقة آخرين تلقوا تعليمهم  في ارقى جامعات العالم  عن الوصول بدولهم الى ربع ما حققته رواندا التي يمكن ان يقال عنها ( استعارة لعبارة للدكتور زهير السراج)  نقطة الضوء الوحيدة في محيط مظلم. تظل افريقيا كالعير تموت من الظمأ  و الماء  فوق  ظهورها محمول اذا ظل قادتها لا يبالون بما يحل بأهليهم و اخشى أذا لم يتدارك هؤلاء القادة حال بلادهم التعيس أن تظل ايادينا سفلى على الدوام و تلازم قارتنا امراضها العديدة المعروفة و نبقى عملاقا  نائما نوما عميقا إلى ان يرث الله الارض و من عليها.

[email protected]

تعليق واحد

  1. أصبت كبد الحقيقة فيما يعانى منه بعض مواطنى افريقيا وينطبق ما ذكرت على زائير والسودان بشكل أدق…لقد إنتصبت عدة دول افريقية على منصة الإنطلاق مثل رواندا وتغيرت ملامحها القديمة التى التصقت بها.. فالنيجر مثلا صنفت ضمن أحدى أكثر الدول فقرا ولكنها حققت فى الاونة الأخيرة معدلات فلى التنمية .. السنغال أيضا وهنالك دول غيرها فى إفريقيا الغربية بل والشرقية أيضا كتنزانيا. ما يحير المرء حقا هو العجز الذى إبتلى به السودان حتى صار بعض أبنائه لا يتورعون فى المناداة بتفتيته وكان ذلك يمكن أن يكون حلا لمشاكله. بلد يعلن قادة جيشه السابقون تأسيس كيان مسلح فى مؤتمر صحفى منقول صوتا وصورة. بلد يعلن بعض قادته بأن الخضوع لاستعمار بلد مجاور أحب إليهم من الإلتقاء بإخوتهم فى المواطنة..إذن تظل المشكلة ذات علاقة بالوعى والإدراك بديناميات التاريخ والجغرافيا والإعتبار بها فهى ليست إقتصادية محضة بل مركبة. لقد زرت معظم عواصم اقاليم إفريقيا ورأيتها تتغير بسرعة البرق خذ مثلا مابوتو عاصمة موزامبيق أو أبوجا العاصمة النيجرية فكلها تشهد تحولات كبرى وسريعة لا بثرواتها التعدينية بل بأنماط الحكم والحكام ممن أحدثوا ذلك التغيير….تصور أن بلدانا وضعت أهدافا لغرس ثلاثين مليون شجرة فى العام أين السودان من ذلك.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..