مقالات سياسية

هل فهمت “قحت” الدرس ، وهل اتعظ العسكر ؟

 إبراهيم سليمان

في البدء نهنئ الشعب السوداني المعّلم ، الذي تحدى الصعاب ، وصنع التاريخ مرة أخرى ، والتحية له ، فقد ظل يدهش العالم الذي تحّول إلى قرية إلكترونية ، أنه قادر على تدبير أمره ، وظل يقدم الدليل تلو الآخر على أنه مختلف ، وأن اليأس لن يعتريه ، مهما تراكمت المتاريس في مسيرته الشاقة ، ومهما علت الحواجز في سبيل تحقيق غاياته النبيلة، في بناء دولة الحُلم ، الدولة المدنية الديمقراطية.
لا شك أنّ ما يدهش العالم من المشهد السوداني  أنّ الاختلاف بين مكوناته السياسية والعسكرية ، لا يفسد للود قضية ، وغالباً الوسطية العامة، ترّجح احتفاظ الفرقاء بمساحات تسمح بالتواصل ، ورغم لغة التخوين ، يظل هنالك قدر من الثقة وحسن النوايا بين المتشاكسين ، والشعب السوداني ، بطبعه “نسّاي” للمخاشنات السياسية ، وهذه رغم تكاليفها الباهظة ، لها وجه إيجابي.
راهن الكثيرون من شعوب دول الجوار ، أنّ السودانيين ،  سيستسلمون للقمع العسكري الوحشي ، لتضاف ثورتهم العارمة إلى خيبات الربيع العربي ، ولكن هيهات ، فقد خاب ظنهم فيما يبدو ، ولتأكيد هذه الفرضية ، دعونا نقف على ما ينبغي فعله ، من القوى المدنية وجنرالات العسكر ، تجنباً لتكرار إخفاقات وأخطاء الفترة الانتقالية الأولى.
• المآخذ على “قحت” معروفة للقاصي والداني ، سيما وأنّها قيمت تجربتها كحاضنة سياسية للحكومة الانتقالية الأولى ، وأقرّت بكل شجاعة ومسئولية بأخطائها ، وبالتالي غير مبرر أن تكرر الوقوع فيها مرةً أخرى.
• أولى تلك الأخطاء ، توقيعها على وثيقة دستورية معيبة في 2019م ، فرضت شراكة غير متكافئة بين المدنيين والعسكرين ، كبّلت يديّ رئيس الوزراء ، وجعلته عاجزاً حتى عن الاضطلاع بصلاحياته الدستورية المنصوص عليها في الوثيقة.
• وبما أنّ “قحت”، قد أجّلت القضايا الشائكة إلى مفاوضات اللحظات الأخيرة ، والتي تتمثل في تحقيق العدالة ، والعدالة الانتقالية ، بما فيها افتراضا ، تسليم المطلوبين دوليا من رموز النظام السابق، وتفكيك تمكين نظام الـ 30 من يونيو 89 ، المأمول منها ألاّ “تدقُس” مرة أخرى ، وترتكب أخطاء مميتة في أي من هذه القضايا الجوهرية.
• إن منحت “قحت” الحصانة الدستورية الصريحة أو الضمنية ، لقيادات العسكر ، أو تعّمدت المداراة فيما يخص تفكيك تمكين النظام البائد من مفاصل الدولة ، تكون قد حفرت قبرها بظلفها ، وهذه المرة لن تقوم لها قائمة ، وإن صارت “بعاتية” عنيدة، أو قطة بسبع أرواح.
• الشيء المؤسف أن “قحت” نكصت بعهدها ، وشاركت في السلطة التنفيذية خلال الفترة الانتقالية الأولى ، ووجدت لنفسها مبررا واهيا ، في اتفاق جوبا للسلام ، لتدخل في محاصصات حزبية معيبة ، وأجازت بعض الحقائب الوزارية لكوادر حزبية ضعيفة ليست لها مؤهلات ، وبدون خبرات عمليه حتى في أدنى مستوياتها. بجد كانت الحكومة الانتقالية التي انقلب عليها العسكر في 25 اكتوبر  حكومة فضيحة بكل المقاييس ، والشواهد كثيرة ومعروفه ولا داعِ لذكرها.
• كرر السيد أحمد حضرة ، القيادي بمركزية “قحت” مؤخرا ، تأكيد ذلكم الوعد مرة أخرى بقوله : “لن تكون لقوى الانتقال مشاركة حقيقية على مستوى المجلس السيادي والوزراء” رغم أن عبارة “مشاركة حقيقية” فضفاضة وحمّالة أوجه. نتمنى أن تلتزم “قحت” بهذا الوعد ، وألاّ تكرر النكوص عنه فتردى.
• فشلت “قحت” في الالتزام بالتواقيت الزمنية للاستحقاقات الدستورية ، ومن يتساهل مع الزمن الدستوري ، لا نظنه سينجز عملا ، يجب على “قحت” في الفترة المقبلة ، الابتعاد عن ثقافة إعادة جدولة المصفوفات الزمنية المترهلة ، فالزمن باتر ، سيما إن كان انتقاليا ، ويستحق احترام الجادين.
• يجب أن تكون مواقيت تعيين رئيس الوزراء ، وتشكيل الحكومة ، وتعيين حكام الولايات ، وافتتاح المجلس التشريعي ، وتعيين رئيس جهاز المخابرات والأمن الوطني ، وتعيين رئيس القضاء وتعيين رئيس المحكمة الدستورية ، وتعيين رئيس مفوضية الانتخابات ، وتعيين رئيس العدالة الانتقالية ، يجب أن تكون تواريخ هذه الاستحقاقات الدستورية مقدسة ، احترامها مقدم على التوافق على شاغليها ، هنالك قيادات سياسية ، مدمنة للتشاكس ، وكما قال القيادي جعفر حسن ، الشعب السوداني لم يتوافق على استقلال البلاد ولن ينتظر منها التوافق التام على شيء دون ذلك . إن نجحت “قحت” في اجتياز هذه المواقيت الدستورية ، تكون قد قطعت نصف مشوار نجاحها.
• من مآخذ الشعب السوداني على “قحت” وباعتراف قياداتها ، ابتعادهم عن الشارع الثوري ، ولا شك أنّ التقّرب من شباب الثورة ، في ظل معارضتهم “للتسوية” الأخيرة، يحتاج إلى أولي العزم من الرجال . ذلك أنّ الكثيرين من قيادات قوى الحرية والتغيير، من الذين تولوا مناصب دستورية وتنفيذية ، خلال الفترة الانتقالية الأولى ، ظلوا يدافعون عن حكومتهم العرجاء ، بدلاً عن الدفاع عن ثوابت الثورة ، إلى أن غشيتهم رياح انقلاب الـ 25 أكتوبر.
• من أكبر الأخطاء المتوقع تكرار وقوع “قحت” فيها، السكوت عن قتل المواطنين السودانيين أينما وجدوا عدوانا وظلما ، سيما شباب المقاومة السلمية ، أصحاب “الساس والراس” لثورة ديسمبر المجيدة ، في شوارع المدن الثائرة ، بسلاح القوات النظامية ، الآيلة قيادتها لرئيس الوزراء ، الآمر والناهي لتصرفاتها.
• لا نستبعد أنّ العسكر سيخرجون مرة أخرى من ثكناتهم إن صدقوا وعادوا إليها بموجب توقيعهم على وثيقة ديسمبر 2022م ، لذا نذّكرهم بأنهم لن ينجحوا في مغامراتهم المتوقعة ، على الأقل وهم شعث اللحى ، مرجعيتهم أمثال علي كرتي ، وقدوتهم أمثال العقيد إبراهيم الحوري ، ولن ينجحوا في وجود “الفريق” حميدتي، لحسابات خاصة به شخصيا وبقواته (الدعم السريع) ، إن أدمجت في القوات المسلّحة ، أو ظلت قوات مستقله.
• هل أتعظ العسكر أن القوة التي يمتلكونها ليست كافية للي ذراع الشعب السوداني ، وإرغامه على التخلي عن أشواقه في تأسيس الدولة المدنية الديمقراطية ، وأنّ المجتمعين الدولي والإقليمي ، لن يكونا بذات الأريحية تجاه الحكومات العسكرية الانقلابية، سيما الثيوقراطية منها ، وأنهم قد أخطأوا حين سمحوا بأدلجة القوات المسلّحة السودانية ، وسمحوا بتلطيخ سمعتها حين فتحوا بواباتها للإسلاميين تجار الدين.
• خوفنا على “قحت” ألاّ يصبر عليها الشارع ، إن لم تتعظ من ماضيها القريب ، لهو أكبر من خشيتنا عليه من بارود العسكر، المبلول بدماء الشهداء . خوفنا على “قحت” من السقوط المدوي ، إن هي فشلت أن تطعم الشعب السوداني من جوعٍ، وأن توفر لهم الأمن من خوفٍ على أرواحهم وممتلكاتهم.

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى