يسيرون على خُطي سلفهم ويعيدون أخطاءهم الإنقلابيون تَمَسْكُن وتَمَكُن ثم تَنَمّر وظلم وإفساد
منير التريكي
هنالك ثلاث حقائق مهمة فهمها يساعدنا كثيراً في التقدم خطوات كبيرة للأمام .
الحقيقة الاولي هي ان السودان قطر كبير ومترامي ومتنوع . هذا التنوع نتاج أعراق وبيئات ومناخات وثقافات مختلفة . بلد كهذا لا يستطيع حزب واحد أن يحكمه بمفرده . مهما كانت قوة هذا الحزب ومهما كَثُرت عضويته فلن يسطيع أن يلبي الإحتياجات ويحقق الطموحات لهذ التنوع المتعدد المشارب المختلف الإتجاهات . وقد فشل المؤتمر الوطني رغم استيلاؤه على كامل السلطة والثروة وكل الموارد . فشل رغم استغلاله السيئ للعاطفة الدينية. فشل رغم كل المكر الذي مارسه سياسيوه . فشل رغم كل الكذب والتضليل وإختلاق الصراعات وشق الصفوف. فشل رغم إفتعال الأزمات والمتاجرة بها. فشل رغم استغلاله لرموز المحتمع ومشاهيره . إستمرار الطغاة في السلطة سنين طويلة لا يعني نجاحهم . فقد مارسوا ظلماً شديداً بغياً وفساداً وقمعاً. ومن النادر ان يذكرهم احد بخير وهذا هو الخسران المبين .. لكن كثير من الدول بها تنوع مشابه لكنها ناجحة ومتطورة . السر في ذلك هو فهم التركيبة فكرياً وإبتكار التوليفة المناسبة لها . فشل الإسلامويون في حكم السودان لأنهم أَُحَادِيو التفكير . الإسلامويون الذين استولوا على السلطة بسرقة وتمكّنوا بخدعة وإستمروا بالعنف. فشلوا وسقطوا وقادتهم ورموزهم إما في السجن أو المستشفيات أو هاربون خارج السودان بعيدين عن أهلهم وأسرهم أو متخفين . وهذا مصير ليس جيد لمن كانت لهم السلطة المطلقة يأمرون وينهون ويشتهون ويتمتعون بما يرغبون . الذي يؤدي الي تخلف البلاد هو توهم الديكتاتور أنه يستطيع ان يحكم كل البلاد وحده. يستعين ببعض الإنتهازيين الذين يزينون له عمله . ربما يصادفه الحظ في بعض القرارات لكن الذي يحدث هو انه يتخذ الكثير جداً من القرارات الخاطئة. للاسف هو يكتشف ذلك متأخر جداً . لكن الأسف الأشد هو الذي يمر به أولئك الذين كانوا يستهينون بتصرفاته . في الغالب تترك هذه القرارات السيئة آثاراً مدمرة تظل معهم ويعانون منها طويلاً بعد سقوط الديكتاتور .
الحقيقة الثانية هي ان الإنقلاب الاخير يبدو ضعيفاً ومعزولاً . يظهر الكثيرون رفضهم المشاركة مع الإنقلابيين في السلطة . هنالك قلة من الإنتهازيين هي التي تدعم الإنقلاب . يعتقد البعض أن الإنقلاب سيسقط في أي لحظة .. الذين يعتقدون ذلك نقول لهم إستعدوا للأخبار غير المريحة . قادة الإنقلاب يشترون الوقت الثمين بالمماطلة لتثبيت أركانه. يتحكمون في أجهزة الدولة منفردين ويمررون أجندتهم. يستغل الإنقلابيون أجهزة الإعلام الرسمية ومنابر المساجد ويفرضون رؤيتهم . الإنقلابيون ومن يساندهم لا يريدون سلطة تشريعية أو مجلس وزراء أو أي مجالس تقلل من سلطاتهم المطلقة. يدخلون في تحالفات باسم كل السودان لرعاية مصالحهم الخاصة على حساب شعب السودان . هكذا يمررون أجندتهم وأجندة من يدعمونهم من الخارج . الذن يجيدون قراءة ما بين السطور يعرفون سبب تغير لهجة قائد الإنقلاب وتَنّمره بعد مسْكَنة. الذين يستهينون بالإنقلاب نذكرهم بأن إنقلاب النظام البائد قام واستمر بمثل هذا (التماوت) والخداع . الآن قادة الإنقلاب المشؤوم وداعموه يعيدون نفس خطوات نظامهم البائد. قيل أن التاريخ لا يعيد نفسه في شكل الصور المكررة ولكن في شكل صور منقحة. وهذا أمر منطقي وفقا لحركة الزمن وقياساً بتطور المجتمعات . ما حدث قبل أكثر من ثلاثين سنة إن حدث ثانية فستكون هنالك اختلافات في الاشخاص وتغيرات في بعض التتصرفات لمواكبة المستجدات . لكن (عضم الاحداث) سيكون هو نفسه تقريباً . الذين تقاعسوا عن النضال بسبب الوضع الهش الذي كانت عليه الإنقاذ في بداياتها إنتظاراً لسقوطها التلقائي ندموا كثيراً . والذين خدعتهم أحلامهم زماناً بالخلاص عبر أمريكا وغيرها خابت آمالهم . الذين لم يصدقوا الحقائق التي كانت ماثلة امامهم طوال ثلاثين سنة كانوا أكثر الذين تفاجأوا بعد زوال الغشاوة . الغشاوة ظل يصنعها جهاز الأمن لسنوات عديدة عبر وسائل الاعلام المختلفة . بقيت الإنقاذ الأولى ثلاثين سنة عجفاء خربت فيها السودان بصورة فاقت كل التصورات . خراب فاجأ حتى كثير من أهل الإنقاذ أنفسهم .. والذين يظنون أن قادة الاحزاب التقليدية يعلمون ما يفعلون واهمون . والذين يراهنون على سقوط الإنقلاب لأنه معزول واهمون . والذين يراهنون على تغيرات فورية وجذرية تحدث بقوة الدفع المتناقصة واهمون. والمتفاوضون الذين يظنون ان الإنقلابيين والإنتهازيين سيتنازلون لهم دون قوة ضغط هائلة وملزمة واهمون . إليكم هذه القصة . قبل سقوطه بسنوات رضخ النظام البائد ووافق على حوار يمنح فيه المعارضة بعض السلطة . تم استحداث منصب رئيس وزراء وهو أمر غير معتاد في نظام رئاسي عسكري قابض . لكن المنصب صمم خصيصاً للمعارضة أملاً في فك بعض الإختناق داخلياً وخارجياً . لكن لسبب غير مفهوم ولدهشة النظام آنذاك لم تستغل المعارضة الفرصة . لم تتمسك بمنصب رئيس وزراء . يتصور المرء أن المعارضين لم يتفقوا على شخص لشغل المنصب. لكن يبدو أن المعارضة لم تضع ذلك هدفاً ولم تقيّم الغنيمة الثمينة جيداً . وسط دهشة الجميع تم تعيين بكري حسن صالح في منصب رئيس الوزراء . المذكور كان نائب رئيس المخلوع وأخلص رجاله طوال سنين النظام البائد . عاد المنصب ثانية للنظام . بعكس المعارضة الشمالية كانت الحركة الشعبية لتحرير السودان ذكية . أخذت الحركة أكثر من ذلك بإتفاقية نيفاشا للسلام . اخذت منصب نائب رئيس النظام مباشرة والعديد من الوزارات ووزراء الدولة في الوزارات التي لم تاخذها . كما أخذت ثلث السلطة في الشمال وكل السلطة في الجنوب . الحركة الشعبية لتحرير السودان كانت واعية بدورها الحيوي مخلصة لشعبها مؤمنة بقضيتها واثقة من نفسها.
الحقيقة الثالثة هي أن هنالك نخب غير واعية لدورها الحيوي تجاه شعوبها . يتقاصر فهمها عن أهمية حماية وتنوير وتطوير مجتمعاتها . النخب المتقاعسة عن أداء واجبها الأول تجاه شعوبها هي التي تخزلهم بشرائحهم المتعددة . تتركهم فريسة للإستبداد والفساد والإستغلال . هذه هي التربة التي يتفشي فيها الجهل والفقر والظلم . وقد تسرق مواردهم دول أخرى وتستمتع بها بمساعدة سماسره دوليين وخونة وإنتهازيين . الأسوأ من ذلك لجهل هذه النخب بواجبها تجعل من بعض افرادها عمالة غير ماهرة تعمل بأجور زهيدة لرفاهية شعوب اخري.
اذا لم تنتبه النخب لدورها وتوقف خرق الديكتاتور للسفينه فالغرق يهدد الذين لا يملكون مراكب نجاة . هذه يخفيها الدكتاتور له وللمقربين منه . يأخذون أموال الشعب ويفرون بها . بينما تعاني البلاد لعقود من الفقر والديون وآثار التخريب . الزهد و(الحَرَدان) والمثالية هي ما يستغله الخبثاء لإبعاد الشرفاء فيخلو لهم الجو للإفساد . فهل تعني النخبة دورها وتقوم بواجبها الآن أم تختار التقاعس والتباكي لسنوات؟ .
اللهم قد بلغت فأشهد