مقالات سياسية

القوات المسلحة اما هذا والا…!

احمد بطران عبد القادر

مصطلح دولة يطلق علي كيان لمجموعة بشرية من السكان (الشعب) تقطن في إقليم جغرافي محدد (الوطن) وتسودها سلطة حاكمة ذات سيادة علي هذا الإقليم الجغرافي والمعترف بها دوليا وداخليا والسلطة تحدد نظام الحكم في هذه الدولة وحديثا يقوم هذا النظام علي ثلاث أركان رئيسية تمثل السلطات الرئيسية للدولة وهي (التشريعية والتنفيذية والقضائية) وهي مستقلة عن بعضها البعض ومراقبة ومقومة وعلي هذا الأساس تشكل مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية وتحدد طبيعة أنظمة الحكم والقوانين المنظمة لحياة هذا الشعب وحمايته وتشرف الدولة وفق منظومة القانون ومرجعية الدستور على جميع الأنشطة السياسية والاقتصادية الاجتماعية والعسكرية والتي تهدف إلى استقرارها وتقدمها وازدهارها وتحسين مستوى حياة الأفراد والمجتمعات فيها  وحمايتهم ورعايتهم بما يحقق طموحاتهم وتطلعاتهم في الحرية والحياة الكريمة الأمنة والمستقرة كما يعتبر البعض ان الصحافة تمثل سلطة رابعة فهي صانعة للرأي العام ومحللة وقارئة بصورة مؤثرة علي الوقائع والأحداث .
ولعل انشاء القوة العسكرية في الدولة يأتي في أولى أولوياتها للحفاظ علي وجودها وأمنها وسلامها وحمياتها من الأعداء وعاديات الزمان وقد أنشئت القوات المسلحة السودانية تحت سلطة الاستعمار في عام ١٩٢٥م بعقيدة قتالية تقوم على أساس الدفاع عن الوطن والحفاظ على سيادته واستقلاله ووحدته الوطنية وتتحلي بنظام انضباط عسكري صارم يمكنها من القيام بذلك وتضع كل امكانياتها تحت تصرف الشعب والحكومة القائمة علي أمره خصوصا أثناء وقوع الكوارث الطبيعية حيث تساهم في درئها وتحفظ الأمن في حالة الأوضاع المضطربة أو النزاعات المسلحة .
ولئن كانت هذه هي مهام وواجبات القوات المسلحة فواجب الدولة تطويرها وترقيتها ورفع قدراتها القتالية والاستطلاعية في كافة المجالات وتنويرها عن مهددات الأمن القومي والمتغيرات السياسية والاقتصادية علي المستوي الإقليمي والعالمي وتمليكها الحقائق والمعلومات الكافية المعينة علي الجاهزية القتالية والتفوق .
ولئن تأملنا تاريخنا الحديث بعد خروج المستعمر فإننا نجد ان القوات المسلحة السودانية قد انحرفت عن مهامها الأساسية وخالفت القانون والدستور واستولت علي السلطة بقوة السلاح عدة مرات بمعاونة بعض السياسيين وهذه خيانة في المقام الأول للشعب الذي استأمنها علي احتكار القوة وجعلها مستودع أسرارها والمتصرف فيها حسب ما تقتضيه الضرورة للقيام بالواجبات وإكمال المهام المؤكلة اليها (وقد عبر عن رفضه لاستيلائها علي السلطة في إنتفاضات شعبية سلمية دللت علي سلامة الوعي السياسي لشعبنا ونبهت لأهمية الديمقراطية وخطورة الشمولية) اما في المقام الثاني فإن هذا الانحراف قد حملها عبء مسؤليات استراتيجية سياسية واقتصادية واجتماعية أكبر من تفكيرها وقدراتها ولا تتوافق مع طبيعتها والغرض من إنشائها وقد أسفر هذا الأمر عن اختلالات عميقة في إدارة الدولة جعلت السلطة تجنح لاستخدام العنف ضد الشعب منهجاً أصيلا لها فتولدت شمولية منكرة حجبت الحريات العامة ورفضت الرأي والرأي الآخر مما ألهب شعلة الثورة وقناعة الشعب بأهمية التغيير والإصلاح .
ولئن كان تعاطي القوات المسلحة للشأن السياسي قد أضر بوحدة البلاد وأمنها وهدد وحدتها ووجودها وتسبب في عزلتها دوليا بسوء سمعتها بفضل انتهاك حقوق الإنسان والحروب الأهلية التي خاضتها ووقعت فيها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية فإنه قد الحق أضرارا أخرى بليغة بالدولة استنزفت طاقتها وشلت قدراتها وأضحت في مواجهة مع شعبها ومسؤولة أمامه والتاريخ عن اتساع دائرة العنف الصراعات الجهوية وادعاءات التهميش ودفع الباحثين عن العدل والحرية لرفع السلاح في وجهها وعليه تتحمل القوات المسلحة والنخب السياسية المتعاونة معها فشل تجربة الحكم الوطني واجهاض مشاريع التحرر القومي وتعطيل عجلة التنمية بصورة كارثية .
إن استطالة أمد الدكتاتورية العسكرية ادي الي اتساع رقعة الحروب والتطور في اساليبها وتشعبها واختلافات في تحديد طبيعتها وقضاياها فتصاعدت التدخلات الخارجية بسببها بصورة خطيرة كادت أن تؤدي الي حرب شاملة تنتهك فيها سيادة البلاد فتدويل المشكل السوداني جعل القوات المسلحة تنشيء مليشيات مسلحة وقوات مسلحة منظمة غير خاضعة لقانون القوات المسلحة السودانية (قوات الدفاع الشعبي – الدعم السريع – قوات السلام – القوات الصديقة الخ) .
ولئن كان تأسيس مثل هذه القوات وغيرها مرفوض لامور تتعلق بالعقيدة القتالية لهذه القوات والولاء والانضباط ومؤثرات اخري انحرفت بالصراع عن مساره الطبيعي في التنافس الشريف علي بناء الوطن فإنه مرفوض كذلك لأنه زاد من حدة الاحتقان والغبن ومهد الطريق لدعاوي الانفصال والمطالبة بتقرير المصير وبفضل هذا التهور والانحراف عن المهام الأساسية للقوات المسلحة وخرقها للدستور وفرض إرادة سياسية لقوي سياسية بعينها فقدنا الجنوب ولا بواكي علي وحدتنا التي تغنينا لها (منقو قل لي لا عاش من يفصلنا) إضافة لكل ذلك وجهت هذه القوى السياسية التي مكنتها القوات المسلحة من السلطة كل موارد البلاد لدعم المجهود الحربي وإثراء منسوبيها مما أعاق مشاريع التنمية وتدنت الخدمات وساءت حالة البني التحتية التي تقوم عليها روافع الإنتاج والتسويق التجاري المحلي والعالمي وتدهور التعليم والصحة وانخفض مستوي دخل الفرد وانتشرت البطاله وتفشت الجريمه المنظمة والعابرة للحدود وسادت ثقافة القتل والاتجار بالبشر والتهريب والتهرب الضربي وفسدت السلطة بالمحسوبية والاختلاس والرشوة ومخالفة القانون وصناعة مراكز قوي من الفاسدين والمستبدين للحماية والتغطية علي الفساد والافلات من العقاب .
جاءت ثورة ديسمبر المجيدة لتخليص البلاد من كل أوجه الفساد والاستبداد لذلك كان الإصرار علي ضرورة النأي بالقوات المسلحة عن ممارسة أي نشاط سياسي او تجاري وان تعود للثكنات لتقوم بدورها الطبيعي في حماية الدستور كذلك كان الرفض الشعبي المشدد لتعدد الجيوش وان تعتمد الدولة علي جيش وطني مهني موحد خاضع للسيطرة المدنية وملتزم بحماية التحول المدني الديمقراطي.
لكن في ظل هذه الظروف العصيبة التي يبحث المخلصون من ابناء شعبنا عن المخرج الأمن للبلاد من وهدتها بوضع الحلول الناجعة لمشكلاتنا برفع المظالم ورد الحقوق وإقامة العدل وانفاذ أحكام القانون وتفكيك بنية النظام السابق وإنجاز السلام الشامل وهيكلة الجيوش بالدمج والتسريح في هذا الوقت يخرج علينا الناطق الأسبق باسم القوات المسلحة الصوارمى خالد سعد ورفاقه بالمعاش في مؤتمر صحفي وضح النهار معلنا تشكيل قوي مسلحة موازية للقوات المسلحة..! يا للعجب هل ضاعت هيبة الدولة لهذه الدرجة التي تسمح لمتمرد علي سلطاتها ان يعلن عن نفسه في قلب الخرطوم؟ يا لهول المصيبة التي وقعت علي عاتقنا … ان اعتقال الصوارمى ليس كافياً فغدا سيظهر اخر ان لم تقم القوات المسلحة السودانية بواجباتها في فرض هيبة الدولة وعلي رأسها التخلص الفوري من تعدد الجيوش وتفكيك كل القوات التي أنشئت لدواعي مرحلية ووضع جيوش الحركات في معسكرات محددة حتي تكتمل عملية الدمج والتسريح عليها ان تفعل ذلك والا..!.
ولئن كنا قد تحفظنا علي سلام السودان بمنبر جوبا لانه مس ثوابت الدولة السودانية وجسد لمشروع التقسيم فإننا قد حذرنا من خطورة تعدد الجيوش والتراخي في تنفيذ الهيكلة وانعكاس ذلك علي زعزعت الأمن والاستقرار كما ان وجود قوي مسلحة علي اساس جهوي رسخ لمفهوم ان الحقوق لا تمنح الا علي فوهة البنادق وهذه مدعاة للاقاليم الأخرى ان تحمل السلاح لتنال نصيبها من السلطة وهذا مازعمه الصوارمى خالد سعد..!
لئن كنا قد حذرنا من كل هذا وغيره فإننا قد أشرنا الي ضرورة اخضاع سلام جوبا لمراجعات قانونية ودستورية لنضع الأساس السليم للسلام ونرسخ لمفهوم دولة المواطنة والحقوق المتساوية حتي لا يخرج علينا مثل هذا المعتوه او غيره بمثل هذا البيان .
الغريب في الأمر ان واقعة الصوارمى تأتي بعد خطاب القائد العام الفريق البرهان في قاعدة المرخيات العملياتية والذي يؤكد فيه نزولهم لرغبة الشعب في الحكم المدني وتوافقهم مع قوي الحرية والتغيير علي إكمال مشروع التسوية الذي بموجبه ينسحب الجيش من السياسية فهل يريد الصوارمى ورفاقه قطع الطريق امام التحول المدني الديمقراطي؟ ام ماذا؟ . ولمصلحة من يعمل؟ وكيف يقبل علي فعل يعلم ان القانون يجرمه؟ وستطاله يده؟
لنا عودة

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..