رسائل البرهان السياسية من المنابر العسكري

من الآخر
أسماء جمعة
يبدو أن البرهان هذه المرة اختار أن يرسل رسائله السياسية من منابر عسكرية ومن أمام جنوده، عوضاً عن منابر الحشود مدفوعة القيمة واستغلال اللمات الاجتماعية. خلال الأيام الماضية زار البرهان معسكرين للجيش، قيل إنها زيارة تفقدية. ولكن الحقيقة، هو قصد أن يجعل من معسكرات الجيش منابر لتوصيل رسائله للناس، بدليل أنه تمت دعوة وسائل الإعلام كافة، وهو أمر لا يحدث في الزيارات الروتينية.
كانت زيارة البرهان الأولى إلى معسكر حطاب، والثانية إلى معسكر المرخيات، وسيزور معسكرات أخرى خلال الأيام القادمة حتى ولو خارج الخرطوم. فما زالت هناك الكثير من الرسائل التي يحتاج إلى توصيلها الأيام المقبلة، ولن يجد أفضل من معسكرات الجيش والقواعد العسكرية، ليفعل ذلك وهو في مأمن من مشاكل الحشود المصنوعة.

رسائل البرهان السياسية في حطاب كانت غريبة، وفي المرخيات كانت أغرب. ورغم أنه أكد على رسائل حطاب، وكرر الكثير من الكلام الذي ظل يقوله منذ الانقلاب من باب التبرير والحيل الدفاعية، إلا أنه أفاد بتصريحات جديدة لأول مرة يجهر بها، ما أصاب الناس بالدهشة. لكنهم جميعا اتفقوا على عدم تصديقه، لأنه قد يكون بصدد مسرحية جديدة اختار لها الجيش هذه المرة، واتعظ من انقلابه الذي استنصر فيه بالحركات والفلول وأحزاب الفكة وتجار الدين والمصالح والقبلية، ولم يستطيعوا مساعدته ليقنع العالم بأن ما قام به تصحيح مسار، بل أثبت أنه انقلاب. وأظنه يريد أن يوهم الجميع بأنه الآن لا يمثل أحداً غير المؤسسة العسكرية، وأنه أصبح محايداً، رغم أن الجيش نفسه غير محايد.
أغرب ما قاله البرهان في المعسكرين هو الاعتراف بوطنية قوى الحرية والتغيير – المركزي، وأشار إلى أنهم وافقوا على المقترح الدستوري المقدم من اللجنة التسييرية لنقابة المحاميين مع قوى الحرية والتغيير، وأن المقترح سيخرج البلاد من الورطة التي أدخلها هو فيها. كذلك اعترف -لأول مرة- بأن انقلابه لم يكن تصحيح مسار كما كان يدعي ويصر، بل من أجل الاحتفاظ بقوة الجيش الاقتصادية وحماية نفسه والذين معه. فقد قال نصاً: ”قمنا بفض الشراكة في 25 أكتوبر بسبب التدخل في شؤون الجيش”.
في الحقيقة، ليس هناك تدخل في شؤون الجيش كما يتوهم البرهان، بل كانت هناك خطة لإصلاح الاقتصاد تقتضي ولاية الدولة على شركات الجيش، وهو أمر تفرضه مصلحة البلد. ولكن البرهان وضع مصلحته فوف مصلحة البلد، واعتبر خطاب رئيس الوزراء حينها، عبد الله حمدوك، عن استعادة الشركات الاقتصادية من القطاعين الأمني والعسكري، وإخضاعها لوزارة المالية تدخلاً. فانفجر غاضباً، ووجه انتقادات عنيفة لحكومة حمدوك، وقال في قوى الحرية والتغيير – المركزي ما لم يقله مالك في الخمر، بل وحرض ضدها كل العصابات والفلول، وها هو يكتشف اليوم أنها وطنية ويتمسك بمقترحها الدستوري، بل ويعترف بأهمية إصلاح الجيش الذي نادت به ذات قوى الحرية والتغيير من قبل.
السؤال المهم الذي يطرح نفسه الآن: ما الذي تحمله التسوية بخصوص إصلاح الجيش هذه المرة حتى أصبح البرهان متقبلاً للفكرة التي كان يرفضها بقوة، لدرجة أنه قال: ”يجب ألا يخاف الجيش من الإصلاح”. هل هو صحوة ضمير، أم خوف من الضغط الشعبي، أم مسرحية جديدة؟!
الديمقراطي