مقالات سياسية

التسوية ربما  تكون هي الفرصة المناسبة للتوافق على سودان مستقر

منير التريكي

في المقالين السابقين ذكرت بعض الحقائق . يمكن تلخيص هذه الحقائق ثم الإضافة اليها.
الحقيقة الاولي هي أن السودان قطر كبير ومترامي ومتنوع . هذا التنوع نتاج أعراق وبيئات ومناخات وثقافات مختلفة. بلد كهذا لا يستطيع حزب واحد أن يحكمه بمفرده. الحقيقة الثانية هي ان الإنقلاب الأخير يبدو ضعيفاً ومعزولاً لكنه مسنود من الإنتهازيين  وجهات خارجيه لها مصالح كبرى . مصالحها  الضخمة ينفذها الانقلابيون مقابل تثبيتهم في الحكم.  قادة الإنقلاب يشترون الوقت الثمين بالمماطلة لتثبيت أركانه. الحقيقة  الثالثة هي أن هنالك نخب يتقاصر فهمها عن أهمية حماية وتنوير وتطوير مجتمعاتها. الحقيقة الرابعة هي إرتباك القوى السياسية في تحديد أولوياتها وكيفية تنفيذها . الحقيقة الخامسة هي ان القوى السياسية تدير معاركها مع خصومها الإسلامويون بقواعد الفضيلة التي لا يلعب بها خصمهم .مثل من يلعبون كرة القدم بملابس السهرة. الحقيقة السادسة عدم توافق القوى السياسية الأخرى على  نقاط ثابته تخرجهم من خندق الدفاع إلى ساحة الهجوم. الحقيقة السابعة لا تجيد القوى السياسية الإستفادة من مواردها جيدا وفي الأوقات المناسبة. كما لا تجيد كسب حلفاء استراتيجيين يساعدونها في تحقيق اهدافها . نجدها بمثاليتها تحول الحلفاء  المحتملين  إلى أعداء  مؤكدين.  هكذا بإيعاز خفي وبلا وعي ظلت تقدم هدايا قيمة لخصمها . الخصم الماكر ظلت يدفعها لرفع سقوفات أهدافها للحد الأعلى  بينما يحقق هو الحد الأدنى بسهولة ويواصل تنفيذ أجندته وبناء تحالفاته . يعتمد الخصم الماكر على  معلومات دقيقة. تسلل الإسلامويون  منذ سنوات عديدة إلى مواقع حساسة. استغلوها لتنفيذ أجندة سيئة. نكلوا بالخصوم السياسيين. انتهكوا خصوصياتهم مستغلين موارد الدولة. مارسوا قسوة وتشفي لم يألفهما السودانيون. وصل الأمر إلى حد توظيف كتيبة إلكترونية . يمكنكم تصور مهامها.
مواصلة اضيف الحقيقة الثامنة. وصلنا إلى هذا بسبب الادارة السيئة  والظلم والانتهازية والمكر السيئ للإسلامويين بحكمهم المباشر وغير المباشر. هم  أكثر تنظيم حكم السودان منذ الإستقلال. حكموا في الإنقاذ البائدة تلاتين سنة ومع نميري آخر ثماني سنوات و شاركوا في الفترات الإنتقالية وحكموا بإستغلال الأحزاب التقليدية . طوال الوقت كانوا يظلمون ويفسدون ويدمرون ويخربون. يصارعون طواحين الهواء ويصنعون أعداء وهميين ويبددون الموارد اثناء ذلك. دمروا البيئة بالتعدين العشوائي وحاربوا الزراعة بالرسوم العالية والتجارة بالضرائب غير العادلة واغلقوا كثير من المصانع بإستيراد السلع الرديئة للإستحواذ على الدولار . ونتيجة لفسادهم وظلمهم تضررت منظومة القيم. لكن لماذا يفعلون ذلك؟ السبب الاول هو الغفلة الشديدة التي تجعلهم ينغمسون كلياً في جمع المال وتكديسه . غيروا العملة اكثر من مرة واخذوا أراضي وممتلكات الناس بورق ملون . ثم لم يكتفوا بما اخذوا وكنزوا إتجهوا للعملات الاجنببة فضاربوا فيها وجمعوها وهربوها وكدسوها في بنوك خارحية . هم يفعلون ذلك بتبريرات يخدعون بها انفسهم قبل غيرهم . يظنون انهم اكثر تديناً من غيرهم وانهم بذلك يستحقون أن يأخذوا هذه الأموال . لنفهم الحالة يجب وضع الحصان امام العربة. كثيرون يعتقدون ان الإسلامويين متدينون فسدوا . لكن فكروا قليلاً في انهم فاسدين تأسلموا .  هكذا يمكن نساعدهم في فهم مواجهة انفسهم . أيضاً من المهم جدا تحرير الكثيرين منهم من أسر طاعة التنظيم والبيعات والتبعيات والفكر الإيحادي والعدائية التي تكفر الآخرين وتشيطنهم . الإسلامويون فيهم خبرات وكوادر ومهنيين مهرة. كثيرون منهم تعلموا الحلاقة في رأس الشعب السوداني. إقصاؤهم كلهم يعني أن نصبح مثلهم . أن نحرم السودان من خبرات مهمة. لكن إن قلنا لهم اذهبوا فانتم الطلقاء فقد هزمناهم بمنهج يظنون أنه منهجهم وحدهم .
أقول في الحقيقة التاسعة ظل الجيش يمثل الشعب السوداني بأطيافه المختلفة حتى تغلل الإسلامويون فيه بنهاية السبعينات في النصف الثاني لنظام مايو. ثم بدا لونه يتغير تدريجياً حتى صار الآن حزبياً إلا قليلا .  لكن الأسوأ سيتم لاحقاً. ظلت الاستخبارات العسكرية  السودانية جهة قومية محايدة ومتفانية في عملها. كانت تقوم بعمل رائع في الحفاظ على وحدة السودان. تحصن البلاد بالقراءة الذكية للأحداث وتبادر بالتوقعات الصحيحة والتحركات السليمة والتنسيق المثمر . تمد السياسيين بالمعلومات المهمة وبنصائحها المدروسة . كما كانت تقوم بدور في منتهى الأهمية . كانت تراقب أجهزة الدولة الأخرى وتحمي المواطنين اذا  إستغل الرسميون نفوذهم . بقرار غريب تم ضم الاستخبارات العسكرية لجهاز الأمن وليس العكس . تم تجنيح الاستخبارات العسكرية وتقليص نفوذها فاصبحت أشبه بإدارة في جهاز الأمن . واقعياً وعملياً ومنطقياً  الجيش هو الأخ الأكبر  لكل القوات الأخرى . نقول ذلك كقاعدة عامة. إذن لابد من إستقلالية المخابرات العسكرية لضمان المزيد من الأمان والعدل والحريات في مواجهة عسف الأمن والشرطة والدعم السريع وجيوش الحركات. كما التطورات حولنا تستدعي مواكبة ومتابعة واعية. بتصحيح وضع المخابرات العسكرية ودعمها بالتقنية والكفاءات نرجو الله أن ينصلح حال الجيش كله.
الحقيقة العاشرة هي ان الجميع  يعرفون ان التسوية ليست هي الخيار الأفضل. لكنها في الوقت الحالي افضل الخيارات السيئة . حالة اللا حرب واللا سلم واللا عمل واللا إستقرار واللا حوار هي حالة استنزاف لكل الأطراف وهي تسبب خسائر كبيرة ومتواصلة للسودان أولاً وأخيراً . التسوية في أسوأ حالاتها هي هدنة يجب أن يستفيد منها الجميع في ترتيب أوراقهم وبناء كياناتهم وتطوير قدراتهم وتنقيح وتطوير افكارهم ونشرها. مهمة التسوية الأولى هي التَقِّوي ببعض وسد الثغرات حتى لا ينفذ منها (الخارجي) ويمرر أجندته . جهات خارجية لها مصالح مباشرة في السودان. الإستقرار والديموقراطية والقادة الأذكياء هم ألد أعداءها . برغم إختلافنا مع حمدوك في بعض التفاصيل إلا أنه كان ذكياً يعرف جيدا كيف تجري الأمور فوق وتحت الطاولة . حمدوك يعرف مصلحة السودان على  المدي القريب والبعيد لهذا السبب حاربته جهات خارجية بأيدي سودانية. بعضها انتهازي واغلبها بغير إدراك . مالم ندرك جيدا صالحنا من طالحنا سنظل نهدر الفرص الثمينة لصالح الغير .
في الحقيقة الحادية عشر نقول انها ربما كانت آخر فرصة للجيل القديم كله. نرى  الإسراع  في تكوين وحدة مركزية قابضة. وحدة متجردة تمثل كل فئات السودان. مهمتها تحديد الأولويات وتنفيذها . متابعة ومعالجة مستجداتها . مجموعة مختارة  بحسب مواقفها الوطنية المخلصة للسودان وليس لجهة بعينها .  الفرصة الحالية  يجب استغلالها كأفضل ما يكون. فرصة لطي صفحة السياسة المرتبكة منذ الإستقلال. التوافق على تسليم الحكم للجيل الثوري . تفرغ الجيل السابق لكتابة المذكرات العامرة بالخبرات وتزويد الثوار بالتوصيات و الإقتراحات .

وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضي.

‫2 تعليقات

  1. لماذا نلجاء للخيارات السيئة وما الذي يجبرنا ان نتكي عليها لو كنا نؤمن بانفسنا وحقنا في حياة كريمة ياخي يقرر مصير بلد بربما والله عيب البلد طول وعرض و 40 مليون مواطن ما ممكن تدار بربما ولايمكن السودان والسودانيين يكونو حلقة تجارب لمستجدي السياسة الانسان المسؤل لابد أن يكون مؤمن بنفسه و شعبه لا يتخذ قرار الا بعد أن يشبع الموضوع دراسة ويكون متأكد اكثر من 90% و ال 10% تترك ليس للشك وانما للحصافة لتوضع عليها خطة 2 وعليها توضع خطة اخرى ثالثة انها خطة توضع ضد العوامل الطبيعية او الخارجة عن الإرادة اما جماعة ربما صابت أو خابت وكأنهم يجلسون في صالة قمار هذه قمة الخيانة للوطن

  2. التسوية حصلت قبل فض الاعتصام وبعد فض الاعتصام وحاليا تحصل للمره الثالثه.. الحيحصل انو العسكر حيخلق أزمات مره ثانيه عشان يحملوها للأحزاب وحيعملو انقلاب للمره الرابعة.. دي تسوية فاشلة.. والأحزاب فقدت الشارع خلاص.. البيباري الشارع ما بيتوه

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..