الاتفاق السياسي الإطاري …. كوة جديدة نحو الصراع !

محمد التجاني عمر قش
وقع مجلس السيادة في السودان اتفاقا إطاريا مع بعض الأحزاب السياسية والجماعات المتحركة في الساحة السودانية ، وذلك من أجل التحول الديمقراطي والحكم المدني عقب فترة انتقالية لمدة سنتين ، تجرى بعدها انتخابات عامة يشارك فيها كل من يرتضي هذا الترتيب ! ومن أجل استطلاع رأي بعض الأشخاص المهتمين بهذا الأمر طرحت السؤال التالي : هل تعتقد أن الاتفاق السياسي الإطاري سوف يضع حداً للصراعات السياسية في السودان أم أنه بداية لمرحلة جديدة من التشرذم والاختلاف يا ترى؟ .
ولقد جاءت معظم الردود مؤكدة أن هذا الاتفاق لن يضع حداً للاحتقان السياسي القائم ، فهو ليس اتفاقاً بالمعنى المفهوم للكلمة وإنما هو مجرد إطار سياسي مفتوح وقابل للحذف والتعديل ، كما أنه غير مسنود جماهيراً وأن أغلب الموقعين عليه من الجماعات والأطراف السياسية لا يملكون تفويضا في هذا الصدد ، أو أنهم معزولين سياسياً ولذلك لا يمثلون إلا أنفسهم أو أنهم مجبرون على قبول هذا الإطار إما لمنافع شخصية ، أو بضغط دولي ، أو إقليمي . ويضاف إلى ذلك أن فقرات كثيرة في هذا الاتفاق تتصادم أو تتعارض مع قيم ومعتقدات المجتمع السوداني وثوابته ! .
ويرى البعض أن الاتفاق يمثل بداية لمرحلة جديدة من الفوضى الخلاقة ، كما يسميها الأمريكان ، واضعين في الاعتبار ما حدث في العراق بعد تحكم بريمر في الشؤون السياسية في أعقاب سقوط نظام حزب البعث . وتكرر ذات المشهد في ليبيا بعد انهيار نظام العقيد معمر القذافي ، ولنا العبرة والعظة مما يشهده اليمن السعيد الآن من دمار وغياب تام للسلطة جراء سقوط حكم علي عبد الله صالح . والسعيد من اتعظ بغيره . ولا ننسى أن السودان تحدق به أطماع تهدد وجوده كدولة موحدة وذات سيادة ، فهنالك من يريد تمزيق التراب السوداني ، ومن يسيل لعابه على مواردنا الطبيعة بما في ذلك الكامنة تحت الأرض من ذهب ومعادن ونفط ، وما هي فوق الأرض من مصادر زراعية وموانئ وخيرات أخرى كثيرة ، وهم لذلك يسعون عبر عملائهم من حملة الجوازات الأجنبية لإيجاد نظام يخدم مصالحهم دون مراعاة لمصلحة الشعب السوداني . ولهذا السبب انتدبوا فولكر ، هذا الألماني المختص في تدمير الدول ، وتحت غطاء أممي ، وفقاً لخطاب مشبوه لم تخطه إيد سودانية ولم يستشار فيه الشعب وإنما دبر أمره بليل .
وما الذي يميز الموقعين على هذا الاتفاق الإطاري ويجعلهم ينوبون عن الشعب السوداني في التوقيع على هكذا اتفاق معيب لكي يصبح المنفستو السياسي الذي يجب أن يستهدي به كل الفاعلين في المسرح السياسي في البلاد؟ ثم لماذا ينتفش فولكر بأنه وضع اللبنات الأولى للاستقرار في السودان وهو يعلم أن ما قام به قد ينسف كافة فرص الوفاق بين مختلف الفرقاء السياسيين ؛ لأن ما جرى التوقيع عليه ما هو إلا دس للسم في الدسم سيما وأن هذا الاتفاق لم يأخذ بعين الاعتبار المشاكل الأمنية للسودان ولا يراعي المصلحة الوطنية العليا؛ خاصة وأنه قد أقصى كتل سياسية كبيرة ولها دور مشهود في العمل السياسي.
لقد غاب عن حفل التوقيع شخصيات وكيانات عريقة بينما كان الوجود الأجنبي مخيفا للغاية علما بأن كل هؤلاء إنما يسعون لتحقيق مآرب هي بكل تأكيد ليست من مصلحة الشعب السوداني المغيب تماما عن هذا التوجه الذي سوف يقود البلاد نحو الانهيار المحتوم ولهذا فإن بعض المراقبين يرون أن الاتفاق يفتح كوة نحو الفوضى والتفلتات الأمنية في الشارع السوداني وقد تكون النتيجة انقلاب عسكري يدخل الوطن في دوامة جديدة من التجاذب والتناحر الذي قد يصل مرحلة الاحتراب ، ولات ساعة مندم.
أما الذين يؤيدون الاتفاق ، وهم قلة ، يبدو أنهم قد نسوا تجربة قحت السابقة في حكم البلاد وما شابها من فشل ذريع؛ حتى اضطر الدكتور حمدوك لمغادرة منصبه بعد أن تأكد له أن قحت لا تملك برنامجاً سياسياً لإدارة شؤون الحكم بل كانت ترفع شعارات رنانة من قبيل “حرية – سلام – وعدالة” من أجل تحريك الشارع ، ولكنها بعدما آلت إليها الأمور عجزت عن تحقيق الوفاق بين مكوناتها المتشاكسة ، مما حدا بالعسكر للانقلاب عليهم بحجة الحفاظ على أمن البلد ولكن ذلك لم يتحقق.
ومن الملاحظ أن من الذين لم يوقعوا على هذا الاتفاق الحزب الشيوعي السوداني الأب الشرعي لكثير من مكونات قحت ! وهذا لوحده يكفي أن يكون سبباً للشك في ديمومة هذا الاتفاق الذي سيجد معارضة شرسة من أحزاب اليسار بمختلف مساميتها . ولا ننسى أن بعض الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق سلام جوبا قد نأت بنفسها عن المشاركة في هذا الاتفاق المشكوك في أمره . وإذا كانت هذه مواقف بعض المكونات السياسية التي تدعي أنها قادت الثورة وتخلصت من حكم الإنقاذ وفتحت الباب على مصراعيه لحكم مدني ديمقراطي ، فكيف يكون موقف الذين لم يسمح لهم بالمشاركة أصلاً ؟ سؤال أخير: هل هنالك موثق ينص على أن العسكر لن ينقلبوا على قحت مرة أخرى؟ لا أظن.
اهو كل لعب في لعب.. لا أحد فيهم يهمه إقناع الآخر وكل مايهمه الأنفراد بالسلطة.