مقالات وآراء

الدولة الحديثة نتاج نزعة انسانية لا تتحمّل تلفيق رجال الدين

طاهر عمر

الشعب السوداني ضحية سببها أن نخبه وضعته في خط الحضارة العربية الاسلامية التقليدية التي تقاوم الحداثة بشكل مخيف. وكل جهود مفكريه لا تسير نحو ترسيخ فكرة قيم الجمهورية حيث أصبح الشرط الانساني يحتم بأن تكون مسألة حقوق الانسان هي نقطة المبتدأ وفي نفس الوقت نقطة الوصول كما يقول عالم الاجتماع الفرنسي مارسيل غوشيه أي أن مواثيق حقوق الانسان لم تعد مسألة ممارسة للسياسة بل أصبحت قاعدة الشرط الانساني ولا يعني الشرط الانساني غير السياسة التي عبر فكرة النشؤ والإرتقاء قد تجاوزت كل فكر ينطلق من العرق والدين.
والنخب السودانية لم تتجاوز بعد منعطف العرق والدين  لذلك نجدهم يتخفون حول فكرة إستشارة الشعب أو مؤتمر دستوري عندما يحاصرهم سؤال علمانية الدولة ومسألة فصل الدين عن الدولة. قد أصبح الشعب السوداني في موقع وأصبح الأفق الذي لا يمكن تجاوزه أي مسألة ترسيخ فكرة دولة الحق في الحقوق بعيدا عن أفق لا يمكن تجاوزه بالنسبة للنخب وهو مسألة فكرة الدولة الارادة الالهية.
وبالتالي قد أصبح الشعب السوداني يعاني من غياب شخصية تاريخية تستطيع تجاوز العقل التقليدي الجمعي وبالتالي تستطيع أن تخلق قطيعة مع تراثه وعقله التقليدي الذي لا يظهر على أفقه غير التوفيق الكاذب من نخب تجيد الترقيع كما رأيناهم في تخليد فكر الامام الصادق المهدي كرجل دين قضى عمره في محاولة التوفيق الذي يفتح على التلفيق ما بين الفكر الديني والسياسة والنتيجة كانت إطمحلال فكره لدرجة أنه لم يستطيع التنبؤ بثورة ديسمبر المجيدة بل عندما بدأت عواصفها قد وصفها بأنها بوخة مرقة.
الامام الصادق المهدي بحكم أنه يريد المحافظة على موقع أسرته على رأس طائفة دينية لا يستطيع أن يقوم بدور الخالدين وهو هو مسألة إنزال فكر يقوم على القطيعة مع التراث وهذا يفتح باب ضرر على أسرته كأسرة على رأس طائفة ولكن يفتح باب مصلحة للشعب في مفارقته للعقل التقليدي وهذا يحتاج للحكماء والفلاسفة والأنبياء وقطعا لم يكن الصادق المهدي كامام للأنصار من بينهم.
نضرب مثلا على ذلك يوضح كيف تختلف الشخصيات التاريخية في طريقة تفكيرها ومقارباتها عن تفكير الامام الصادق المهدي مثلا روزفلت لحظة الكساد الاقتصادي العظيم قد أحاط نفسه بمشرعيين في مجابهة لحظة إنقلاب زمان حيث كانت نهاية الليبرالية التقليدية و بداية الليبرالية الحديثة ونهاية فلسفة التاريخ التقليدية وبداية فلسفة التاريخ الحديثة.
أدرك روزفلت أن زمانه يتطلب منه أن يقوم بعمل لصالح الشعب يتعارض مع مصالح طبقته وبالفعل قد أخرج الشعب الأمريكي من لحظة الكساد الاقتصادي العظيم وهذا هو العمل الجبار الذي عجز الامام الصادق المهدي على فعله أي مصلحة الشعب السوداني ولو تطلب الأمر أن يتعارض مع طائفية أسرة المهدي.

قد ساعد الامام الصادق المهدي عاملين على أن يكون فكره فكر تلفيقي لا يجد معارضة من الريادات الوطنية السودانية غير الواعية. عامل خارجي يتعلق بارتباط الشعب السوداني بالعالم العربي والاسلامي المتعثر بحضارته الاسلامية التقليدية المقاومة للحداثة ولم تخرج غير الدواعش كنتيجة لمحاولة بائسة فيما يتعلق بمقارباتها فيما يتعلق بالأصالة والحداثة.
في وقت قد أيقن ورثة عقل الأنوار أن الحداثة واحدة والنور يأتي من الغرب أي من الحضارة الغربية كما يقول داريوش شايغان حيث أصبحت الديمقراطية كثورة بديلا للفكر الديني ولا يمكن المصالحة ما بين الحداثة والاصالة كما يتوهم أمثال امام الأنصار.
المضحك ومبكي في نفس الوقت أن ما يعتقده الصادق المهدي يتطابق مع ما كان يعتقده الكاثوليك في ظنهم قبل قرنين من الزمن بأنهم يستطيعون تطوير الكاثوليكية ويستطيعون الوصول لتحقيق تطبيق الديمقراطية كما يعتقد الصادق المهدي بأنه يستطيع الوصول للديمقراطية عن طريق تفكيره الذي لا يخرج من وحل الفكر الديني.
ولكن قبل قرنيين كان توكفيل في مواجهة مع الكاثوليك والكاثوليكية وقد أوضح لهم بأن الديمقراطية هي بديلا للفكر الديني أي دين فمن من النخب السودانية يلعب دور توكفيل في مواجهة كاثوليكية الامام الصادق المهدي؟ وقد رأينا تهافتهم في تخليد فكره.
وتوكفيل عندما يتحدث عن أن الديمقراطية قد أصبحت بديلا للفكر الديني كان يرى التحول الهائل في مفاهيم البرجوازية الصغيرة فيما يتعلق بمسألة المسؤولية الاجتماعية نحو الفرد وقد تطورت الى أن أصبحت نواة فكرة الضمان الاجتماعي. وقد طبقها بإدراك ووعي بعده بقرن من الزمن روزفلت وهو يواجه مشكلة الكساد الاقتصادي العظيم.
قرنيين من الزمن قد انقضيا منذ لحظة ميلاد أفكار توكفيل وملاحظاته عن فكرة المسؤولية الاجتماعية نحو الفرد ولم تطور الأحزاب السودانية فكرة المسؤولية الاجتماعية نحو الفرد حيث تصبح فكرة الضمان الاجتماعي مركز الدائرة وتصبح مسالة مجانية التعليم والعلاج المجاني كما نجده في أغلب دول الغرب مسألة مفروغ منها وبجانبها مسالة الحد الأدنى للدخل ويقابل المحافظة على كرامة الانسان.
ما أود أن أقوله مسألة ميلاد دولة حديثة في السودان تحتاج لتحول هائل في مفاهيم النخب السودانية ولا يكون ذلك باليسير بغير خروجهم من أحزاب وحل الفكر الديني وتحطيمهم للأصنامهم الذهنية المتمثلة في المرشد عند الكيزان والامام عند الانصار ومولانا عند الختمية والاستاذ عن أتباع النسخة الشيوعية السودانية.
وعندما نقول دولة حديثة نعني التحول الاجتماعي الذي يفتح على تحول ديمقراطي ولا يكون في ظل أحزاب وحل الفكر الديني. قد حان الوقت بأن تدرك النخب السودانية أن الديمقراطية تعني بديلا للفكر الديني وبالتالي لا يمكننا الخروج من حالة الكساد الفكري السائد بغير فك إرتباط ثقافتنا من ثقافة العالم العربي والاسلامي التقليدية الذي قد ظل منذ قرن مع فكرة مقاربة الحداثة والاصالة وقد جاء الزمن الذي يجب أن تعرف فيه النخب السودانية بأن أفكار الامام محمد عبده قد أصبحت امام الرياح هباء.
الفرق بين النخب السودانية الفاشلة والشخصيات التاريخية أمثال روزفلت أن النخب السودانية أسيري وحل الفكر الديني ويشغل ضميرهم ايمان تقليدي يشغل أكبر المفكرين السودانيين بفكرة الخلاص الأخروي في وقت قد توصلت الانسانية بأن مسألة الدين شأن فردي بين الشخص وربه بعيدا عن تجار الدين وأن المفكرين والفلاسفة منذ أماد قد توصلوا لفكرة أن الدين ظاهرة اجتماعية وفي ظل الظواهر الاجتماعية يفترض الفلاسفة والمفكرين أخلاقية وعقلانية الفرد.
ما أحوجنا للمفكرين يفارقون طريق المؤرخ التقليدي السوداني والمثقف التقليدي والمفكر التقليدي في وقت قد توصل فيه الفلاسفة والمفكرين لمسألة فصل الميتا عن الفيزيقيا وبالتالي فصل الدين عن الدولة دون خوف النخب السودانية وتخفيها خلف جدار التأجيل واستشارة الشعب أو الإرجاء لمؤتمر دستوري. ان الشعب في شعار ثورة ديسمبر قد أوحى لكم بأن الحرية هي قيمة القيم وبالتالي لا يمكننا التحدث عن الحرية ونحن نرز تحت قيود الفكر الديني.
الدولة الحديثة هي نتاج فكر ذو نزعة انسانية نتاج تجربة الانسان وفقا لعقله البشري وضمير الوجود وبعيد عن أكاذيب رجال الدين من كل شاكلة ولون.

[email protected]

‫2 تعليقات

  1. يا ريت كل السودانيين يعرفوا هذه الحقبقه لا يوجد مجتمع خالى من الفضيله او من الخطيئه ثوبو الى رشدكم شوفو السودان بقى كيف من اللاهوتيين والزنادقه شئ لا يصدق حتى الخلاهو لينا المستعمر ما قدرنا نحافظ عليهوا

  2. أنت يا كاتب المقال انتظر النور الذي تقول انه سيأتي من الغرب ونأمل أن لا يطول انتظارك، أما نحن فقد أتانا النور قبل ١٤٠٠ سنة ببعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ولا نريد أي نور اخر من الغرب.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..