مقالات وآراء سياسية

الردم ليس هو الحل يا والينا !

محمد التجاني عمر قش

كتبت في الأسبوع الماضي مقالا عن قرار مجحف تبنته لجنتا أمن محليتي سودري وغرب بارا بإيعاز كما يبدو من السيد والي شمال كردفان ، وبتحريض من بعض مكونات دار الريح، في محاولة منهم لاستهداف واستفزاز أصحاب تلك الأرض التي ظلوا يفلحونها منذ مئات السنين. وقد وصلتني ردود فعل من جهات وشخصيات عدة فيما يتعلق بالمقال المذكور ، ذلك لأن قرار الردم مخالف لجميع الأنظمة والأعراف ولا يستند على وثيقة ولا سابقة ولا شهادة، بل جاء تلبية لرغبة طرف معين ، دون أن تتحرى الجهات التي أصدرت القرار في حجة ذلك الطرف. والردم يعني ببساطة منع أصحاب الأرض من ممارسة الزراعة فيها ، وذلك بغرض تحويلها إلى مراعي ! . فهل الحيوان أولى بالعيش من الإنسان، يا ترى؟ .

أولاً الأراضي التي طالها قرار الردم ليست أراضي متنازع عليها، ولا تتبع لمنطقة الجمامة بأي حال من الأحوالة، علماً بأن الردم يمتد حتى حدود أم ضبان والكوكيتي والرهد شرقاً، وحسب ما هو متاح من وثائق رسمية فإن المنطقة التي تقع شرق وجنوب شرق الجمامة تنتشر فيها وتسكنها مجموعات من دار حامد منذ القدم، سيما وأن تلك المنطقة تجمع بين الزراعة والفلاة الواسعة التي تسمى محلياً بالسيسة ، وتتخللها أودية كبيرة وجبال  وسهول وتتبع إدارياً لمحلية غرب بارا ، ومن هذا المنطلق ليس هنالك مبرر إداري يسمح بتدخل محلية سودري في هذا الصدد، إلا محاباة خصوم أهل تلك المنطقة ، والله المستعان!. كما أن الأرض المردَومة تمثل حواكير وفرقان وقرى ومخارف للناس من أصحاب السعية ، وليست أرضا قفارا.

علاوة على ذلك ، ليس هنالك مبرر أمني أو مصلحة عامة تقتضي ردم مساحة من الأرض تفوق مساحة بعض الدول ، وهي في ذات الوقت مصدر رزق وكسب عيش لمجموعة كبيرة من الناس. هذا الردم كان تلبية لطلب أشخاص لا يملكون وثيقة واحدة تخولهم أو تبيح لهم طلب الردم وإنما هي المكايدات وتصفية الحسابات بطريقة غير شريفة وبانحياز كبار المسؤولين في الولاية وتواطؤهم بطريقة غير لائقة أبداً. وإذا وافق أمير دار حامد على هذا القرار الجائر، حسبما ورد في بيان ولاية شمال كردفان ، فإن هذا الموقف لا يجيز للجنة الأمن اتخاذ هذا القرار ؛ لأن الأمير ليس لديه تفويض مطلق للتصرف في أملاك الناس إلا إذا كان ذلك وفقا لشرعة الجاهلية التي يقول شاعرها:

لك المرباع منها والصفايا       وحكمك والنشيطة والفضول

وأقل ما يقال عن هذا القرار إنه إثارة للفتنة وزعزعة للاستقرار ونسف لتماسك النسيج الاجتماعي في كامل دار الريح وكأن من يقفون وراء هذا التحرك المشؤوم  قد نسوا أن الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها” ونحسب أن القرار يرمي إلى استهداف مجموعة كبيرة من أهالي دار الريح ، ولهذا ينبغي على لجنة أمن الولاية برئاسة السيد فضل الله محمد علي التوم تدارك الموقف قبل أن يقع الفأس على الرأس ، كما يجب على اللجنة المذكورة وعلى الوالي شخصياً تحمل المسؤولية الكاملة عما يترتب على هذا التصرف من عواقب وخيمة قد تعصف بدار الريح، بشكل يقضي على الأخضر واليابس؛ لأن بعض من سعى لتبني هذا القرار تربطه علاقات مشبوهة مع الحركات المسلحة التي تريد نقل الصراع على الأراضي والموارد الطبيعية إلى شمال كردفان ، والكل يعلم ما يترتب على ذلك من مشكلات واقتتال وسفك للدماء وإهدار للحرمات وقطع للصلات التي ظلت قائمة بين الناس. وبالتالي من أوجب الأمور الإسراع لإلغاء قرار الردم ومحاسبة من سعى إليه ومن وقف معه ؛ درءً لفتنة وحفاظاً على سلامة الناس.

وأشير هنا إلى بعض التعليقات التي وصلتني من أصدقاء كثر من دار الريح رداً على مقالي الذي أنعش الذاكرة بسيرة رجال حفظوا الود بين مكونات منطقتنا ، وبعض أولئك الرجال كافح بدمه وسام الروح لكي يكون لنا دور في شمال كردفان وذكر في سجلات تاريخ السودان الوطني. بعض الذين اتصلوا استغرب كيف يمكن أن تتحرك طائفة من الأهالي في دار الريح من أجل إفناء بعضهم البعض وكيف يمكن أن تكون لدى البعض رغبة في ذبح الحرائر ممن يعيشون ضمن نسيج المنطقة التي عرفت بالسلم والسلام والاندماج وعرفت بالذات بالنخوة وعدم قتل النساء؟ وأرجو أن أضيف ما يخفف من هذه الدهشة وذلك الاستغراب، واقول بأن هنالك أمر طرأ في منطقتنا وشيء حدث في مجتمعنا. فمن حيث الفرد صار لدى بعض المجموعات فصائل استلهمت دعاوى جون قرنق التي تطالب بتحرير البلاد من بعض الأعراق ، كما طرأ ما هو أخطر ، حيث أسند الأمر لغير أهله وعندما يحدث هذا الأمر الأخير ، فقد بشرنا بأن (ننتظر الساعة) والساعة هنا تتسع في معانيها لتندرج تحتها جوانب الخلل الذي يمارس به والي شمال كردفان سلطته ، وقد يشعل حرائق لا يراها ولا يدرك مخاطرها من يساعدونه على استفزاز مكون مهم وله بأس عرفته التركية السابقة مثلما عرفته سلطنات سادت ثم بادت.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..