مقالات وآراء سياسية

دستور (الكيزان) ليس دستوراً للسودان

حسن عبد الرضي الشيخ

صدر للإخوان الجمهوريين ، عام ١٩٨٠م كتيب عن كذب الإخوان المسلمين ، يحذرون فيه من تنظيمهم، جاء عنوانه: (أنقذوا الشباب من هذا التنظيم الدخيل).

بدأ الكتيب بحقيقة ظهر صدقها ، عياناً بياناً ، اليوم ، بعد أكثر من أربعين سنة من إطلاقها ، وهي: (إن المزايدة باسم الإسلام ، والخوض في أمر الدين ، بغير صدق ، وبغير علم ، لا يورث غير الربكة والحيرة ، وهذا هو حال الإخوان المسلمين الذين يزايدون اليوم باسم الإسلام).

ما زالت هذه الجماعة تكذب وتتحرى الكذب ، إذ ما برحوا يرددون القول الحائر ، إنهم هم وحدهم حراس الدين ، وأن دستورهم ، الذي يزعمون تطبيقه على الشعب السوداني، غصباً عنهم ، هو الشريعة الإسلامية. يعجب المرء لـ(قوة عين) هذه الجماعة ، التي جرب الشعب السوداني كذبها أكثر من ثلاثين عاماً ، فترة كانت أطول من عمر دولة المدينة ، ثلاثين عاماً يهرطقون بتطبيق الشريعة ، ولا يفعلون غير كل ما هو مخالف للشريعة وللإسلام ، بأن يقبلوا ، صاغرين ، بالاستسلام لدستور علماني وضعته لهم السفارات الغربية العلمانية ، التي يدعون كذباً عداءها اليوم . لقد صبر هذا الشعب على تلك الأكاذيب البلقاء ، طيلة عهد تخبط جماعة الهوس الديني ، العهد الذي ساموا فيها الشعب الأمرّين ، فقد طال قتلهم وتعذيبهم في (بيوت أشباحهم) حتى الأقربين من إخوانهم في التنظيم ، دعك عن الأبرياء من أبناء الشعب البسطاء ، في دار فور ، وفي جنوب كردفان ، والنيل الأزرق ، بل لم يتركوا بقعة في أرض الوطن العزيز إلا وأقاموا فيها سرادق العزاء. ثلاثون عاماً مارسوا فيها كل صنوف النهب ، وفنون السرقة والافتراء والتكبر في الأرض ، بلا هدى ولا كتاب منير. والسؤال المنطقي : ما الذي جعلهم ، يصرخون ، هذه الأيام؟ في استغلال مفضوح للدين ، ليصلوا بهذا الزعيق لسلطة انتزعتها منهم شابات السودان قبل شبابه الجسور ، عنوة، في ثورة شهد كل العالم بسلميتها وقوتها؟! إن الشعب السوداني قد أيقن أنكم لا تبكون حرصاً على تطبيق الدستور الإسلامي ، الذي عجزتم عن الاهتداء إليه طيلة سني حكمكم العجاف ، بل تيقّن السودانيون أنكم تسعون إلى السلطة التي لن يترك لكم هؤلاء الشباب سبيلاً لبلوغها. فهل نزل عليكم الإسلام واهتديتم إلى دستوره ، الٱن ، وبعد أن (لبنت) ، بل ونضجت ثورة ديسمبر ٢٠١٩م  العظيمة؟

وإن جاز لنا ان نسدي لكم النصح ، فهو أن شبابنا الواعي قد أيقن أن السبيل الوحيد لتحقيق الإسلام وتطبيق دستوره ، هو الصدق ، وتنفيذ شعارات الثورة في الحرية والسلام والعدالة ، أولاً ، ثم إعمال الفكر الحر حتى تستبين الرؤية الصحيحة لفهم جديد للدين ، وعلى ضوء ذلك الفهم يضع الناس دستوراً إسلامياً ، إنسانياً. نحقق فيه الديموقراطية ، والاشتراكية ، وتنمو فيه دولة العدالة الاجتماعية ، التي لم تجدوا في فكركم العقيم الذي تتلمذتم عليه ما يسعفكم ان تقتربوا من هذا الفكر الواعي ، فظللتم تعيشون تناقضاً مزعجاً جنى على ملكاتكم ، وعطّل طاقاتكم، وأظهركم بمظهر يستوجب الرثاء ، ويستدر الإشفاق.. ولتعلموا أن شابات الثورة وشبابها لا يعارضون الإسلام ، إنما يعارضون (دستوركم الإسلامي المزيف) ، وما معارضتهم تلك سوى توكيد منهم لأهمية الإسلام ، وحبهم له، وتقديسهم لتعاليمه ، بل ولضرورة بعثه لحل مشكلات الفرد والمجتمع السوداني.. فقد جاء في كتاب (محمود محمد طه يدعو إلى أسس دستور السودان) ما يلي : “إن أسس دستور السودان هي أسس الدستور الإسلامي”، الذي يسعى دعاة الإسلام ، عندنا وفي الخارج ، إلى وضعه من غير أن يبلغوا من ذلك طائلا ، ذلك لأنهم لا يعرفون أصول الإسلام ، ومن ثم ، فهم لا يفرّقون بين الشريعة والدين، ويقع عندهم خلط ذريع بأن الشريعة هي الدين ، والدين ، هو الشريعة . والقول الفيصل في هذا الأمر ، أن الشريعة هي المدخل على الدين ، وأنها هي الطرف القريب من أرض الناس، “وفي بعض صورها من أرض الناس في القرن السابع”.. وفي القرن السابع الميلادي لم تكن البشرية مستعدة للحكم الديمقراطي ، بالمعنى الذي نعرفه اليوم، ولقد قامت شريعتنا على الشورى ، لقد كان حكم الشورى في وقته ذلك أمثل أنواع الحكم، وأقربها إلى إشراك المحكومين في حكم أنفسهم، ولكنه، مع كل ذلك ، لم يكن حكماً ديمقراطياً . ومن أجل ذلك فلم يكن يعرف فيه الدستور بالمعنى الذي نعرفه اليوم ، فمن ابتغى الدستور في مستوى الإسلام العقيدي أعياه ابتغاء ، ولم يأت إلا بتخليط لا يستقيم ، وتناقض لا يطرد ، وكذلك فعل دعاة الإسلام عندنا ، وفي الخارج ، ومن ابتغى الدستور في مستوى الإسلام العلمي ظفر به ، واستقام له أمره على ما يجب، وكذلك فعل الجمهوريون) انتهى..
إن دعاة الدستور الإسلامي ، هم الذين يفهمون الإسلام الفهم الواعي ، الذي لا يهدد وحدة الوطن ، ولا يبذر بذور الشقاق ، والفرقة بين المواطنين بسبب اختلاف الدين ، أو العنصر ، أو اللسان ، أو الجنس. ولا بدّ من أن الفهم الإسلامي الواعي سيعم بلادنا، وسيتم على ضوئه وضع (الدستور الإسلامي) ، وعندئذٍ ، يبرز أنموذج الدولة التي تحل في الأرض السلام ، وتغري سائر شعوب الأرض بأن تتخذ من مذهبية الإسلام اسلوباً لحكم مجتمعاتها ، وأن ترتضيها ضابطاً لسلوك أفرادها..

أما الناعقون كالبوم يتعالى صوتهم النحس ، الذي يدعو للفرقة والشتات ، فإنه صوت لا جدوى منه ، ولا بركة فيه.. فلينصرف الناعقون عن هذه الثورة السلمية البيضاء ، وليوقفوا افتراءهم عليها ، وكذبهم ، ومحاولتهم الصاق التهم الباطلة بها وبهتانهم عليها ، إن كانوا يخافون من وعيد الله ، تبارك وتعالى ، إذ يقول : (ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الإسلام؟؟ والله لا يهدي القوم الظالمين)..
إن هذه الثورة هي ثورة قامت ضد تشويهكم للإسلام ، وهي ثورة لا بد من تضع حدا لتجارتكم بالدين ، ثورة تعود بشعبنا للدين الخالص لله ، والله بالغ أمره ، وهو الهادي إلى سواء السبيل ، وهو نعم المولى ، ونعم النصير.

 

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..