إنهاء الانقلاب … الجيش في مقدمة الكاسبين

أنفاس الفجــــر
عوض الباري محمد طه
بعد عام وشهرين عاد البرهان لنفس المكان الذي بدأ منه انقلابه قبل 14 شهرا !!! في حاله تحكي تماما نكته ذلك الذي كان يجلس في غرفته وجاء طائر ودخل من الباب وخرج من الشباك ، فسأله في سخريه ماذا فعلت ؟؟ أو عملت شنو يعني ؟؟ كما تُحكي الطرفة .
الاعتراف الضمني بخطأ المؤامرة الانقلابية جاء من البرهان بقبول الاعلان السياسى وإعلان خروج الجيش من المشهد السياسي والى الأبد ، أما نائبه حميدتي فقد اعترف صراحة لا ضمنا أن إجراءات 25 أكتوبر كانت خطأ سياسيا .
ورغم ان انقلاب 25 أكتوبر كثير المساوئ التي لا تحصى ولا تعد وفي مقدمتها انه أودى بحياة 121 ثائرا وثائرة غير المئات في مناطق دارفور والنيل الأزرق ولقاوة وغيرها كما انه صفًر عداد الفترة الانتقالية لتبدأ من جديد ولمدة 24 شهرا بعد تعيين رئيس الوزراء ، إلا انه أصبح محطة تاريخية سياسية في السودان سيكتب التاريخ فيها أن الشعب السوداني وفي مقدمته لجان المقاومة أصبح رافضا وبشكل إجماعي الانقلابات العسكرية وبهذا تكون قد اندثرت الدائرة الجهنمية لدورة العسكر والديمقراطية المتعاقبة في السودان منذ استقلاله ، كما أن الإعلان السياسي الذى وقع علية قائد الجيش وصاحب آخر تجربه إنقلابيه ، يجرم ويمنع بشكل صريح الانقلابات العسكرية واستغلال ضباط الجيش من قبل القوى السياسية لإحداث التغيير القسري في السودان لا سيما وان قائد الجيش الانقلابي قال بقاعة البقعة في القصر الجمهوري عقب التوقيع العسكر للثكنات والأحزاب للانتخابات .. وعبارة العسكر للثكنات مع حلً الجنجويد مطلب ثوري ظل يردده الشارع 14 شهرا ووصل الى مسامع الجيش وقائده وقادة الجنجويد وهذا انتصار كبير للثورة التي لم تكتمل فصولها بعد .
مهما يكن من أمر فإن الحق أبلج والباطل لجلج وهو درس مجاني لمراهقي السياسة ومن يسمون بالخبراء الاستراتيجيين و(لاعقي البوت) ولمن وقفوا دون حياء يهتفون أو يتفوهون بتفويض الجيش لاستلام السلطة أو يساهمون في تهيئة المسرح للانقلاب كما فعل كثيرون يعتبرهم من خلفهم أنهم قادة واليوم لم يجدوا أمامهم غير صب جام غضبهم على البرهان وحميدتي !! والذي لا يعلمه هؤلاء ان البرهان وحيدتي أنفسهم مكرهين لا أبطال.
إن ذهاب الجيش للثكنات فيه إعزاز وتكريم واحترام للجيش وحفظ لكرامته وكرامة ضباطه الإبطال ، والحفاظ عليهم وعلى مهنيتهم وعلى قادة الجيش عموما فهم أبناء السودان وصمام أمانه ، والقوات المسلحة طيلة تاريخها لم تستفد من تجربة انقلابية واحدة رغم كثرة الانقلابات في السودان ومن يقرأ كتاب (الانقلابات العسكرية في السودان) لكاتبه محمد محمد احمد كرار يتأكد تماما من ذلك ، فكم من ضباط القوات المسلحة الشجعان اعدموا او قتلوا أو اغتيلوا أو أقيلوا أو تم التخلص منهم أو إعفائهم من الخدمة رغم قدرتهم على العطاء ، وذلك بسبب الانقلابات العسكرية ابتداء من 17 نوفمبر 1958م وحتى 30 يونيو 1989م وبعدها 25 أكتوبر 2021م ، وإذا ما قدر لهذا الإعلان السياسي الموقع أخيرا في 5 ديسمبر 2022م أن يكون نواة لدستور السودان الدائم فسيكون ذلك آخر أحزان السودان والقوات المسلحة وسببا مباشرا في تطورها عندما تختفي الخلايا السياسية في ثكنات الجيش وتبتعد القوى السياسية عن معسكراته حينها سيكون حامي البلاد وعقيدته القتالية تتمحور حول حماية الأرض والعرض ويرتبط بالشعب دون ارتباط مباشر بالسلطة التي هي (ضل ضحى) .. وعندها يصبح الجيش السوداني جيشا قوميا وطنيا واحدا حينها لن يسمح الجيش نفسه بوجود ميليشيات موازية له تنتقص من سيادته أو تهدد امن المواطن السوداني ، وهذا هو أصل الدولة واصل السلطة التي يعًرفها الأكاديميون بأنها الاحتكار الفعلي لأدوات العنف في المجتمع .
الله يدينا شي من تفاؤلك الواسع ده.