مقالات وآراء

إلى ذات الدرع الأبيض في أوجه اللئام!

 

بثينة تروس
إن شعار اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة في الفترة بين 25 نوفمبر حتى 10 ديسمبر لهذا العام هو (اتحدوا! النضال لإنهاء العنف ضد المرأة)، ولقد صرح الأمين العام للأمم المتحدة (أنطونيو غويتريش) في كل (11) دقيقة تقتل امرأة أو فتاة على يد شريك أو أحد أفراد الأسرة، وفي ساحتنا السودانية تخصيصًا، يضاف إلى ذلك عنف الدولة، مع غياب تام للعدالة، وحقوق الإنسان، وانعدام للأمن، تحت ظل دولة بلا حكومة لأكثر من عام، يتشيطن فيها العسكر والمدنيون حول لعبة كراسي السلطة. وتتصدر أجهزة القمع الأمني، إدارة دفة العنف الممنهج ضد المتظاهرين السلميين. والشاهد أن شعار حملة ال 16 يوم لإيقاف العنف، في أصله يعني معركة النضال من أجل الحكم المدني، ففي ظل الحكم المدني تتاح السبل للمجتمع لتنمية الوعي، وتطوير مقدرات أفراده بأهمية حقوق المواطنة المتساوية، وإزالة التمييز بين الرجال والنساء، وحفظ كرامتهن، واحترام حريتهن، عن طريق التعليم، وورش العمل الميداني وسط عامة الشعب في الأرياف والمدن، وإطلاق الحريات العامة لخلق رأى عام مستنير يعين على ايقاف العنف ضد المرأة، وبالحد من الإرهاب الديني المسنود بكهنوت رجال الدين، الذي يفرض سلطات تشريعية على نظام الدولة، فتعنف بهن بسبب مخالفة الزي، وحجج قوانين مخالفة الآداب العامة، التي تُركت طوال فترة حكم الإسلامويين لتقديرات وأهواء رجال الشرطة، وقصور الفقهاء، تحت شعار تطبيق (قوانين الشريعة الإسلامية) التي لا تساوي بين الرجال والنساء، وفيها مطلق رجل هو وصي علي مطلق امرأة، وبحسب تجارب تطبيقها في دساتير الدول الإسلامية، لم تتعد حد الاجماع على (قوانين الأحوال الشخصية) المجحفة والمجهضة لحقوق المرأة، والتي تصادم التطور الإنساني لحاضر المرأة، بعضد من عنف مرتكز على سلطة ذكورية، داخل أنظمة مجتمعات قبلية عشائرية عجزت عن مواكبة مكتسبات المرأة المعاصرة.
لقد قمت بعمل ترجمة خاصة لمقابلة أدارتها سارا سيدنر كبيرة المذيعين بقناة (سي ان ان) الأمريكية، مع سيدات معروفات عالميًا نلن حظًا عظيمًا من الشهرة والتعليم والثراء، ولا يزلن يناضلن من أجل تمكين النساء في الأرض، ورد حديث سارا عن نفسها: (يتملكني شعور معذب ألا وهو التشكيك في ذاتي، وهو شعور ليس بمستوطن، لكنني قد تعبت منه، فهو يتسلل أحيانًا كثيرة، كحشائش الطفيليات، فيخنق فيّ الإبداع والأصالة، والأفكار الخلاقة، والأهم من ذلك جميعًا الثقة في نفسي! إحساس قاسي ومجحف، يهمس في دواخلي أنني بغير انتماء، وبلا إنجاز، بل أنا مسخ لا يعترف بالإنجازات، يخبرني أن الذي حققته هو ليس ملكي، بل هو ضربة حظ، أو ملكًا لشخص آخر مبدع). وواصلت المذيعة المخضرمة قولها (وحين يهزمني ذلك الشعور حد العدم، اختفي في الغياب، وثمة شيء ما بداخلي يقفز بي إلى الأعلى، لأقاتله واقف بشراسة الجحيم ضده. هذا هو الشيء الذي حررني من قبضته. لقد خدعت نفسي حتى اَمنت انني وحيدة في هذا الصراع، لكن يبدو أن الآخرين كذلك يعانون)..
وهكذا التقت بكل من ميشيل أوباما، ميلاندا غيتس وأمل كلوني، للإجابة عن سؤال هل سبق أن تم التشكيك في قدراتكن! أو استضعافكن؟ السؤال في حد ذاته استراق سمع قرآني (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين) المرأة هي أكبر من استضعف على وجه هذه الأرض، لذا فإن المحاربات من أجل قضيتهن هن أولى بالاتحاد من أجل انهاء العنف ضدهن، أين كن وكيفما وُلي وتُسلط عليهن. لذا يهدى هذا الوعد القرآني وهذا الحديث من بعض قائدات الرأي في الولايات المتحدة الأمريكية إلى شابة (كنداكة) وقفت وحيدة بملوكية، ووجه شامخ، مشرئب من على درع ابيض تحمله بيدها، وترتدي ألوان الحرية، وثقة مطلقة في تحقيق المطالب، يخيل إليك أنها تقود خلفها آلاف الجيوش، وقفت حذرة باطمئنان في مواجهة بطش جيوش العسكر واللجنة الأمنية اللئام في حكومة الجنرال البرهان، صبيحة تظاهرات 30 يونيو 2022.. لست وحدك!
علقت ميشيل أوباما المحامية خريجة هارفارد (إن المجتمع يعمد إلى فعل ذلك عن قصد بالنساء والفتيات، وذلك يبدأ في سن مبكرة جدًا، فنشكك في ذواتنا وقيمتنا، ونتساءل كيف نبدو، كيف نتحدث، من أين قدمنا، إن هنالك أناس يمتلكون السلطة، يحرصون على أن نظل صغارًا، يحرصون على أن نظل في حالة شكوك، وبالتالي ثقافتنا ذاتها تعمل على الاستحقار والتعالي علينا). وتابعت (وصيتي للشابات أن يستيقنن جيدًا أن ما يشعرن به هي مشاعر حقيقية وليست جنون، لقد تم تطبيعها فينا جميعًا ونحملها معنا طوال حياتنا. ولا يهمني إلى أي مدى نبلغ في حياتنا، وإن ذهبت للبيت الأبيض، ستظل تقاوم باستمرار تلك الرسائل السالبة التي تقول بأنك ليس كافيًا! نعم أنا أواجه ذلك أيضًا)..
وجاء تعليق ميلاندا فرينش غيتس (في تقديري من المهم أن نقول لجميع الفتيات بإمكانكن أن تكن أي شيء ترغبن فيه، بإمكانكن أن تصرن أمهات، أو أمهات عاملات، أو امرأة عاملة وليست أم، او تفضل أن تكون أم في المنزل.. جميع تلك الخيارات لا بأس بها). ثم ذكرت تجربتها في تذكير نفسها البالغة من العمر 25 عاماً حينذاك (إنك كنت تعلمين نفسك جيدًا حين كنت في المرحلة الثانوية، ثم تخليتي عن الكثير من تلك المعرفة، لأسباب عدة، منها مواقف، الكلية، أشخاص حولك، انت تدركين من كنت! وبمجرد أن تتعلمي كيف تعودين لتكوني تلك الفتاة بالمدرسة الثانوية، حينها سوف تصبحين تلك المرأة الكاملة). كما تحدثت عن حملات التشكيل في مقدرات المرأة، أمال كلوني اللبنانية الأصل التي هاجرت إلى أمريكا إبَّان الحرب الاأهلية بعمر 15 عامًا، واختارت طريق العدالة، لتصبح محامية شهيرة في قضايا الإبادة الجماعية، وجرائم الحرب، والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، واشتهرت بملاحقتها الجناة بنفسها. (أود أن أقول تعريفي للفشل هو عدم المحاولة، لأن النهوض الحقيقي من أجل الأشياء، حتى لو أدى إلى سقوطك مستويًا على وجهك، هو أمر جيد، لأنها تُحسب تجربة عملية سوف تجعلك أقوى، أما إذا لم تقم بالمحاولة، أو تسعى لتحقيق أحلامك، أو حتى الاعتراف بها، والمضي قدمًا في تنفيذها، فهذا شيء سوف يحيك في نفسك.. انتهي). إن أمر الوحدة للقضاء على العنف ضد المرأة، هو واجب الرجال والنساء معًا، في ظل ظروف اقتصادية واجتماعية بالغة التعقيد في جميع أنحاء العالم اليوم، لذلك لا يعقل أن تستمر الدول في تشريع قوانين في دساتيرها، من أجل تعويق التنمية والرخاء والعيش الكريم، باستعداء نصف سكان العالم (النساء).
الميدان
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..