مقالات وآراء

عروس الرمال تحتضر !

محمد التجاني عمر قش

أستميح أستاذنا الشاعر الفحل الدكتور محمد الواثق ، رحمه الله وغفر له ، أن استعير عنوان ديوانه “أم درمان تحتضر” لأكتب عن عروس الرمال وهي تمر بهذه المحنة القاتلة التي اجتاحت مدينة الأبيض على حين غفلة من حكومة الولاية والسلطات الصحية في ربوع شمال كردفان. وإذا كانت أم درمان الواثق تحتضر معنويا فإن عروس الرمال قد بلغت مرحلة سكرات الموت والله المستعان. وإن كانت أم درمان قد حط بها الخمول واستحكم الضجر ، فإن الأبيض ، قد حط بها الموت واستحكم المرض ، من صحن مسجدها العتيق وحتى مشارفها ، وليس هنالك بيت أو ساحة إلا وبها سرادق عزاء ، أو تسمع منها نواح ثكلى أو صراخ يتامى فقدوا عزيزاً لديهم. والناس في “أب قبة فحل الديوم” قد انقسموا لفريقين لا ثالث لهما ، فهنالك مجموعة في المقابر تباشر ستر الجثامين وأخرى في ممرات المشافي تمارض المصابين وتجهز من قضى نحبه. وكل ذلك وحكومة شمال كردفان وإداراتها الطبية قد كبلها العجز فصارت كالمنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى.

عروس الرمال مهد السيد إسماعيل الولي ودليل وود أب صفية، تتعرض الآن لأسوأ كارثة صحية في عمرها المديد منذ أن اتخذها المسبعات حاضرة لهم . الأبيض التي مشى في جوانبها عظماء الرجال من أمثال المشير سوار الدهب ، وعمنا ميرغني حسين زاكي الدين وغيرهم كثر ، وشدا في منتدياتها محمد عوض الكريم القرشي ومبدعون كبار من فحول الشعراء والمطربين تمر الآن بفترة عصيبة فقدت خلالها نفرا عزيزا من فلذات اكبادها أمام ناظرها بعد أن ضربتهم حمى الضنك نتيجة إهمال اصحاح البيئة وتراكم القمامة على الطرقات وداخل المرافق الصحية فوجد فيها البعوض الناقل لهذا المرض مكانا مناسبا للتكاثر ثم طفق ينقل الإصابات بلا هوادة ، فعم البلاء وعظمت المصيبة ، وأخذ الوباء في الانتشار! .

الأبيض مدينة الأناقة والجمال والتراحم تحولت بسبب الإهمال والتقصير إلى مدينة أشباح تفوح منها رائحة الموت والحنوط ، ويحزنها عويل الثكالى والمكلومين وأنين المرضى الذين هدهم المرض ، وقضى على أجسامهم ، وهم لا يجدون حتى البندول والمحاليل الوريدية. وما كان ذلك ليحصل لو قامت الجهات المسؤولة عن النظافة والخدمات البلدية بأقل جهد ممكن لمكافحة البعوض وإزالة أكوام القمامة من الطرقات حيث اختلطت مخلفات الخيول والدواب بمخلفات البشر فصارت الرائحة لا تطاق أبداً. وقولوا لي بربكم أي بلد غير الأبيض تتاركم فيه القمامة بهذا الشكل حتى تصبح مهدداً لحياة البشر بما تسببه من فساد في البيئة لا نكاد نجد له مبرراً إلا انعدام الهمة وقلة الذوق لدى القائمين على الأمر في محلية شيكان وهي الجهة المسؤولة عن نظافة المدينة وحمايتها من التلوث البيئي؟ كانت الأبيض حتى عهد قريب مضرب المثل في النظافة والمحافظة على المظهر العام في الطرقات وأمام المنازل على الرغم من شح المياه فيها.

ومن المعلوم أن حمى الضنك هي مرض يُنقل بالبعوض وينتشر في المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية من العالم. وتتسبب حمى الضنك الخفيفة في الإصابة بحمى شديدة وظهور أعراض شبيهة بأعراض الإنفلونزا. ولكن يمكن أن يؤدي أحد أشكال حمى الضنك الشديدة -والمعروف باسم حمى الضنك النزفية-إلى نزيف وانخفاض مفاجئ في ضغط الدم (صدمة) والوفاة. وتصاب ملايين الحالات بعدوى حمى الضنك حول العالم كل عام ، ومع هذا كله فإن هذا النوع من الحميات يمكن مكافحة بكل سهولة عن طريق رش المبيدات في وقت مبكر وقبل تفشيه ، وبنظافة المناطق السكنية من برك المياه الراكدة والأوساخ حتى لا يتكاثر البعوض. ومن الضروري لتفادي آثار حمى الضنك من الاهتمام بالتغذية ؛ خاصة تناول كميات معقولة من الفواكه والحمضيات ؛ حتى ترتفع المقاومة ، ويلزم كذلك استخدام الناموسيات في المنازل عند النوم ورش الغرف بكميات من المبيد.

وإذا عجزت حكومة الولاية ووزارة الصحة على وجه الخصوص عن السيطرة على هذا الوباء القاتل بذريعة نقص الموارد المالية اللازمة فلماذا لا تستخدم أموال نفير نهضة شمال كردفان لتوفير الدعم الضروري للسلطات الصحية والكوادر الطبية في مستشفيات الأبيض العامة والخاصة ؛ علماً بأن هذه الأموال المجمدة ، ظلماً وجوراً، هي ملك خاص دفعها “الكردافة الناس القيافة” من حر أموالهم وبسخاء ورضا من أجل المساهمة في نهضة ولايتهم ، وأي نهضة سوف تتحقق إذا لم نكافح الأوبئة ونوفر العلاج للمرضى ، فالإنسان هو أساس التنمية وهو المستهدف بالخدمات الصحية وغيرها ، إذ كرمه المولى عز وجل.

إن ما حدث من وباء مستفحل في الأبيض يعد كارثة إنسانية بلا أدنى شك وقد كشفت تقاعس حكومة شمال كردفان وعجزها في استقطاب الدعم المطلوب من الحكومة المركزية إن وجدت ، أو من المنظمات الدولية العاملة في البلاد أو من الخيرين ومنظمات المجتمع المدني ، كما عجزت سلفاً في اتخاذ الاحتياطات اللازمة للحيلولة دون هذه الكارثة. وحكومة بهذا الوصف يجب عليها مغادرة المسرح التنفيذي والسياسي ؛ فهي غير جديرة بإدارة دفة الأمور مطلقاً ، ويا أبناء شمال كردفان وبناتها أدركوا عروس الرمال فإنها تحتضر الآن.

‫4 تعليقات

  1. استمر يا قش في التطبيل والتاييد لحكومة الانقلابيين
    لتجني مدنية الأبيض وغيرها من المدن والقري في جميع أنحاء السودان مزيدا من الامراض والمرضي ومزيدا من الجوعي والمعدومين

  2. مرحبا الناظر قش..اتفق معك انها حكومة اقليمية جنازة…وشكرن لك على رفع صوتك عاليا ..رغم ذلك لا يسمعون.. اما قولك “لماذا لا تستخدم أموال نفير نهضة شمال كردفان لتوفير الدعم الضروري للسلطات الصحية والكوادر الطبية في مستشفيات الأبيض العامة والخاصة ؛ علماً بأن هذه الأموال المجمدة ، ظلماً وجوراً”..هل يعرف أحد مكان هذه الأموال ومظانها؟..أنا اعرف انه تم جمعها وانفاقها خارج نظام “دورة المالية” المعمول به في الاقليم..كما تم جمعها ايضا بدون قانون او تشريع..تقول انها مجمدة من جمدها وفي اي بنك؟ وطبعا انت تشير بطرف خفي الى عهد حكومة حمدوك..الواقع انه لا توجد اموال مجمدة او غير مجمدة؟ المطلوب محاكمة المتهم قاتل الاسرى هارون لنعرف حجم هذه الاموال ومكانها..الاموال التي جمعت ظلما وجورا من انسان كردفان..

  3. المصيبة في والي الولاية، لا يهتم بأي شيئ وكلما طلب منه التحرك يتعلل بأنه مجرد والي مكلف؛ طيب يعني والي مكلف لا يتحرك ولا يعمل شيئ ولا يسعى لحل أي مشكلة تواجه الولاية، طيب م تمشي تقعد في بيتك أحسن؛ أبسط حاجة مشكلة المياه ما زالت متفاقمة ويشتري المواطنين المياه من عربات الكارو والتناكر. بصراحة مشكلة الولاية تتمثل في واليها.

  4. ونقول لهذا القش الكوز الطبال ان السودان كله يحتضربسبب فساد وجرم اسيادك الكيزان، بل اصبح السودان كله بيت عزاء يبكي على ابنائه الذين قتلهم سيدك البرهان وفلول الكيزان وعصابتكم الاجرامية. بالمناسبة من هو وزير الصحة الانقلابي الان؟ ولماذا توقفت لايفات امي ماتت قدام المستشفى عشان مافي اكسجين ومرتي وضعت في العربية عشان مافي سرير وحبوبتي ماتت عشان مافي دواء على ايام وزير الصحة الانسان الثوري الاصيل د. اكرم التوم نسال الله ان يفتحها عليه محل مايقبل # كيزان منافقين حرامية.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..