أخبار السودان

أصحاب العمل.. مواجهة تحديات المعيشة والاقتصاد 

الخرطوم: علي وقيع الله

كغيره من اقتصاديات الدول الأخرى، ما إن تمضي وتتقدم السنوات إلا محدثة آثاراً سالبة في الاقتصاد القومي، خاصة في الأعوام الأخيرة، لدرجة ساءت معيشة المواطنين، علاوة بما تزخر به البلاد من موارد طبيعية تضاعف من وزن وحجم البلاد على مستوى الفعاليات والمناشط الداخلية والخارجية، غير أنه لم تفلح بعد؛ أية جهود في إطار المحاولة لمعالجة ما يمكن تضميده في الاقتصاد المكلوم، ولعل الراهن المتغير في اقتصاد البلاد يستدعي التكاتف والتعاضد للخروج من الأزمة الاقتصادية الحادة التي تسود أرجاء البلاد.

مهتمون يرون أن السودان بحاجة ماسة لتطوير كافة مؤسساته، سواء التي تنظم وتدير النشاط الحكومي أو تلك التي تنظم عمل رجال الأعمال السودانيين، ويرى آخرون أن الوقت الراهن يتطلب وقفة القطاع الخاص لزيادة حجمه وتوسيع مساهمته في عملية التنمية واستدامتها.

 

خطة عاجلة

أعلن الاتحاد العام لأصحاب العمل السوداني؛ أن اللجنة التنفيذية بالاتحاد ستعكف خلال الفترة الراهنة وبالتنسيق مع الاتحادات القطاعية الصناعية والتجارية والزراعية والإنتاج الحيواني والنقل والصناعات الصغيرة، ونظراً لما تواجهه البلاد من تحديات اقتصادية متعددة ستعكف على وضع خطة عاجلة آنية تستوعب المتغيرات التي طرأت على الملف الاقتصادي بالبلاد، خلال الفترة الماضية، تهدف إلى تحديد الآليات اللازمة لتجاوز تلك التحديات، وذلك بالتعاون والتنسيق والشراكة مع أجهزة ومؤسسات القطاع الاقتصادي بالدولة، وقال أمين عام الاتحاد الدكتور، أمين عباس محمود عقب تسلم مهامه أميناً عاماً للاتحاد في تصريح صحفي، أن الاتحاد سيشرع بالتنسيق مع أجهزة ومؤسسات الدولة الرسمية الاقتصادية، وكأولوية قصوى في وضع خطة عاجلة كاستراتيجية قصيرة المدى بغرض مواجهة التحديات المعيشية التي تواجه المواطن السوداني وتحقيق قدر من الاستقرار النوعي للاقتصاد الوطني، ونوه عباس إلى أن المرحلة اللاحقة من الخطة تتمثل في التوجه نحو إنفاذ استراتيجية اقتصادية علمية مشتركة متوسطة المدى بمشاركة خبراء اقتصاديين تركز على العمل مع الشركاء لزيادة العملية الإنتاجية للصادر في قطاعي الزراعة، والثروة الحيوانية، كماً ونوعاً، ومعالجة مشاكله وعقباته وتقليل تكلفته وتحقيق القيمة المضافة لعدد من السلع والمنتجات لتعظيم عوائده، بما ينعكس إيجاباً على قيمة العملة الوطنية بهدف تحقيق الاستقرار لسعر الصرف والحد من ارتفاع مستوى التضخم.

 

شريك أصيل

يقول الباحث الاقتصادي الدكتور هيثم محمد فتحي: بالنسبة لاتحاد أصحاب العمل له دور كبير ومهم جداً على مستوى الدولة ويتمثل الدور في تعزيز حضور القطاع الخاص في المشهد الاقتصادي؛ لأن الاتحاد يعتبر شريك أصيل ورئيس في مسير الاقتصاد الوطني، ويعمل على ربط أولويات الاقتصاد، مع استراتيجيات وخطط وتوجهات الدولة من أجل تعزيز ومرونة استدامة الاقتصاد السوداني، وقال: حقيقة كثير من الأدوار يمكن أن يلعبها اتحاد أصحاب العمل، من خلال الأجسام التابعة له في شتى المجالات الاقتصادية، وكذلك التعاون مع الدولة في استقطاب الاستثمار الأجنبي المباشر للسودان، بجانب العمل على استهداف أسواق جديدة للمنتجات السودانية للصادرات يعمل على ترويج الفرص الاستثمارية المتاحة بالتنسيق مع الممثليات التجارية الموجودة في السفارات بالخارج كدور دبلوماسي، وقال: ينبغي على اتحاد أصحاب العمل أن يكون له دور في زيادة مؤشرات التنافس والاستثمار، وشدد على أن من مسؤولية الدولة العمل على إشراك القطاع الخاص في مختلف مجالات الاقتصاد الوطني، وقال: من المفترض أن تعمل الدولة على دعم الشركات الوطنية في خطط النمو والتوسع الاقتصادي الخارجي والداخلي والاستفادة من الإمكانيات والموارد التي يمتلكها السودان في ظل التعاون الموجود بين السودان والدول الأخرى، وتابع: الآن الدولة تتحدث عن تشجيع الاستثمار في كافة المجالات والسودان في حاجة إلى هذه الاستثمارات.

 

حركة النشاط

وأكد د. هيثم في حديثه لـ(اليوم التالي) أن الوقت الراهن يتطلب وقفة القطاع الخاص لزيادة حجمه وتوسيع مساهمته في عملية التنمية واستدامتها، داعياً إلى أن يكون هناك أسواق تصديرية جديدة للصادرات عبر القطاع الخاص، وترجمة اتفاقيات كثيرة، خاصة أن السودان لديه اتفاقيات كثيرة مع دول العالم، وشدد على ضرورة أن تكون على أرض الواقع تسهم في تحقيق هذه الفرص، مشيراً إلى التبادل التجاري والتكامل مع الدول، وقع فيها اتفاقيات، وبالتالي من المتوقع أن يعمل اتحاد أصحاب العمل على رفع معدلات التبادل التجاري والتكامل الاقتصادي بين السودان والدول الأخرى، بجانب أنه يلعب دوراً في تحقيق النمو والتطور الاقتصادي والعمل على تعزيز الثقة في مجتمع الأعمال السوداني، لافتاً إلى رفع التنافس للسودان، ويدعم هذا الاتحاد حركة النشاط التجاري والاقتصادي والاستثماري والعمل على النهوض بالتنمية الاقتصادية بالسودان، وقال: هناك منظمات وجمعيات يحتويها اتحاد أصحاب العمل والغرف، وحقيقة لديها أدوار تعمل على ترقية مختلف قطاعات الاقتصاد السوداني، بجانب خلق مبادرات تزود بها الدولة، يكون فيها آراء ومقترحات وتوصيات وكل ما يخص الاقتصاد، من خلال التجارة والصناعة والزراعة والخدمات، وحث اتحاد أصحاب العمل على تحديد الصناعة المطلوبة والمساهمة في خلق نشاط تجاري، وأن تخلق مؤسسات ذات طابع تجاري وصناعي وتسهم هذه المؤسسات في التكوين المهني وترقية الشركات ومساعدة رجال الأعمال السودانيين لدعم الأنشطة.

 

قطاع الصادرات

المحلل الاقتصادي الدكتور الفاتح عثمان قال إن السودان بحاجة ماسة لتطوير كافة مؤسساته سواء التي تنظم وتدير النشاط الحكومي أو تلك التي تنظم عمل رجال الأعمال السودانيين، ويرى أن جسم اتحاد أصحاب العمل نفسه يحتاج إلى تغيير كبير؛ سواء في الاسم أو في المهام، وكذلك في طرق تمويل اتحاد أصحاب العمل كمؤسسة، وأكد د. الفاتح لـ(اليوم التالي)، أن الدولة بحاجة ماسة لبناء قطاع صادرات متطور، يمتلك القدرة المالية والخبرة والعلاقات الخارجية والقدرة على النفاذ للأسواق العالمية والإقليمية، بجانب أن يكون جزءاً من العملية الإنتاجية ذات نفسها، بدلاً عن الطريقة الحالية التي تجعل الصادر أقرب لنظام السمسرة، وذكر: وهو ما يجعله على الدوام عاجزاً عن توفير السلع للصادر بمواصفات جيدة وثابتة، وهو ما يعوق توقيع عقود صادر مستمرة لعدة سنوات، ويعتقد أن اتحاد أصحاب العمل كجسم؛ غير قادر على تطوير نفسه كمؤسسة؛ ناهيك عن تطوير الاقتصاد وتحسين معاش الناس، ويلفت إلى أن الفترة الحالية يعاني فيها الاقتصاد السوداني من حالة ركود غير مسبوقة، وأرجع السبب فيها إلى السياسات النقدية الانكماشية التي تبنتها وزارة المالية وبنك السودان.

القاعدة الإنتاجية

يرى المحلل الاقتصادي الدكتور وائل فهمي البدوي أنه رغم أن القطاع الخاص السوداني هو القطاع المهيمن في كل قطاعات الاقتصاد السوداني، الرسمي وغير الرسمي، ويعتبر أن القطاع الخاص السوداني دائماً ممثلاً في لجان وورش ومؤتمرات وضع الخطط والبرامج والاستراتيجيات للدولة، خاصة خلال الفترة البائدة، وحتى خلال الفترة الانتقالية، ويرى د. وائل عبر إفادته لـ(اليوم التالي) أنه لم يلتزم، في نهاية المطاف، إلا بمصلحته الخاصة في اغتنام الفرص التي كانت تعظم أرباحه الناتجة من التشوهات التي ترتبت على إنفاذ السياسات الاقتصادية النيوليبرالية (التحريرية) التضخمية، لتحقيق التقشف، والتي قال عنها إنها أدت في ذات الوقت إلى تدهور القوة الشرائية للعملة السودانية داخلياً وخارجياً، عبر امتصاص القطاع الخاص لها برفع أسعار منتجاته، مما ساهم بقوة في إعادة توزيع الدخل القومي لمصلحته الخاصة، مشيراً إلى تآكل القاعدة الإنتاجية طوال السنوات الماضية، بما فيها فترة النظام البائد الذي دعمه بقوة، لافتاً إلى معدلات النمو السالبة في متوسط دخل الفرد الحقيقي للسودانيين، سواء كان ذلك بالعملة الوطنية أو الأجنبية، وبحسب ما يلاحظه هو عدم مقدرة القطاع الخاص، لوحده على الأقل على تحقيق الاستقرار الاقتصادي بصفة عامة والمعيشي بصفة خاصة، مستدلاً في ذلك (فقد أثبتت الأدبيات الاقتصادية منذ القدم؛ على عدم استقرار الأنظمة، رأسمالية اقتصاد السوق الحر بطبيعتها)، مستبعداً أن  يستطيع القطاع الخاص أن يضع استراتيجية، حتى وإن كانت قصيرة المدى، لتثبيت القوة الشرائية للجنيه السوداني، قائلاً: طالما هو يعتمد على مرونة سعر صرف غير مستقر، التي يعتمد عليها القطاع الخاص السوداني في توفير مدخلاته الإنتاجية الرأسمالية والمواد الخام.

 

التحديات المعيشية

ويرى د. وائل أن هذه المتغيرات خارج سيطرته، بل وسيطرة الحكومة نفسها، كما عكسها تزايد ندرة السلع والخدمات وضعف جودتها واستمرار ضعف القوة الشرائية للغالبية من المواطنين بالأسواق، مما أدى ذلك لانكماش حتى القاعدة الضريبية للدولة للخزينة العامة، وزيادة الصادرات (غير المهرب)، وأوضح أنه رغم أن الأمين العام الجديد لاتحاد أصحاب العمل السوداني لم يكشف بوضوح عن ما هي التحديات المعيشية التي تواجه المواطنين التي يريد باستراتيجيته (قصيرة المدى) أن يحققها بقطاع يتميز بعدم الاستقرار بطبيعته وبصعوبة تحقيق التنسيق بين مكوناته موضوعياً، رغم حسن نواياه الوطنية الطيبة – على حد تعبيره.

اليوم التالي

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..