الأزمة السياسية وآفاق الحل…نحو الطريق الثالث (٦-٦)

مجدى عبد القيوم(كنب)
الصراع الدولى على الموارد وتداعياته الإقليمية
الدور الإقليمى فى الشأن السودانى
السيناريو يقوم على انهاء حقبة قوى الحرية بعيد توقيع الإطارى
الخلاف المصرى الإماراتى حول الأزمة السودانية
آفاق الحل فى ظل تطورات المشهد
ما المطلوب من البعثة الأممية لإنجاح مهمتها
مقدمة
يبدو ان الازمة السياسية قد بلغت اعلى مراحلها وهذا يتمظهر فى حالة الانسداد السياسي الذى وسم الساحة ولكن فى التقدير ان هذا الانسداد نفسه هو بداية الطريق نحو حل الازمة الوطنية
معلوم ان السمات الاساسية لفترات الانتقال تتسم بالهشاشة الامنية والأزمة الاقتصادية ومن ناحية اخرى تتصف بتغير التحالفات التاكتيكية وفقا لتناقض المصالح بين الفاعلين السياسيين سيما فيما يعرف بالبلدان الهشة او بيئات ما بعد الحرب.
كذلك ننطلق من تفكيك مصطلحي الثورة وألتغيير ودلالات كل منهما وما يستلزم من برامج وتاكتيكات وتأسيسا على هذا الفهم النظرى نتناول قضايا الانتقال .
نضوج هذه الأزمة وبلوغها لهكذا مرحلة دفعت الفاعلين السياسيين الى اطلاق دعوة للمركز الموحد فهل بالامكان توحيد كل القوي؟ وما هو البرنامج الذى يمكن ان تتراضى عليه جل القوى ويفضى الى حل الأزمة الوطنية؟
السؤال الذى يطرح نفسه بقوة هل الحل فى التسوية التى يتبناها المركزى بصيغة جديدة للشراكة والتى هى فى نظر قطاع عريض اعادة لانتاج الأزمة ام عن طريق ما يسمى بالحل الجذرى الذى يطرحه وتتبناه قوي ثورية اخرى من خارج مظلة قحت؟
فى تقديرى ان هذه الحالة من الانسداد بحاجة الى افتراع طريق ثالث يخرج البلاد من هذا المنعطف الذى دخلت فيه وهذا الطريق يؤسس على فكرة الانتقال الديمقراطى كمنصة انطلاق، كتلة تضم كل القوى التى ادانت الانقلاب وتسعى لتحقيق مدنية الدولة وان تؤطر لذلك تنظيميا بتنسيقية مراكز متعددة وليس مركزا موحدا
_____
قلنا ان الطريق الثالث الذى ينبغى ان نؤسس ونكرس له هو الطريق ما بين اطروحة الحل الجذر والتسوية التى تقوم على المحاصصة السياسية وهو ما اسميناه التسوية التأسيسية التى تعالج القضايا والمظالم التاريخية وان ترتكز على تطبيق العدالة الانتقالية وعدم الافلات من العقاب وانه ينبغى ان تتشكل كتلة عريضة للانتقال من مراكز متعددة يضمها وعاء تنظيمى تنسيقى
نلقى اضواء على البيئة الخارجية المحيطة دولية واقليمية ودورها فى صناعة المشهد الداخلى والتى تشكل تعقيدات لا بد من التعاطى معها بواقعية بالنظر الى عالم اليوم
يبدو للوهلة الاولى للمتابع للمشهد السياسي السودانى انه صار اكثر تعقيدا بالنظر الى تباين المواقف بين الفاعلين مدنيين وعسكريين وبالتالى صعوبة الوصول لحل للازمة الوطنية ولعل التدقيق فى ملامح المشهد والمتغيرات الجارية والمتوقعة يدل على عكس ذلك
قطعا لا يمكن قراءة المشهد الداخلى بمعزل عن البيئة الخارجية دولية واقليمية وتقاطعات الاستراتيجى هنا وهناك سيما ان مجريات الاحداث داخليا تاتى فى سياق تطورات ومتغيرات يشهدها العالم وبالتأكيد تلقى بظلالها الكثيفة على الوضع الداخلى .
معلوم ان جوهر التطورات العالمية ينطلق من الصراع على الموارد فى العالم سيما فى المناطق التى تمتلك محزونا ضخما من الموارد المتعددة سواء المتجددة او تلك التى تنضب سيما الغير المستغلة
الشاهد ان هذا الصراع اقطابه محورى امريكا وحلفاءها والصين وروسيا وحلفاءهم معلومان هذا الصراع بين هذه الاقطاب يمتد الى المحيط الاقليمى عربيا وافريقيا وبالتالى فان وكلاء الاقطاب بالمنطقة يلعبون دورا مهما فى صناعة المشهد فيها وانعكاسات ذلك على الاقليم
والتبيانات بين دول المنطقة تبعا لموقفهما من الصراع على الموارد بين الاقطاب من جانب والصراع الداخلى بين دول المنطقة ولا شك ان مستقبل العملية السياسية الجارية الان والمالات المستقبلية يرتبط وثيقا بذلك لذا نقرأ المشهد الداخلى تأسيسا على هذه الخلفية
قبيل سقوط نظام الانقاذ المباد بثورة ديسمبر ٢٠١٩ بدأ واضحا الدور الذى لعبته بعض دول الاقليم فى ذلك او ما اصطلح على تسميته بدول المحور وان كان الادق المحورين وهما بلا مواربة محورا الخليج المكون من الامارات و السعودية ومحور مصر ومع التباين فى مواقف هذه المحاور الا ان الشاهد ان المحور المصرى كان ولم يزل اكثر قربا لموقف السعودية فى الشأن السودانى بالنظر الى صراع الاستحواز على حركة الملاحة فى البحر الاحمر بين الامارات والسعودية والذى هو نفسه احد تجليات الصراع على الموارد باعتبار انه احد اهم ممرات التجارية العالمية
لم يكن المتابع لمشهد ثورة ديسمبر بحاجة الى كثير عناء ليلحظ بوضوح اصابع دول المحور سيما المصرية والاماراتية فى صناعة المشهد وبدرجة اقل السعودية والذى بدأ اكثر وضوحا فى فترة حكومتى الدكتور حمدوك وتجلى فى محاولات مصر والامارات لعرقلة حكومة حمدوك ومن ثم العمل على اسقاطها حفاظا على مصالح اقتصادية بحتة عبر تحالف مدنى عسكرى ثم لاحقا العمل على افشال اتفاق ٢١ نوفمبر ٢٠٢١ االاطارى بين حمدوك والبرهان بالتعاون مع بعض مكونات قوى الحرية المرتبطة بدول المحور والتى نفذت بالوكالة لا بالاصالة الحملة الممنهجة لتخوين الدكتور حمدوك ووصفه بانه تحول لسكرتير لدى العسكر وان الاتفاق يشرعن للانقلاب وسوقت لخطاب ثورى لا تملك له لا مرجعية نظرية ولا ارث بحكم طبيعتها مستفيدة من موقف الشيوعى الذى دعا مبكرا لاسقاط الحكومة ومن معرفته لشفرة حركة الشارع.
الان تمضى ذات القوى فى ما تسميه بالعملية السياسية لانهاء الانقلاب وهى العملية التى ازالت عنها ورقة التوت وكشفت انها لا تملك قرارها بعد ان تبين انها محض صفقة امريكية رعتها الرباعية يتم التنازل فيها عن بعض مطالب الشارع الاساسية والقبول بترحيلها والاكتفاء بالتفاوض حول اجهزة وهياكل الحكم مقابل منح ضمانات للعسكر
واضح ان المجلس المركزى مضى ابعد من ذلك فى انفاذ السيناريو الدولى وشرع عمليا فى تفكيك تحالف قوى الحرية للتخلص من الحمولة التاريخية الثورية لفتح الطريق امام الصفقة ويمكن الاشارة بايجاز لمؤشرين يدللان على صحة هذا الزعم وهما:-
١/قرار المركزى بان التوقيع على الاعلان السياسي ورؤيته للحل سيكون منفردا بالنسبة للقوى المشكلة له
٢/اعتماد تسمية جديدة للتحالف بعد ضم قوى جديدة
صحيح ان المجلس المركزى مضى باتجاه توسيع قاعدته مرغما بالنظر لعوامل شتى تقتضيها شروط اللعبة لكننا ننظر للنصف الممتلىء من الكوب ونعتقد ان المطلوب منه على ضيق حدود المساحة التى يتحرك فيها وفقا لشروط اللعبة الدولية ان ينفتح على مركز الحل الجذرى ولجان المقاومة وابتداع صيغة علاقة تجعل من اطروحة هذا المركز ظهيرا مساندا لتحقيق اقصى ما يمكن من مكاسب على طاولة المفاوضات باعتبار ان الهدف النهائى الانى هو اسقاط الانقلاب وبناء هياكل الدولة المدنية لا سيما ان هذا ينسجم مع رؤيتها لحل الازمة والتى تقوم على ثلاثة محاور رئيسية هى:-
١/حشد التضامن الدولى
٢/العملية السياسية
٣/الضغط الجماهيرى عبر المواكب السلمية
لذلك لا نرى اى تناقض يحول دون مد الجسور مع المراكز الاخرى التى تنتهج تاكتيكات مغايرة سيما ان الحزب الشيوعى كمركز للحل الجذرى يتجه فيما يبدو من مؤشرات لتعاطى اكثر واقعية مع متغيرات المشهد السياسي.
هذا بالطبع يتطلب تغييرا فى منهج العمل وهذا بدوره لا يتاتى الا اذا تم تغيير الذهنية او العقل السياسي للتحالف ومؤكد ان الشرط الوجوبى لهذا تغيير الشخوص
اننا نرى ان اى حل للازمة الوطنية المتطاولة فى ظل هذه التعقيدات يغفل او يتجاوز مصالح دول الاقليم لن يكتب له الاستمرار حتى وان نجح فى حشد كل الفاعلين الداخليين
ما يعنينا هنا الخلاف المصرى الاماراتى بشأن حل الازمة السودانية واثره فى تعقيد الأزمة وهو خلاف قطعا متصل بتناقض مصالح الدولتين وفى التقدير ان ذلك مرتبط بالتطورات فى ايران والتى ترجح التحليلات انها ستفضى الى نهاية حقبة حكم الملالى ونعتقد ان اهم تداعيات ذلك هى:-
١/ زوال فزاعة الخطر الشيعى
٢/نهاية حرب اليمن
٣/تزايد نفوذ السعودية فى مقابل ضعف النفوذ الاماراتى
هذا قطعا سيضعف دور الامارات فى السودان وتبعا ينعكس على حلفائها الداخليين مدنيين وعسكريين وبالتالى يفتح الباب واسعا امام غلبة النفوذ المصرى فى اعادة صياغة المشهد فى السودان وهذا نفسه العامل الاساسي فى نهاية حقبة المجلس المركزى بالنظر الى ان مصر حسب مطلعين ترى فيه مجرد بوابة للتدخل الاماراتى فى الشأن السودانى ولم تتفطن الى ان كثير من السودانيين يرون انها تناوبت حراسة البوابة مع الامارات.
صحيح ان المركزى لم يستنفذ اغراضه بعد فهناك مرحلة مهمة تستدعى وجوده مؤقتا وهى مرحلة توقيع الاتفاق الاطارى لفتح الطريق امام التسوية قبل ان يصبح من الماضى.
المطلوب
من سخرية القدر ان ترتبط نهاية حقبة المركزى فى السودان بنهاية حكم الملالى فى ايران لتدلل على ان العلة فى الذهنية المنكفئة على ذاتها والتى لا تؤمن بان الشمس تشرق كل يوم من جديد.
اذا ارادت مصر حقيقة ان تلعب دورا هاما فى هذا المنعطف التاريخى الذى تمر به بلادنا عليها ان تتخلص من الذهنية المصرية التاريخية التى تتعاطى مع السودان كحديقة خلفية تقطف ثمارها خلسة وعليها ان تدرك ان مياها كثيرة مرت تحت الجسر ولم تعد اجهزة المخابرات هى النافذة التى تطل بها على هذه الحديقة
لقد جربت مصر مد يدها وحبكت مؤامرة اغلاق ميناء بورتسودان لخنق حكومة حمدوك ودفعت ثمنا غاليا جراء قفل الطريق البرى بينها والسودان.
فى التقدير ان اى اطروحة للحل تقفز فوق الواقع بتعقيداته لن يكتب لها النجاح وينبغى ان تتلافى ثغرات الاتفاق السابق عبر الوثيقة الدستورية
لابد ان تعالج اى اطروحة لحل الازمة السودانية موضوع انخراط حركتى القائد الحلو والاستاذ عبد الواحد فى العملية السلمية وقضايا النازحين فى المعسكرات وكذلك حل النزاعات الاثنية بشكل يمنع تجددها لاحقا فى المناطق التى شهدت توترات سواء فى شرق السودان او دارفور وفى النيل الازرق وجبال النوبة
صحيح ان البعثة الاممية بذلت جهودا حثيثة فى الفترة السابقة من اجل تلمس مخارج حل الازمة المتفاقمة مستعينة بالرباعية وكذلك الاتحاد الافريقى والايقاد وكذلك تحرك السفير الامريكى فى دائرة واسعة شملت تحديدا مناطق النزاعات وواضح ان هناك تناغما بين تحركاته وجهود الثلاثية والرباعية تحت مظلة البعثة الاممية
مطلوب من البعثة الاممية العمل بشكل مكثف لخلق اوسع قاعدة سياسية واجتماعية بحيث تشكل كتلة عريضة للانتقال اذا ارادت ان تكلل مساعيها بالنجاح والشرط اللازم لهذا هو جمع السودانيين على منصة وطنية
لحوار سودانى سودانى يضع فيه كل طرف اوراقه على الطاولة لتكون جزءا من التسوية التى تعيد بلادنا الى منصة التاسيس التى تضمد جراح وطن قعدت به الصراعات وبات على شفاء جرف هار.
مهم لفائدة محللي الصراع السياسي السوداني